الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

كيف نكون معارضة؟

"أولئك الذين لم يغرق مركبهم لا يعرفون شيئاً عن البحر" (تصوير نبيل إسماعيل).
"أولئك الذين لم يغرق مركبهم لا يعرفون شيئاً عن البحر" (تصوير نبيل إسماعيل).
A+ A-

كتب أحمد عثمان

سيدات المعارضة اللبنانية وسادتها الكرام،
 
تحية طيبة وبعد،
 
أكتب إليكم/ن في هذه الفترة التي تكثر فيها التشكيلات الحكومية المتداولة على "واتس-آپ"، وأكتب لأن الكثير من هذه التشكيلات الحكومية يطرح أسماء شخصيات مما يُعرف بالمجتمع المدني، وبإمكاننا البدء بتوصيفها على أنها "المعارضة"، علمًا أن هذه الشخصيات تسارع إلى نفي أن يكون أحدٌ قد تواصل معها، ونفي نيتها في المشاركة في أي تشكيلة حكومية مقبلة.
 
أرجو أن أكون مخطئًا وقليل الاطلاع، لكنني أخط إليكم بهذه السطور لأوصل إليكم/ن فكرةً أراها أقلوية ضمن المعارضة، ألا وهي أننا نحن الشعب اللبناني بحاجة إلى مشاركتكم في أي حكومة مقبلة، وإذا ما نفذ الرئيس عون طاولة الحوار التي طرحها لبناء الدولة المدنية، فسنحتاج لمشاركتكم/ن فيها أيضًا؛ بإختصار، نحن بحاجةٍ إلى مشاركتكم في الحياة السياسية منذ الآن. لا نملك ترف الانتظار للانتخابات الپرلمانية الآتية، وفي الواقع فإن مشاركتكم في الحياة السياسية الحالية لا مفر منها لأداءٍ مقنع في الانتخابات الپرلمانية الآتية، لأن الأداء السياسي هو من أكثر الأشياء تراكميةً، ولا يمكن الإتيان به دفعةً واحدة.
 
أعرف أن الوجهة السائدة في المعارضة تقول إن المشاركة في الحكومة الآتية هي بمثابة صك براءة على أداء السلطة السياسي، لكن واقع الحال أن المشاركة في حكومة ما هي ما نصنعه بها، وقد تكون حالة توكيدية مثلما قد تكون حالة اعتراضية. بالنسبة إلي، حري بنا ألا نفكر بالمشاركة (أو عدمها) من منظار اعتراضي، بل أن نفكر بالاعتراض من منظار المشاركة (أو عدمها)؛ بمعنى آخر، حري بنا أن نسأل أنفسنا، ما أمثل السبل لنا أن نعترض؟
 
پراغماتيًا، لا أعرف شخصيًا أية لحظة تاريخية أثبتت المقاطعة السياسية فيها فعاليتها، وأفهم جيدًا أن المعارضة اللبنانية الحالية مقتنعة باستحالة التغيير من الداخل (وهو أمر فيه وجهة نظر وإن كان بالإمكان الطعن به)، إلا أننا حتى إذا سلمنا جدلًا بأن التغيير من الداخل مستحيل، فإن التغيير من الخارج أصعب من مستحيل. فضلًا عن ذلك، فإن المقاطعة السياسية هي فرصة تفوتها المعارضة على نفسها لتعلم الحياة السياسية في ممارستها اليومية، وهو أمرٌ خطير، لا سيما إذا أدركنا أن السلطة السياسية ماضية بتعميق خبرتها السياسية، يومًا بعد يوم، سنةً بعد سنة، بغض النظر عمن قاطع ومن شارك.
 
أن نفوت قطار الممارسة السياسية فرصة ضائعة، وللحق فهو امتداد لقناعة متأصلة في نفوس (أغلب) إصلاحيي لبنان منذ 1975، مفادها أن الحياة السياسية "شي وسخ" ويجب عدم خوض غماره، علمًا أن ثمن تعففنا التاريخي هذا قد كان انكفائنا عن الحياة السياسية، وبالتالي ترك الساحة السياسية لقمةً سائغة لأمراء الحرب وزعماء الطوائف، وهو ما ندفع ثمنه اليوم حرفيًا ومن جنى عمرنا.
 
شكلت «بيروت مدينتي» وأخواتها من ليستات المعارضة في الإنتخابات البلدية لـ2016 لحظة العمادة لفكرتي المبادرة والمشاركة السياسية للإصلاحيين، وقد بنَوا على هاتين الفكرتين في الانتخابات الپرلمانية لعام 2018، ويعني هذا أن ما أتكلم فيه ليس بالجديد تمامًا، غير أني لا أزال أرى الكثير من الطوباوية في مقاربة إصلاحيي لبنان للممارسة السياسية. أعتبر صراحةً أننا أخطأنا حين رفضنا أن نتحاور مع السلطة خلال ثورة تشرين، وأن سقف الثورة كان محدودًا أصلًا للكثير من الأسباب، إلا أنه كانت ثمة كوات مكاسب كان بإمكاننا أن نغتنمها إذا ما تمأسسنا أكثر وتعففنا أقل، وأخشى أن أرى في مقاربة المعارضة الحالية امتدادًأ لفكرة التعفف السياسي التي ربينا عليها.
 
أطلب منكم/ن صراحةً وجهارة أن تشاركوا سياسيًا في الفترة المقبلة على ضراوتها وترهلها ونتانتها، لأني كمواطن لبناني بحاجةٍ إلى مشاركتكم، وأرجو منكم/ن أن تقترفوا ما طاب لكم من الأخطاء الاستراتيجية والإملائية والأفقية والعامودية، وأترك بحوزتكم مقولة لا أدري أين قرأتها، ولعلّها لمارك توين: "أولئك الذين لم يغرق مركبهم لا يعرفون شيئاً عن البحر".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم