السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

رسالة مفتوحة إلى السيد إيمانويل ماكرون

الرئيس الفرنسي خلال زيارته لبنان ("النهار").
الرئيس الفرنسي خلال زيارته لبنان ("النهار").
A+ A-

كتبت كارلا يارد

لا تزال الطقوس والعادات متأصِّلة في الحياة الاجتماعية في لبنان. واللبنانيون جميعًا ممتنُّون لكم على الزيارة الأولى التي قمتم بها في 6 آب لتقديم التعزية، في حين أن أحدًا من (اللا) مسؤولين السياسيين اللبنانيين لم يُظهر اللياقة ويتلفظ بكلمات ندم او تعزية لشعب ألمَّت به المصائب من كل حدب وصوب. تُرى هل هم أيضًا أموات؟

عند الحداد، يأتي الأقارب والأصدقاء معزِّين، وفي بالهم سؤالان لا مفرَّ منهما:‏

- "شو صار له"؟

- "أديش عمره"؟

طبعا، أنتم لن تسألوا لبنان عن عمره. لأنكم تعرفون الجواب حق المعرفة:‏ مئة عام. فأنتم عرّابوه. وأنتم الشاهد المميز على تاريخه الرائع ولو الصاخب. عمومًا، يستفسر الناس حول عمر الفقيد تفاديًا للانفعالات والمشاعر المفرطة التي تتخطى الحدود الشخصية. لعلَّ مئة عام من الفساد كفيلة أن يوضع البلد المحتضر (؟) الميت (؟) في فئة مَن لا يستحق أن تُذرف عليه ولو دمعة خفية؟ لبنان استطاع ان يعيش. نعم، ولكن هل كان عيشه كريمًا؟ أم مهينًا؟ قلَّما يهمُّ ذلك اليوم!

أما حين تسألون عن سبب معاناة هذا البلد، فتنالون عددًا من التشخيصات المتضاربة. فبعضهم يعزو عذاب لبنان إلى أنه بلد فيه عيوب وتشوُّهات منذ ولادته. وآخرون يرون أن لبنان هو بلد الرسالة على قول البابا يوحنا بولس الثاني، او بلد يلعب دور صندوق بريد في خدمة "محاور" عدة. هذا البلد ليس وطننا فقط، بل هو ولدنا. ومهما بلغ عمر الولد أو ساءت حالته، لا شك أن فقدانه هو أكثر ما يؤلم والدَيه. ونحن نعيش هذا الألم إفراديا وكأمّة. أحد المحللين السياسيين يصف مَن هم وراء أحزاننا ومآسينا بكلمات مختصَرة:‏ "م & م" (اتحاد الميليشيا بالمافيا).

في آب، كانت نصيحتكم، لا بل وصيُّتكم لنا، تأليف حكومة وحدة وطنية. لكنكم على الارجح لم تدركوا أن هذا المصطلَح في لبنان يشير إلى تواطؤ قادة الأحزاب الطائفية المسؤولين عن حالة البلد الميؤوس منها. هؤلاء الاشخاص معتلُّون اليوم بمرض الإنكار ويتشبَّثون بالسلطة ليضمنوا إفلاتهم من العقاب. في الواقع، هم استقروا عقب الحرب الأهلية من خلال إبرام قانون عفو يبرئهم من الجرائم التي ارتُكبت خلال الحرب. وتقولون لنا: "أنتم انتخبتموهم". صحيح. يبدو أنهم وصلوا عبر الطرق الديموقراطية، إلَّا أنهم عمدوا إلى اتباع قوانين انتخابية مصمَّمة على مقاسهم وإلى مصادرة أصوات الناخبين.

زرعت الأيام التي سبقت وصولكم إلى لبنان بسمة على وجوهنا المنكوبة، وأضحكَنا تسارعهم على إنهاء الاستشارات مبدين بذلك غيرتهم أو خوفهم من أن توبخوهم. وأعتقد أن عودتكم شجعت أيضًا الجهات الفاعلة في المجتمع المدني وثورة تشرين على دفع مفاوضاتهم خطوة نحو الامام وعلى إعلان اتفاق يجمع بين الجهات الفاعلة التي لم تتسخ أيديها على مدى الثلاثين سنة المنصرمة. شكرًا جزيلًا لكم!

بدلاً من نسج كفن للبنان، هل يمكن أن نطلب منكم، بصفتكم دولة مانحة، أن تضعوا شرطًا أوليًّا للإفراج عن أموال "سيدر" صندوق النقد الدولي ومجموعة الدعم الدوليّة... لتجعلوا اتحاد الميليشيا بالمافيا يتبنى قانونًا واحدًا، قانونًا يتيح للبنان الجديد أن يعيد تأسيس ذاته؟ نريد قانونًا قائمًا على شفافية جميع حسابات الإدارات العامة.

وبدلاً من وضع كفن على جسد لبنان المحتضر، نرجو من حضرتكم، أن تساعدونا في كشف النقاب عن الأعمال الإجرامية لعصابة محتضرة إنما متمسكة. نطلب منكم ذلك بعيون دامعة، تحت عنوان مساعدة شعب متألم ومعرَّض للخطر، وباسم واجب التدخل لمصلحة بلد معرَّض للانقراض.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم