الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

المواجهة الأميركية الصينية الباردة من أجل السيطرة الاقتصادية

لقطة من بيجينغ (أ ف ب).
لقطة من بيجينغ (أ ف ب).
A+ A-
خالد العزي

مما لا شك فيه أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعاً في منسوب التصعيد الإعلامي والدبلوماسي والاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة بشكل واسع، حيث أصبحت اللقاءات والمؤتمرات والإعلام الخارجي تعبر عن تلك الخلافات واتساع الهوة بين الطرفين .في الوقت الذي لم تخفِ الإدارة الجديدة في البيت الأبيض هذا التصعيد، بل كانت واضحة في وضع الصين على لائحة الدول التي تهدد الأمن القومي الأميركي والعالمي. وقد حددتها تقارير الاستخبارات الأميركية للعام 2021، بأن الصراع أصبح على النفوذ الاقتصادي، حيث باتت فيه الصين على قاب قوسين من إعلان نفسها ليس فقط منافساً للولايات المتحدة، بل القوة الاقتصادية الأولى في العالم.
- لم تكن خطوات الولايات المتحدة ضد النفوذ الصيني مجرد زوبعة في فنجان، بل تخطت ذلك لناحية الشعور بالخطر الحقيقي الذي بات يهدد قدرات أميركا الاقتصادية وقدرة السيطرة بسبب خطة الطريق التي تتبعها الصين للوصول إلى المكان المطلوب عبر النفوذ الاقتصادي وليس الحرب والدبلوماسية.
لم تكن نكتة حين عرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب شراء غرينلاند عام 2019، فالجزيرة ذات الحكم الذاتي التابعة لمملكة الدنمارك تضم أكبر رواسب المعادن الأرضية النادرة غير المستكشفة في العالم، وهي الموارد الضرورية التي تحتاجها الولايات المتحدة لبناء كل شيء من أجهزة آيفون وحتى الصواريخ، وتعتمد في الحصول عليها بشكلٍ شبه كامل على الصين الآن.
أما النيوديميوم، فهو يتمتع بخصائص مغناطيسية تسمح له بإنتاج مغناطيسات قوية للغاية، وهي المغناطيسات التي مكنتها من تصغير الأجهزة والإلكترونيات المنتشرة مثل أجهزة آيفون.
الولايات المتحدة منذ فترة طويلة تعلم أن المارد الصيني بات يحاصرها من كل الاتجاهات، ولا بد من تفكيكه تدريجياً من خلال إيجاد البدائل لهذا المأزق، ومن بينها معضلة الحزب الشيوعي الصيني الذي يعتبر سبباً أساسياً من أسباب التنافس الذي بات على واشنطن التفكير الجدي في كيفية التخلص منه.
إذن المشكلة تدور حول النفوذ الاقتصادي بين أميركا والصين في ظل إبراز الدوافع الصينية التي تجعلها قوة اقتصادية في الاستثمارات التي تعمل عليها بكين لتدعيم البنية التحتية في المدن الصينية والأرياف، والتركيز على التعليم في المراحل العليا والجامعات وخاصة في مجال الرياضيات والتكنولوجيا والهندسة المدنية، والمساعدات المالية التي ترصدها الدولة الصينية للأبحاث الدراسية ومساعدة المراكز البحثية التي باتت تتفوق في مجال العلوم والدراسات على باقي الجامعات العالمية وحتى في مواجهتها المنفردة لفيروس كورونا.
استطاعت الصين في الفترة الأخيرة من الاستحواذ على جذب الشركات العالمية الكبرى من أجل التصنيع وتوفير الشروط الملائمة لعملية التصنيع الذي يسمح للصين بتصدّر المراتب الأولى عالمياً. دخلت بكين في عالم التصنيع النوعي وغزو الأسواق الدولية وخاصة شركة الهواتف الصينية هواوي وسيطرتها على الأسواق، وباتت منافسة للشركات الكبرى، بما فيها الشركة الأميركية أيفون والكورية الجنوبية سامسونغ، لكن المشكلة أن هواوي انتقلت إلى العمل بالجيل الخامس، وأصبحت الأسواق ممتلئة بنموذج "4G الفورجي". هذه النقلة النوعية في عالم السيطرة الإلكترونية في العالم باتت تعتمد على التحرك الآلي الذي يتم التحكم به من خلال المركز.
لذا لم يقتصر دور الصين على إعادة الإنتاج وتحديث الاقتصاد الداخلي، بل ذهبت بعيداً في الدخول إلى الأسواق العالمية والاستحواذ عليها أو الاستثمار فيها، حيث باتت القيادة الأميركية مقتنعة تماماً بأن التنافس مع الصين ناتج عن طبيعة النظام نفسه، أي في التحالف بين الحزب ورأس المال، ما يعني أن المنافسة مستمرة ما دام هذا النظام قائماً. ومع ذلك، فقد شددت الإدارة على "محاولة تغيير نظام الحكم المحلي القائم في جمهورية الصين الشعبية".
لكن للصين علاقات واستثمارات كبيرة مع العالم بشكل عام والعربي بشكل خاص، حيث لم تدخل الصين إلى الشرق الأوسط من البوّابة الإيرانية. وسبقت الاتفاق الصيني – الإيراني الأخير، مبادرات صينيّة مع العالم العربي من المحيط إلى الخليج. فمنذ عام 2005 وقّعت الصين عقوداً مع الدول العربية تبلغ قيمتها 148 مليار دولار، خصص ثلثها لمشاريع الطاقة.
تقول الدراسات الإحصائية إنّه بين عاميْ 2015 و2016 فقط، ارتفعت قيمة قروض الإنماء الصينية للدول العربية في الشرق الأوسط عشرة أضعاف، لتصل الى 3.5 مليارات دولار. معظم هذه القروض أُنفق على توسعة المطارات.
في الوقت الذي تعيش فيه الولايات المتحدة حالة من الخلافات السياسية والاثنية الداخلية والتراجع في الأوضاع الداخلية والأعمال البحثية، بسبب التراجع الصناعي وسيطرة التوجهات الليبرالية الاقتصادية الجديدة المتوحشة على القطاعات الإنتاجية والمالية، فالتراجع واضح لدى الدولة الأميركية وخاصة في ظل سيطرة جائحة كورونا الأخيرة وطريقة التخبط في معالجتها، والسيطرة السريعة عليها، مقارنة مع الصين التي أثبتت للجميع مدى القدرة والالتزام الحديدي لشعبها في تنفيذ مقررات الدولة الحزبية التي تعيش في ظل نظام عسكري حديدي وتوجه إيديولوجي حزبي دكتاتوري شيوعي ونظام اقتصادي ليبرالي يعتمد على اقتصاد السوق الموجه.
لذا تملك بكين قدرة عالية لخوض أي حرب ضد واشنطن نظراً لسيطرتها على قطاع حاويات المرافئ الدولية، ما يساعدها على محاصرة أميركا بحرياً وتحويلها إلى سلاح المواجهة المباشرة، لأن التوحش الصيني كما يطلق عليه في السياسة الأميركية استطاع العمل البطيء على الاستحواذ على شركات الحاويات في المرافئ العالمية واستئجار العديد من المرافئ الدولية لتطويرها وتحديثها أو لاستخدامها المباشر في خدمة مشروع خط الحرير والطوق البري والبحري .
فان السيطرة على سلاح المعادن الأرضية النادرة التي تمثل الصين منها حوالي 63% ، في المعادن النادرة هي المواد التي باتت تستخدم في الصناعة الحديثة التي تعتمد على اقتصاد المعرفة والتي لم يعد يستغنى عنها في ظل التطور التكنولوجي الجديد في ظل ثورة الاتصال والثورة الرقمية، والتكنولوجيا الحديثة باتت تحتاج الى هذه المعادن وتصنيعها في إنتاج الهواتف الذكية وخاصة الأيفون، والسياسات البيئية التي تعمل على الكهرباء والمقاتلات الجديدة والدرون وأنظمة الصواريخ الذكية وأشياء كثيرة يمكن تعدادها، باتت تدخل في علمنا الحديث والتي لا يمكن الاستغناء عنها أبداً، في ظل توفر هذا النوع من المعادن المميزة التي مكنت الصين من استخدام هذا السلاح العالمي الجديد.
تملك الصين سلاحين يمكن أن تواجه الولايات المتحدة بهما في ذروة الحرب الاقتصادية والتكنولوجية، ما يفرض على الولايات المتحدة ممارسة سياسة المد والجزر في تعاملها مع التنين الصيني الصاعد كالصاروخ، حيث لم يعد بالمستطاع الوقوف بوجهه أو ردعه بطريقة عشوائية أو بطريقة متسرعة تؤدي إلى مواجهات عسكرية، لذا يمكن استيعاب الصين وفقاً لنظرية بطريرك السياسة الأميركية هنري كيسنجر في أيام الحرب الباردة بالاحتواء والمنافسة.
لقد فهمت الولايات المتحدة أن الصين باتت نقطة صعبة ولا يمكن التعامل معها بواسطة التهديد أو العقوبات أو فسح المجال أمامها، بل يجب التضييق عليها وفقاً لخطة مدروسة تعمل على استنهاض الاقتصاد الأميركي من خلال حماية الحلفاء الذين يشكلون رافعة في المعركة التنافسية مع الصين .
لقد بات بإمكان الصين "حرمان" أميركا من صناعة "الأيفون"، ليس هذا فقط، بل إنها تستطيع منع واشنطن من إنتاج صواريخها وقنابلها الذكية، بفضل هيمنتها على إنتاج المعادن الأرضية النادرة، وامتلاكها للعمالة والمعادن الأرضية النادرة في إنتاج نفايات مُشعّة وانبعاث ملوثات رئيسية أخرى تخول الولايات المتحدة من الإمساك بأوراق تبرز ضد الصين التي لا تملك قدرات على حماية البيئة وحماية الطبيعة من المعادن.
من هنا نجد ان المعركة ليست بسيطة بين العملاقين، بل باتت تحتاج إلى العديد من النقاط التي يمكن كسبها من خلالها لإثبات النفوذ وليس مجرد عرض العضلات من قبل الطرفين، بل بات تحديد التوجه للاقتصاد العالمي ونوعية الشركاء وطبيعة الاستثمارات ونوعية المنتجات والأسواق المطلوبة ونوعية الإنتاج القادم وفقا لخطة واضحة مرنة تعتمد على رؤية وأهداف وتوجهات سياسة موضوعة في استراتيجية مؤسساتية.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم