الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بين إيران وإسرائيل... خاتمة الأحزان العربية

المصدر: "النهار"
الأمير بن سلمان مستقبلاً الرئيس بايدن. (الصورة عن "أ.ف.ب").
الأمير بن سلمان مستقبلاً الرئيس بايدن. (الصورة عن "أ.ف.ب").
A+ A-

 

 رائد المصري

عجَّلت الحرب الروسية الأوكرانية من ضرورة إقامة التسوية وترتيب الأوراق في إقليم الشرق الأوسط، طبعاً من دون رسم معالم الحلّ للقضيّة الفلسطينية نتيجة التفاهم المبطَّن بين روسيا وأميركا على الدور، ولأن إسرائيل صارت هي المحدِّد الرئيس في سياسات المنطقة، خصوصاً على مسارَي النفط والغاز والعلاقات مع إيران والتعامل مع أدواتها كخطوط دفاعية متقدِّمة عن طهران في المنطقة العربية، منها ما يخصُّ المملكة العربية السعودية ودورها الإقليمي، ومنها ما يخصُّ سوريا وجنوبها، ومنها ما يخصُّ لبنان ودور "حزب الله" فيه استراتيجياً. هذا ما يطرح سؤالاً حيال كيفية مسار التطورات في الإقليم وتحالفاته بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

 

أولاً: تحاول إسرائيل الاستفادة من التحوُّلات الدولية لملء الفراغ الأمني والاقتصادي، والحاجة الأوروبية لنقل الغاز والنفط الى القارة، ولذلك هي بحاجة الى تمْتين تحالفاتها مع تركيا واليونان، وعقدت مع مصر أكثر من اتفاقية اقتصادية تتعلق بالطاقة وإمداداتها ومنعاً لأيِّ تشويش أو عرقلة ما دامت تل أبيب عاجزة عن ضرب أو تقييد أو التعامل مع ما تعتبره أدوات إيرانية في المنطقة، سواء في لبنان عبر "حزب الله" أو في سوريا، من خلال القصف اليومي المركَّز لمواقع إيرانية عسكرية وآخرها كان قصف مطار دمشق وإخراجه عن الخدمة، وهو ما أثار حنق روسيا التي سلَّمت بمبدأ القصف الإسرائيلي لكن ليس على قاعدة الإحراج مع الحلفاء.

بالإضافة لذلك، فإن إسرائيل قد استبقت حربها الإلكترونية ونصب الجواسيس وإنشاء الخلايا في إيران لتدمير وتقويض عمل تطوير المفاعلات النووية واغتيال العلماء وكبار الشخصيات العسكرية وتسعير وتيرة الحرب مع طهران، رافقته مع نصْب شبكة رادارات استكشافية في الخليج العربي ومضيق هرمز وتقوية التحالفات مع الجانب العربي والخليجي، ولذا أرادت تل أبيب أن تدخل مباشرة الى قلب إيران ونقل المعركة الى الداخل خشية من أية تطورات قد تنشأ ولا تكون في حساباتها.

 

ثانياً: الملف النووي الإيراني والمفاوضات التي تجمَّدت مفاعيلها بين إيران والغرب بعد الانسحاب الأميركي منه، يتعلق بمواضيع والتزامات عدة: منها التقييد على مستوى التخصيب، وكذلك الصواريخ البالستية الإيرانية وأخيراً وليس آخراً الحضور الإيراني وتأثيره في المنطقة العربية عبر أدواته وكيفية التعامل معه من خلال الحرس الثوري الإيراني، الذي لا ترغب واشنطن في إعفائه من العقوبات، بل إبقائه تحت العقوبات حتى لو تم الاتفاق، ولهذا الملف خصوصية كبرى لأنَّه يتعلَّق بالدور الإيراني الذي يكبر ويأكل من الصحن الإقليمي لدول عربية وازنة وخاصة في منطقة الخليج ومصر.

 

الحاجة الأميركية لطَيّ صفحة الملف النووي الإيراني الآن باتت ملحّة من أجل إقفالها بسبب تطورات الحرب الروسية على أوكرانيا، والتفرغ لهذا الهمِّ الاستراتيجي الكبير، ومعها محاولة احتواء طهران والاستفادة قدر الإمكان من نفطها وغازها في تغطية الاحتياجات الغربية لتعويض الطاقة الروسية التي تمَّ إقفالها.

لكن دون ذلك عقبات حيث تميَّز الموقف العربي والخليجي بالذات بحصافة وذكاء، وتعاطى بخبرة عالية في الحصول على المبتغى المطلوب، من دون أن يستخدم سلاح النفط والزيادة عبر أوبك بلاس إلّا بما يضمن ولا يهدِّد أمن الطاقة العالمي، وليس رغبة بما تريده واشنطن واستخدامه في الاستثمار والاستقطاب الدولي بوجه روسيا، فلن تقبل دول الخليج بحلول أميركية مع إيران من دون ضمانات أمنية تتيح لها أن تلعب بأريحية وتأخذ دورها التاريخي والحقيقي كقوة وازنة في المنطقة، وهذا أمر مطلوب أميركياً وأوروبياً بالتعامل مع إيران وإقفال ملفها النووي وامتداداته الإقليمية على المستوى العربي، فصحيح أن واشنطن تتعجّل إنهاء ملف التفاوض مع إيران، لكن من دون تقديم تنازلات سخيّة لها، وكذلك من دون التنصُّل من الحلفاء العرب والخليجيين، لا بل تكريس الضمان الأمني لهم، وليس كما حصل في السابق بترك الدول الخليجية تتخبَّط في ملفات المنطقة والالتفات الى إيران ونزع العقوبات عن الحوثي وعدم اتخاذ موقف أميركي أو غربي من قصف المنشآت النفطية السعودية أكثر من مرة، والتعرُّض لأمن الملاحة في الخليج العربي، وهذا هو سبب الحنق السعودي وخاصة مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، بينه وبين الرئيس جو بايدن.

ثالثاً: تأتي زيارة الرئيس جو بايدن للمنطقة وهي مهمة لناحية التوقيت، ولا تهدف فقط الى تمتين أو إقامة التحالفات الناتوية كما يصفها البعض، أو إنشاء الاستقطابات الإقليمية الحادة بوجه إيران، بل على العكس فكلُّ ما جرى هو التأسيس لمرحلة ما بعد تفعيل ملف التفاوض النووي بين إيران والغرب، وترتيب الضمانات الأميركية والأوروبية لدول الخليج وأولاها المملكة العربية السعودية، وهذا مطلوب أميركياً بعد إحداث الفراغ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، ومحاولة إسرائيل ملء هذا الفراغ بأخذ المنطقة الى سباق وتسعير عسكري مجهول لا تريده الإدارة الأميركية اليوم. 

وبناءً على ذلك عاود رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زياراته المكوكية وهو الذي تربطه علاقات جيدة جداً مع واشنطن، عاود بث الروح لاستكمال ملف العلاقات والتفاهمات بين طهران والرياض، التي قطعت أشواطاً كبيرة ومتقدمة في الحوار، وهذا يمهِّد الطريق ويعجِّل لتسوية الملف النووي دولياً وتداعياته عربياً وخليجياً، أقلّه لسدّ ثغرة أو أبواب جهنم التي فُتِحت وباتت تهدّد أمن الغذاء العالمي وأمن الطاقة وسلاسل التوريد حول العالم. 

إذن، تطورات إقليمية تتسارع بين استعجال إسرائيلي لنفخ الروح في شرعيتها التطبيعية في المنطقة، ومحاولتها اقتناص الفرصة لتصدُّر المشهد الإقليمي عبر ثالوث العلاقة (1) مع روسيا وأميركا وأوروبا، (2) والاستفادة من اتفاقياتها الغازية والنفطية على المتوسط، (3) وتمتين علاقاتها بدول الخليج لمنع إيران من أن تتوسَّع في دورها خصوصاً بعد عقد وإنجاز الإتفاق النووي، وتطورات عربية في زيارات مكوكية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان للقاهرة وعقد اتفاقيات اقتصادية كبيرة بلغت قيمتها 7،7 مليارات دولار ثم الزيارة التاريخية لتركيا، وبعده أمير قطر الشيخ تميم بن حمد لمصر والجزائر، في محاولة لإعادة توحيد صف الموقف العربي والخليجي قبل وصول بايدن الى المنطقة.

وكذلك تُسابق الولايات المتحدة الأميركية الوقت، وهي على أبواب الانتخابات النصفية للكونغرس لتخفيف حدة التضخم الذي بدأ يأكل من رصيدها، وتأمين البديل الغازي والنفطي والطاقوي في الخليج ومع إيران وفنزويلا لأوروبا، والعمل على توسيع دائرة حلف الناتو وتمتينه بعد الهجمة الروسية على المشروع الغربي المتمثل بأوكرانيا، قبل أن يدبَّ المَلل في صفوف الأوروبيين من استمرار هذه الحرب وتدفق الأسلحة الى أوكرانيا، وهو ما نطق به أخيراً رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في كلمته أخيراً قبل استقالته.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم