الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الانتفاضة ونظرتي إلى السنسول

غسان العياش
غسان العياش
تعبيرية (تصوير نبيل اسماعيل)
تعبيرية (تصوير نبيل اسماعيل)
A+ A-
غسان صليبي

السنسول على البحر مخالف للقانون، وهو تغليب للمصالح الشخصية على المصلحة العامة، وتشويه للطبيعة ولجمال الشاطىء. وقد جرى زرع السناسيل على الشاطئ في غياب الدولة ابان الحرب، واستمرت المخالفات بعد توقفها. فضلا عن ان منظر السنسول بشع وانت تجلس في مطعم قبالته او عندما تنظر الى الشاطئ من بعيد.
كل هذه المعطيات المرئية والملموسة لم تمنعني من ان احب السنسول في لحظة الانتفاضة. فقد كنت اجلس في مقهى مع اصدقاء في عز الانتفاضة، ولاحظت على غير عادتي اني انظر الى السنسول نظرة اليفة يشوبها التعاطف والتقبل النسبي على المستوى الجمالي. فهمت بالطبع ان حالتي النفسية وقتذاك جعلتني احب واتقبل كل ما في بلدي، الذي كان علَمُه مرفوعا في كل مكان والامل ينبض في سواعد شبابه، الذين راحوا ينشدون الاناشيد الوطنية، ويرسمون معالم مستقبل لن يكون فيه ظلم، ولا سناسيل.
تعاطفت مع السنسول على بشاعته وكجزء من وطني لا بد ان نزيله يوما ما بسواعد شبابنا.
أنا الذي كنت اكره السنسول، لم تزدني الانتفاضة كرها له، رغم انها كانت انتفاضة على كل ما كنا نكرهه. ربما لأن الانتفاضة حملت في طياتها حبا للوطن ورغبة في تغييره على حد سواء. لعلها خاصية نزعة التغيير، عندما تكون بدافع الحب وليس بدافع الهدم فقط.
بعد تراجع الانتفاضة استرجعت نظرتي السابقة إلى السنسول، بصفته عاهة على صدر شاطئنا الجميل. السنسول لم يتغير ولم يتزحزح من مكانه، فما الذي تغير وتزحزح بين الامس واليوم؟
تجربتي تقول ان الذي تغير هو نظرتي إلى الحاضر والمستقبل، والذي تزحزح هو الامل بالتغيير.
طالما ان نظرتي هي التي تغيرت من دون ان يتغير الواقع، فلماذا لا اغيّرها من جديد، كما يطالبنا الذين يدعوننا الى ان ننظر الى الاشياء "بإيجابية"؟ هذا النوع من النظرة "الإيجابية" لا يساعد على تغيير الواقع الذي نشكو منه، بل على العكس يجعلنا نتقبله. مشكلة هذه النظرة انها "فردية"، في حين ان تغيّر نظرتي الى السنسول إيجابا او سلبا، لم يكن ممكنا الا لانها كانت جزءا من نظرة جماعية.
قبل الانتفاضة كنا كما نحن اليوم، مستسلمين ولا ثقة لنا بامكان تغيير الاوضاع، ومع ذلك انتفضنا، فلماذا لا نعيد الكرّة؟
على الارجح اننا لا نعيد الكرّة لاننا جربنا وفشلنا، وربما أيضا لأن الاوضاع تغيرت.
المشكلة اليوم بالنسبة إلى الإنتفاضة، ليست فقط في غياب التنسيق والانقسامات بين مجموعاتها، او في عدم تناسب وسائلها مع اهدافها. بل المشكلة الكبرى كما اراها، اصبحت في ان الواقع الذي سعت الى تغييره عند انطلاقتها، قد اصبح واقعا آخر بفعل الانهيار المتسارع، مما بات يتطلب إما تغييرا في كامل الرؤية، وإما تغييرا في القوى المنتفضة، وإما تغييرا للاثنين معا.
في الحالات جميعها، ربما يكون مفيدا لإعادة الدفع الى الانتفاضة، ان نغيّر في النظرة الى تجربتنا والى فشلنا، وأن ننظر اليهما كما علّمتني الانتفاضة ان انظر الى السنسول، اي بحب من جهة، وبرغبة في تغييره من جهة أخرى..





حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم