الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

سعد الحريري ولعبة الشطرنج

المصدر: "النهار"
الرئيس سعد الحريري (نبيل اسماعيل).
الرئيس سعد الحريري (نبيل اسماعيل).
A+ A-
إيلي حداد

في لقاءاته المتعددة مع الأقطاب السياسيين والسفراء والمبعوثين، يجلس الرئيس سعد الحريري في منزله الراقي في وادي ابو جميل، وفي وسط "الديوان"، طاولة كبرى وُضِع على طرفها مربع لعبة شطرنج من الحجر الجميل. دائماً يسترعي انتباهي هذا المجسّم الذي لا تتحرك أحجاره، بل تقف دائماً في جهوزية للعبة مفترضة أن تحصل، لكنها لا تحصل.

وهي في منزلتها تلك، تعبّر ربما هذه الوضعية عن الوضع الحكومي المجمّد منذ أمد بعيد، فلا تتحرك الأحجار قبل أن يتم التوافق المحلي والدولي على حركتها. هذا الوضع الذي وصلنا إليه ما هو إلا نتيجة لعدم استشراف المشرّع، في اتفاق الطائف الشهير، لإمكان التعطيل هذا المتعدد الأسباب والأطراف، ولحسن ظنّه، ربما، بأن المسؤولية الأخلاقية (la responsabilité éthique) سوف تغلب على النصوص في النهاية. لكن هذه المسؤولية الأخلاقية لا تبدو موجودة لدى المسؤولين السياسيين الذين يراقبون النزيف الحاصل في البلاد، إن من مدخرات أو احتياطات أو طاقات بشرية، وكأن الأمر يحصل في بلد آخر بعيد، فيما يستصرخ بعض زعماء الدول الصديقة ضمير المسؤولين لثنيهم عن هذا التعطيل المزمن الذي تحوّل بسبب ممارسات لاديموقراطية، من عملية "انتخاب" لرئيس الجمهورية وُضعت في الثلاجة لمدة سنتين، إلى تأجيل لانتخابات نيابية، إلى عملية تشكيل الحكومة التي يختلف الأطراف حول آليتها وأصولها.

صحيح أن عملية التكليف لم يضع المشرّع لها حدوداً زمنية كي لا تبدو كأنها مقصلة فوق رأس الرئيس المكلف، لكنه لم يتوقع البتة أن تدوم هذه المهزلة أكثر من سبعة أشهر في وضع كارثي كهذا.

الأجدى، في أحوال كهذه، أن يباشر الرئيس الحريري، إذا كان فعلاً يعتبر نفسه "أم الصبي" الى الاعتذار لعدم تمكنه من تشكيل حكومة كما يراها مناسبة، تماماً كما فعل السفير مصطفى أديب، وكما كان ليفعل الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فلنتذكر فقط كيف اعتذر الرئيس رفيق الحريري عن عدم تشكيل أولى حكومات عهد إميل لحود، بعد أن بادره الرئيس الجديد ممنّناً إياه بإعطائه أصواتاً وُضعت في خانة العهد. كان ذلك كافياً للرئيس الحريري لرفض التكليف وردّه إلى صاحبه.

إن الموقف اليوم يستلزم قراراً شجاعاً من هذا القبيل، وخصوصا أن قسماً كبيراً من الشعب السجين لم يعد يتأمل أي خير من كل هذه المنظومة الحاكمة، إضافة الى ما أصبح واضحاً للجميع: لن يكون هناك تعويم لرئاسة حريرية من دون تعويم لكل عناصر المنظومة الحاكمة، ما يشكل بالفعل قراراً نهائياً بإعدام الوطن عبر تصفية لأي أمل بالإصلاح الحقيقي.

قد تكون لعبة الشطرنج الأكثر تعبيراً عن واقعنا الحالي، في جمودها القاتل. لكن هذه اللعبة التي كانت تُعطى رمزية خاصة خلال الحرب الباردة بين العملاقين الأميركي والسوفياتي، حين كان يتبارى مثلاً الأميركي بوبي فيشر ضد الروسي بوريس سباسكي، ترتكز على استراتيجيات عديدة ومتحركة بحسب الوضع، وليس على استراتيجية التعطيل والجمود. واللاعبون محكومون بمدة زمنية قصيرة لتحريك الأحجار وإلا اعتُبر ذلك خسارة وخرجوا من اللعبة. وهي تتطلب، إن أراد فعلاً أن يستمر فيها الرئيس سعد الحريري، أن يحدد من هو منافسه أو غريمه في اللعبة، لكن ذلك يبدو معقدّاً جداً اليوم في ظل عدم تحديد الغريم، أو في وضع لا يكون فيه الغريم الأصيل هو من يحرك اللعبة، إنما لاعب آخر وكيل يجلس في الظل. لذلك يتعين اتخاذ قرار تاريخي والانسحاب من اللعبة.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم