الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

٨ آذار: يوم عالمي للمرأة المناهضة للتمييز والعنف ضدها ويوم لبناني وسوري في ذكرى تعميم العنف في البلدين

المصدر: النهار
ارشيفية.
ارشيفية.
A+ A-
غسان صليبي
 
٨ آذار يوم حافل في ذهني، يختلط فيه الجميل والقبيح، الحسن والسيئ. هو منذ ١٩٤٥ يوم المرأة العالمي، الذي اتفقت على إحيائه الحركات النسائية في العالم تتويجا لنضالات سابقة وتأكيدا لمطلبها العام بالمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل.
بتُ أخجل من المساهمة في تقديم حجج حول أحقية مطلب مساواة المرأة بالرجل. أخجل من المنطق، الذي لا يفهم لماذا تحتاج النساء لكل هذه السنوات وكل هذه النضالات، ليبرهنّ أنهن متساويات مع الرجال الذين خرجوا من أرحامهن.
لا يفهم المنطق كيف ان على الاصل ان يثبت انه متساوٍ مع الفرع. ذلك انه يغيب عن بال المنطق، ان العنف الذي يلغي طبيعة الأشياء، يلغي في اللحظة نفسها منطق الأشياء.
لا شك ان عنفا شديدا مورس خلال آلاف السنين ليجعل المرأة تابعة للرجل بعدما كانت تقود الجماعة البشرية. لا شك ان العنف طال العقل والجسد عند من مارسه وعند من تلقاه، اي عند الجنسين، حتى اصبحت اللامساواة "منطقية" عند الجنسين أيضا.
***
يا لها من مفارقة ان يكون ٨ آذار هو أيضا ذكرى حدثين أطلقا سلسلة من الممارسات العنفية في لبنان وسوريا، فألغيا، مثل العنف ضد المرأة، طبيعة الاشياء، ومعها منطق الاشياء في البلدين الشقيقين.
ففي ٨ آذار ١٩٦٣ قام حزب البعث بإنقلاب عسكري في سوريا وهو لا يزال يحكمها حتى اليوم، مما أدى بعد قمع مديد، الى ثورة شعبية سنة ٢٠١١، تحولت الى حرب أهلية لا تزال مستمرة حتى اليوم. وقد قتلت الحرب مئات الآلاف من السوريين ودمرت المدن والقرى وأجبرت الملايين على النزوح الى البلدان المجاورة حيث يعيشون حياة بؤس.
بعدما حكم جيش النظام السوري لبنان لمدة ثلاثين عاما، وبعدما كان قد مضى اقل من شهر على إغتيال رفيق الحريري، نظم "حزب الله" في ٨ آذار ٢٠٠٥ تجمعا شعبيا ضخما ليقول فيه "شكرا سوريا الاسد" ردا على المطالبة الشعبية بإنسحاب جيشها، الذي خرج بالفعل بعد فترة قصيرة.
شهد لبنان إثر ذلك سلسلة من الاغتيالات السياسية وصولا الى ما سُمّي بـ"غزوة بيروت"، التي احتل خلالها "حزب الله" العاصمة مع حلفائه، مما قلب الموازين السياسية التي ترجمت بـ"اتفاق الدوحة"، ولاحقا بانتخاب عون رئيسا للجمهورية، بعد تعطيل عملية الانتخاب لمدة سنتين ونصف سنة بهدف إنتخابه.
في موازاة قمع الانتفاضة الشعبية ضد السلطة التي اندلعت في ١٧ تشرين ٢٠١٩ بمشاركة نسائية لافتة، راحت الحياة السياسية تتدهور في لبنان وصولا الى الانهيار التام حاليا، بفعل سياسات "حزب الله" المحلية والاقليمية بالتكافل والتضامن مع معظم اركان الطبقة السياسية الفاسدة.
***
"حزب الله" يؤمن بالعنف الديني والسياسي تحقيقا لأهداف يعتبرها مقدسة او سامية، و"حزب البعث" استلم السلطة بإنقلاب عسكري واستمر فيها من خلال استخدام العنف الذي تبرره عقيدته.
لا يعترف حزب الله بالمساواة الكاملة بين المرأة والرجل لإعتبارات دينية، وينظم الحياة الاجتماعية في محيطه على هذا الاساس. حتى ان ممارساته التمييزية بين الجنسين توسعت مؤخرا لتطال كليات في الجامعة اللبنانية، له نفوذ فيها، حيث يُمنع مثلا جلوس الشبان الى جانب الشابات في بعض القاعات العامة، بالإضافة الى تقييدات أخرى من الطبيعة الجندرية نفسها.
لا يتفرد "حزب الله" بالتمييز ضد المرأة بل تحذو جميع الطوائف الدينية حذوه ولو بدرجات متفاوتة، حيث تتولى تطبيق قوانينها للاحوال الشخصية المجحفة في حق المرأة.
في المقابل، وفي حين يعتبر نفسه علمانيا، يترك النظام السوري بدوره لرجال الدين أمر تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة على الاسس الدينية، اي القائمة على اللامساواة، وهذا تنسيق ضمني بين السلطتين الدينية والسياسية، في مجال تطويع إرادة المواطنين.
في الواقع لا معنى فعلي للمساواة في الحقوق، عندما تتساوى المرأة مع الرجل في كون كليهما، نكرة في نظام مستبد.
***
في ٨ آذار ٢٠٢١، ومن وحي تعدد المناسبات وحلولها في يوم واحد، يبدو جليا ان العنف ضد النساء ليس مجرد علاقة بين الرجال والنساء، بل نتيجة لأنظمة دينية وسياسية واقتصادية، تدوس بعنفها الرجال والنساء على حد سواء ولو بدرجات متفاوتة جدا.
وقد ذكّرني هذا الترابط، بالراحلة وداد شختورة التي ولدت أيضا في ٨ آذار، وهي مناضلة نقابية ونسوية وسياسية، لم تميّز في نضالها بين اهمية المساواة على مستوى الافراد وعلى مستوى الجنسين وعلى مستوى الطبقات الاجتماعية. فكانت نسوية ديموقراطية علمانية واشتراكية في الوقت نفسه. كما ان وداد لم تستتبع نضالها لا لـ"حزب الله" ولا لنظام الاسد، على عكس شريحة كبيرة من اليسار اللبناني.
***
في ٨ آذار ٢٠٢١ أيضا وبسبب الحجر المنزلي، افتقد صديقتين في عيد ميلادهما. الاولى إمرأة مسيحية عزباء تمارس الطقوس الدينية لكنها حريصة أيضا على حرياتها الشخصية. توفي والدها باكرا وكان عليها الاتكال على نفسها لإعالة امها وتأمين معيشتها. لم تكن يوما "عونية" بل كانت اقرب الى ١٤ آذار. لكنها بعد اتمام "اتفاق معراب" وانتخاب عون رئيسا للجمهورية، "آمنت" بقوة عون ووعوده، قبل ان تنكسف كثيرا منه ومن باسيل في المرحلة الاخيرة، وتنقل ثقتها الى صهره الثاني شامل روكز، العسكري المتقاعد الذي يقدم نفسه كمختلف عن عديله.
صديقتي الثانية عزباء مثل الاولى، لكنها إمرأة مسلمة شيعية، فقدت والدتها باكرا وعاشت مع أبيها وزوجته الثانية. كانت تحب اللعب مع الصبيان عندما كانت صغيرة، واصبحت نقابية ناشطة تدافع عن حقوق النساء وتشارك برقصة "الدبكة" بحماسة فيما يتدلى شعرها الاسود الجميل على كتفيها. لكنها محافظة على مستوى الحريات الشخصية، تحجبت حديثا وأكثرت الزيارات الدينية الى العراق وإيران. لا تنتمي الى "حزب الله" لكنها تحب المقاومة و"السيد".
سأسعى لرؤية الصديقتين قريبا، لأعايدهما، ولنتبادل النكات والمزحات "الجريئة". ولعلنا هذه السنة نتحادث بتفصيل أكبر، عن معاني يوم المرأة العالمي، وعن حياة وداد شختورة وتوجهاتها. وربما استطردنا وتكلمنا عن اشكال العنف الديني والسياسي والاقتصادي وعن دور كل منها، في ما وصلت اليه احوالنا في المنطقة العربية وفي لبنان. وسنعرّج وعلى الارجح على ظروفنا الشخصية وكيف تصنع منا ما نحن عليه في الحياة اليومية وفي السياسة.
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم