الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لبنان: الكساد المتعمّد والإنكار الكبير!

المصدر: "النهار"
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
محمّد فحيلي خبير المخاطر المصرفيّة والباحث في الاقتصاد
 
 
تُطلّ علينا مكوّنات الطبقة السياسية بتحويل التوظيفات إلى خسائر، وبخطط حلول للمليارات من الدولارات (خطّة التعافي المالي، خطة انتظام العمل الماليّ، قانون "الكابيتال كونترول"، وقانون إعادة هيكلة المصارف) بتشريع سداد الآلاف منها وشطب مليارات أخرى. ومن المنطقيّ أن نتوقّع أن يكون القطاع الخاصّ أكثر تفهّماً لمعاناة المواطن من الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة، ولكن... نتفاجأ بردّ سريع للقطاع المصرفيّ بلسان أمين عام جمعية مصارف لبنان على هذه الخطط بإبراء ذمة المصارف من أيّ ارتكاب خاطئ، والاعتراف بقدرة المصارف على سداد ما نصّ عليه تعميم مصرف لبنان الأساسيّ رقم 158 فقط، وهو مبلغ 200 دولار فريش شهريّاً لكلّ مودع، وذلك ضروريّ من أجل حماية كلّ المصارف. هذا ضروري من أجل حماية المصرفي وليس المصرف، لأنّ تمكين القطاع المصرفي من أجل الاستمرار في خدمة الاقتصاد يكون من خلال الدمج ورصّ الصفوف، وليس من خلال حماية كلّ مصرف وكلّ "بنكرجي".

الحقيقة المُرّه هي أنّ أصول لبنان الحالية والمستقبلية - أي ثروة الوطن - غير كافية لإملاء الفراغ في خطة إنقاذ القطاع المالي المسرّبة والتي تفتقد لمنطق الإنقاذ وتسيء تعريف القطاع وأهميته في الاقتصاد، وتُدْخِلُ قسطًا كافيًا من الضبابية في تعريف المال. وسوف تكون هذه الخطة بعيدة كلّ البعد عن استعادة الملاءة والسيولة المطلوبة لانتظام العمل في هذا القطاع الذي تمّ استهدافه في أيام الرخاء والأزمات لاستغلاله. 

لا تساوي الأصول المملوكة من قبل الدولة سوى جزء بسيط من الخسائر المالية المقدّرة محاسباتيّاً وليس مجتمعيّاً ومعيشيّاً لأنّ لبنان الوطن والمواطن مُني بخسارة أكبر بكثير من أموال المودعين وأموال المصارف. 

أرادت مكوّنات السلطة السياسية الفاسدة تظهير ترسيم الحدود البحرية مع الدولة العبرية بأنّه خشبة خلاص لبنان لما له من تداعيات إيجابيّة على استخراج وتسويق ثروة لبنان الجوفية من غاز ونفط، ويقدّر صندوق النقد الدوليّ أنّ الإيرادات من الغاز الطبيعي السائل تبلغ في ذروتها 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بموجب ملفّ تعريف الإنتاج الأساسي، ما يقلّل من التوقّعات بأنّ هذه الإيرادات (البعيدة) كافية لتغطية خسائر القطاع المالي. ولهذه الأسباب كلّها، التركيز على الأرقام وعلى الحسابات لم ولن يوصلنا إلى الحلّ. يجب ويتوجّب علينا التركيز على الأداء:

- أداء الطبقة السياسية في كلّ مكوّناتها وتفاصيلها.

- أداء المصارف والمصرفيين لجهة ممارسة الحوكمة في الإدارة، وأقصى درجات الحيطة والحذر في توظيف أموال المودعين. 

- أداء مكونات القطاع الخاص من مستوردين وتجّار جملة الذين أصبحوا اليوم، في كلّ المعايير والمقاييس، محتكرين ومضاربين في الأسواق. همّهم واهتمامهم تحصيل أكبر قدر ممكن من الأرباح. 

- أداء المواطنين وكلّ واحد منّا يعرف أين أخطأ ويتوجب عليه، ومن أجل إنقاذ الوطن، تصحيح الخطأ بما توفّر من قدرة وإرادة.

لن يكون هناك مشروع إنقاذ ماليّ يوفّر هذه المبالغ التي تحتسب لتقدير حجم الخسائر. وإذا توفرت الأموال لتسديد أموال المودعين، لن يجدي هذا الشيء نفعاً لجهة استعادة الثقة في هذا القطاع إن لم نصل إلى إحداث تغيير جذري في أداء المصارف والمصرفيين. 

وإن مدّ صندوق النقد الدولي والدول المانحة يد العون وإنقاذ القطاع العام من عجزه، لن ترمّم هذا الإنقاذ ثقة المواطن بدولته ورجالها إن لم يكن هناك تغيّر موثّق في الأداء نحو الأفضل. 

دعنا نتوقّف عن الترهيب والترغيب من خلال عرض الأرقام لشراء الوقت والإسراع في إحداث تغيّر إيجابيّ في الأداء. مقاربة الحلول تكون من خلال الاهتمام بما تريده مكوّنات الوطن:

- المودع يريد الاطمئنان على أمواله والتمكّن من الوصول إليها عند الحاجة.

- المواطن يريد من الدولة الأمن والقضاء والرقابة وحزام الأمان الاجتماعي واحترام الاستحقاقات الدستورية والمسؤولية والشفافية في إدارة المال العام.

- الاقتصاد الوطني ينمو ويتطوّر على أكتاف القطاع الخاص والأفراد وليس على أكتاف الدولة والقطاع العام. لذلك يجب تمكين وتفعيل عمل القطاع الخاص بكلّ مكوّناته من خلال تأمين البنية التحتية الضرورية لذلك.

نحن نلعب بحجم الخسائر، وأرقام الإيرادات البعيدة وغير الأكيده من الغاز والنفط، ونبني الآمال على ما قد يقدّمه لنا صندوق النقد الدوليّ، ونقرع أبواب الدول الصديقة لطلب صدقة من هنا ومن هناك، ولكنّ الشيء الأكيد الذي نتركه إلى ما شاء الله هو إحداث أيّ تغيير في الأداء!
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم