الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أي مسار لثوار 17 تشرين لتحقيق أهداف الثورة؟

المصدر: "النهار"
ثورة 17 تشرين الأول في ساحة الشهداء (نبيل إسماعيل).
ثورة 17 تشرين الأول في ساحة الشهداء (نبيل إسماعيل).
A+ A-
مارك ضو*

دخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة، القديم فيها يتفكك ويموت ولم يعد له مستقبل، والجديد يتخبط حتى يولد من رحم ثورة 17 تشرين ليؤثر في الأحداث السياسية ويرسم مشهد المستقبل السياسي للبنان. لن يلغي أحد الآخر، لكن المسار حتماً سيتغير، السؤال هو إلى أي درجة؟ الانحياز للقوى التغييرية طبيعي لدى أكثرية الشعب اللبناني، بسبب هول الجرائم والخسائر والمَذلة التي سببها حكم الميليشيات والمافيات الحاكمة وعلى رأسهم حزب الله وزمرة الأحزاب الطائفية الممسكة بالسلطة. لكن لتكسب تلك القوى ثقة الشعب اللبناني وتصبح قادرة على تحوير مسار الأمور سياسياً واقتصادياً، لا بد لها أن تحقق عدداً من الخطوات الإلزامية لإنضاج تجربتها وتطوير قدراتها.
 
 
بداية على القوى التغييرية، أن تنتج قراءة سياسية تحدد فيها الأسباب التي أوصلت لبنان إلى الكارثة التي هو عليها اليوم، وأهمها دور حزب الله، والنظام السوري، وتقييد الدستور، وتبعية القضاء والأجهزة الأمنية، والفساد والسياسات المنحازة إلى المصارف وغيرها. وهذا التشخيص يساعد على فهم الواقع ومنه طرح الحلول. كما أن هذا التشخيص يحدد ما هي الثوابت التي تتمسك بها القوى التغييرية مثل السيادة، ودستور الطائف والاقتصاد الحر. كما عليها أن تحدد المبادئ التي منها تنطلق إلى العمل لتكون منهجية التغيير واضحة لكل المنخرطين في العمل ومنها الديمقراطية والتشاركية والشفافية والعلمانية.
 
ثم عليها أن تطور أدواتها للانطلاق بالعمل السياسي، وهذا يعني أحزاباً سياسية مؤسساتية منظمة، ومراكز أبحاث، وحملات منظمة، وعملاً نقابياً. وهذه جميعها تساعد في تطوير برنامج وخطة عمل واضحة في مواجهة التحديات اليومية والمرحلية في السياسة. لعل هذا المسار بدأ يظهر التطور فيه، مع انحلال أكثرية المجموعات الصغيرة التي ظهرت خلال ثورة 17 تشرين، والآن أصبحت الساحة تضم عدداً قليلاً من الأحزاب والهيئات السياسية الأكثر تنظيماً، لناحية طرحها السياسي، وأنظمتها الداخلية، وحضورها الإعلامي وقدرتها الانتخابية. ذلك التطور برز من خلال قدرة المعارضة على التوحد في لوائح انتخابية بمواجهة المنظومة في نقابة المحامين والمهندسين والجامعات، ولما كان ذلك ممكناً لولا نضوج العمل التنظيمي للمجموعات التي أصبحت بتصرفاتها قوى سياسية فعلية. مع تطور التنظيمات ونموها ستنمو مع ذلك القاعدة الشعبية المرتبطة بتلك الأحزاب الناشئة، وتتسع رقعة انتشارها في مختلف المناطق اللبنانية، وكل أسبوع يشهد على نشاطات في مناطق مختلفة تقيمها أحزاب جديدة وهي تتمدد ضمن النسيج الاجتماعي في شتى الأقضية في لبنان.
 
بعد السردية والانتظام، يصبح وضع خطة عمل مشتركة تحدد فيها الأهداف هو التحدي التالي. التنظيمات السياسية، عند ثباتها الداخلي، تصبح قادرة على توجيه طاقاتها البشرية والإعلامية والسياسية نحو تحقيق أهداف. تحديد تلك الأهداف ووضع أولويات هو رهن بالإمكانيات المتوافرة للحزب وكذلك قدرته على التأثير في العمل السياسي. وتلك الإمكانيات هي الطاقات البشرية، والخبرة والاطلاع على الملفات، والدعم المالي. لذا نجد أن معظم التنظيمات الناشئة ما زالت رهينة سياسة "ردة الفعل" على ما تقوم به السلطة من دون القدرة الكافية لطرح موضوع أو ملف سياسي وفرضه على الأجندة السياسية في لبنان.
 
وللتعويض عن ضعف الإمكانيات تأتي المرحلة الرابعة، بعد السردية والتنظيم والأهداف، وهي تشكيل تحالفات. وقد بدأنا نرى كيف أن المجموعات المتعددة قد انخرطت منذ سنة في بناء تحالفات واسعة، من حلم وحدة كل القوى الثورية، الواقع تشكيل تحالفات بناء على تجانس سياسي وأهداف سياسية مشتركة، ومصلحة انتخابية. وقد ظهر على ساحة قوى المعارضة في لبنان تشكيلان، الأول ضم مجموعات ثورية مع أحزاب سياسية ونواب مستقيلين عرف بجبهة المعارضة اللبنانية، والتحالف الثاني ويضم عدداً من المجموعات الثورية بدعم من حزب الكتلة الوطنية والنائبة بولا يعقوبيان ويعرف بتحالف "13 نيسان". تلك التحالفات، ستصبح الأركان الأساسية في المشهد المعارض المنبثق عن ثورة 17 تشرين، وقد يضاف إليهم تحالف ثالث لقوى التغيير الجذري اليساري. تلك العملية ستجعل من قوى المعارضة أكثر قدرة على التنسيق والتعاون وإدارة المعارك الانتخابية والسياسية والمطلبية بشكل منظم وبزيادة فعاليتهم.
 
غير أن هذا المسار، سوف يثمر في نهاية المطاف توحيد عدد من تلك التنظيمات السياسية، لتصبح أحزاباً وطنية ذات حضور أكثر فعالية، ونشهد عندها أحزاباً كبيرة الحجم، ذات قدرة على التأثير بالأجندة الوطنية، تمتلك سردية سياسية واضحة، وقيادات وآلية قرار تسمح للشعب اللبناني باعتمادهم كبديل جدي وقادر على مواجهة المنظومة الحاكمة في لبنان. وقد وصلت بعض القوى إلى تلك المرحلة مع إعلان حزب تقدم، ولقاء تشرين ومجموعة الخط الأحمر عن اتجاههم إلى الوحدة في حزب سياسي واحد. ووحدة هكذا مجموعات في تنظيمات سياسية ذات قدرات وعدد من الكادرات والإمكانيات، يعطي الأمل بإمكانية تحقيق الثورة لتغيير فعلي في لبنان.
 
*عضو مؤسس وفي المجلس السياسي لحزب تقدم. محاضر جامعي في الجامعة الأمريكية في بيروت وفي الجامعة اللبنانية الأميركية في الاعلام والتسويق.
عضو هيئة إدارية في عدد من الجمعيات.

 


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم