الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مفتاح استعادة الثقة

المصدر: "النهار"
من أمام أحد محال الصيرفة في لبنان (تعبيرية - أ ف ب).
من أمام أحد محال الصيرفة في لبنان (تعبيرية - أ ف ب).
A+ A-
دانييل حاتم*
 
تُعتبر العملة أحد أبرز المؤشرات للدلالة على قوة الاقتصاد أو ضعفه، وترتبط قيمتها بشكل رئيسي بالعوامل الاقتصادية وبعض المعطيات السياسية. وتشكل الثروات الطبيعية والاحتياطات النقدية، بالإضافة إلى القدرة الإنتاجية والتصديرية للبلاد وانعكاساتها على الميزان التجاري، أكثر العوامل تأثيراً على أداء العملة. فإذا تخطّت قيمة الصادرات الواردات، أي إذا كان هناك فائض في الميزان التجاري، زاد الطلب على العملة الوطنية وتحسّنت قيمتها والعكس صحيح، إذا كان هناك عجز في الميزان التجاري، ضعف الطلب على العملة المحلية وبالتالي ضعفت قيمتها.

على الرغم من ضعف الأداء الاقتصادي في لبنان، ولاسيّما في السنوات الأخيرة، بحيث بلغ العجز في الميزان التجاري حوالى الـ17 مليار دولار سنوياً، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة والعائدات من القطاع السياحي، وانخفض الاحتياطي بالعملة الأجنبية، وبلغت المديونية العامة معدّلات خطرة، بالإضافة إلى الأزمات السياسية والأمنية المتتالية التي مرت بها البلاد، بقي سعر الصرف مستقراً طوال هذه السنوات، ومنذ تثبيته في أواخر العام 1997، بعكس كلّ ما تنصّه النظريات الاقتصاديّة. لم يكن من الممكن أن يكون هذا الأمر مستداماً بحيث أنّ انهيار العملة كان أمراً حتميّاً.

نشأت الأزمة الاقتصادية في أواخر العام 2019، وأقفلت المصارف أبوابها، وعمدت إلى تعليق السحوبات بالدولار الأميركي واعتماد "الكابيتل كونترول" بشكل غير رسمي، الأمر الذي أدى إلى زعزعة الثقة بالقطاع المصرفي والمالي في البلاد. وقد تفاقمت الأزمة مع الشحّ الحاصل في العملة الصعبة، واستنزاف الاحتياطات لتمويل برنامج الدعم واستيراد الأساسيات، بالإضافة إلى عمليات طبع الليرة بمعدلات مرتفعة. كلّ هذا أدّى إلى تدهور سعر صرف الليرة، والتي خسرت أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار الأميركي منذ بداية الأزمة.

قد يبدو الحلّ غير موجود، وتقوية الليرة شبه مستحيل، إلاّ أنّ المفتاح يكمن في عامل رئيسي ألا وهو "الثقة". إنّ استعادة الثقة في النموذج اللبناني هو الحلّ الوحيد لتحسين سعر الصرف، وأيّ اقتراح تقنيّ يعالج موضوع العملة بشكل فرديّ، وليس ضمن سلة إصلاحات، وبعيداً عن تعزيز الثقة هو حلّ غير فعال. لاستعادة الثقة بلبنان بشكل عام، والاقتصاد اللبناني وعملته بشكل خاص، علينا أوّلاً تشكيل حكومة إنقاذ سريعاً مهمّتها استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، البدء بالإصلاحات، رفع الدعم وإطلاق البطاقة التمويلية.
 
هذه الخطوة من شأنها أن تؤمّن السيولة المطلوبة لوقف النزيف في الاحتياطيّ الإلزامي، وتخفّف الضغط على الليرة اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، إنّ الشروط التي سيضعها صندوق النقد الدوليّ والتزام لبنان بتطبيقها، وفي طليعتها تنفيذ خطة إصلاح للكهرباء، يعطي الثقة للمستثمرين بالآفاق الاقتصادية الواعدة ويشجّع الاستثمارات الأجنبية، ويؤدي إلى تدفّق العملات الأجنبية، وبالتالي تحسين ميزان المدفوعات، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس إيجاباً على العملة الوطنية. كما وأنّ الثقة في الوضع السياسي والاقتصادي تشجع المستثمرين على إنشاء معامل ومصانع محلياً، تؤمّن نسبة من الاستهلاك الداخلي، ممّا يخفف من الاستيراد وبالتالي الطلب على العملة الأجنبية.
 
في هذا الإطار، إنّ إبرام الاتفاقيات التجارية الثنائية والمتعددة الأطراف تساعد على تصريف الإنتاج المحلي، وبالتالي تحسين الميزان التجاري. ثانياً، علينا تعزيز الثقة بالقطاع المالي من جديد، وذلك عبر إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إقرار وتنفيذ قانون "الكابيتل كونترول"، والمضي بالتدقيق الجنائي لحسابات مصرف لبنان، بالإضافة إلى تخفيض وتيرة طباعة النقد للحدّ من التضخّم المفرط. إنّ تلميع صورة القطاع المصرفي من جديد أمر صعب ولكن ضروري للنهوض بالاقتصاد واستقطاب الدولارات من جديد، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على قوة الليرة اللبنانيّة ويساعد في إعادة تكوين الاحتياطيّ بالعملة الأجنبية. ثالثاً، إنّ استعادة الثقة بالوضع الأمني من خلال ضبطه تشجّع السياحة وبالتالي دخول العملة الصعبة إلى البلاد.
 
بالإضافة إلى موضوع الثقة، إنّ ترسيم الحدود والمضي بالتنقيب عن الغازمن شأنه أن يجعل لبنان بلداً نفطياَ ثريّاً وعملته قوية. كما وأنّ البقاء على الحياد بعيداً عن التجاذبات الإقليمية يخفف من وطأة الاضطرابات السياسية وخطر العقوبات التي تضعف العملة الوطنية.
الليرة اللبنانيّة تفقد من قيمتها بشكل شبه يومي، والخطر الحقيقي يكمن في انهيارها بوتيرة أسرع ومعدّلات أعلى، بحيث يؤدّي إلى زيادة التضخم والفقر، تدهور كافة القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والفلتان الأمنيّ. لذا، يجب البدء منذ الآن باستعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني وعملته. ليس هناك من حلّ سريع أو موقّت لموضوع العملة، ولكن الخطوات ضرورية لمنع الانهيار الكامل في البلاد.
 
 
*دانييل حاتم خبيرة اقتصادية ومؤسسة صفحة على إنستغرام هدفها الرئيسي نشر الوعي والتحليلات حول أبرز المواضيع الاقتصادية المحلية والإقليمية. اليوم ، لديها أكثر من 37 ألف متابع. قبل ذلك ، عملت دانييل لمدة 15 عامًا في العديد من المؤسسات المالية المحلية والدولية. وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأمريكية في بيروت ، وماجستير في الشؤون المالية من
المملكة المتحدة ، وماجستير تنفيذي في الشؤون المالية من باريس
 



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم