النظام اللبناني لا يعمل بدون محرّكات خارجية

وليد صليبي

بعد أن كان رئيس الجمهورية محرك عمل المؤسسات الدستورية بما فيها السلطة الإجرائية التي أُنيطت به أتى اتفاق الطائف وأطفأ هذا المحرك منيطاً السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء مجتمعاً، أي بسلطة جماعية مشلولة عاجزة عن تدوير عجلات العمل الدستوري والسياسي. لقد بُني نظام الطائف بطريقة تجعل الحاجة لمحركات خارجية ماسّة لسير عمل المؤسسات الدستورية والسياسية اللبنانية. وقد لعبت الوصاية السورية على لبنان هذا الدور، فكانت ترعى تأليف الحكومات وتجمع الأضداد تحت عباءتها بتسليم من الولايات المتحدة الأميركية التي فوّضت تسيير شؤون لبنان لسورية. وبعد انتهاء عهد الوصاية واجه لبنان امتحان حكم نفسه بنفسه ففشل في التجربة، إذ بات يطول أمد تأليف الحكومات شهوراً فيما شهدت سدة الرئاسة شغوراً لأكثر من سنة نتيجة عدم وجود محرك داخلي يستطيع المضي قدماً بعمل المؤسسات الدستورية.

ووصل فشل التجربة اللبنانية إلى حدّ الاقتتال الداخلي الدموي في 7 أيار 2008 بين فريقي الثامن والرابع عشر من آذار بعد أن نُزعت الشرعية الميثاقية عن الحكومة باستقالة الوزراء الشيعة منها ما نتج عنه احتباس للعمل الدستوري والسياسي مفسحاً المجال لجولات من العنف في بيروت والجبل. آنذاك كان هناك حاجة ماسة الى محرك خارجي سياسي يطفئ عجلات العنف الداخلية. فكانت المبادرة من الدوحة التي حركت عجلاتها الديبلوماسية بين مختلف الأطياف والقوى اللبنانية وأسهمت في الاتفاق على حكومة وحدة وطنية وانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. نجح اتفاق الدوحة بتهدئة الوضع نسبياً إذ أتُفق على ضرورة عدم استخدام العنف في العمل السياسي فيما أعيد جمع الأضداد في حكومة وحدة وطنية لم تعمر طويلاً مفسحة المجال لحكومة من لون 8 آذاري واحد فيما أعيد خلط الأوراق بخروج النائب وليد جنبلاط من الاصطفاف السياسي الحادّ.

ولم تصمد المؤسسات الدستورية إذ نخرها الفراغ الرئاسي لنحو سنتين حتى تمكن الافرقاء اللبنانيين بمباركة خارجية من إجراء تسوية جمعت مكونات متضادة وتم ملء الشغور الرئاسي وتأليف حكومة وحدة وطنية. بعد ذلك سارت المؤسسات بثقل شديد يعتريها ضعف المحركات الدستورية والمناكفات السياسية حتى وصلنا الى حافة الانهيار الاقتصادي وزلزال الرابع من آب ما أعاد الى الواجهة الحاجة الى محركات خارجية، فأتى التدخل الفرنسي على صهوة الرئيس إيمانويل ماكرون. فكان طيف ماكرون موجوداً عندما تسرعت وتيرة المؤسسات الدستورية واختار الأفرقاء اللبنانيون المختلفون الديبلوماسي مصطفى اديب خلفاً للرئيس المستقيل حسان دياب. ومارس ماكرون ضغوطاً على أفرقاء السلطة لتسير بالإصلاحات مقابل تلقي الدعم المالي الخارجي، وأخذ تعهداً من الأحزاب بخارطة طريق ذات جدول زمني، مهدداً باتخاذ إجراءات عقابية أوروبية بحق من يعرقل مسار الإصلاح. يتبين من هذه المسيرة بدءاً بالوصاية السورية مروراً باتفاق الدوحة والى التدخل الفرنسي بأن المؤسسات الدستورية اللبنانية لا تعمل من دون محركات خارجية، ما يسلط الضوء على ضرورة التغيير لوضع محركات داخلية تسير بالبلد الى بر الأمان من دون الحاجة إلى الخارج.