الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ما بين احتجاجات تونس ولبنان

شرطي في العاصمة التونسية بدرعٍ وخوذة غطّاهما سائل ملوّن رشّه محتجّون على "قمع الشرطة" (أ ف ب).
شرطي في العاصمة التونسية بدرعٍ وخوذة غطّاهما سائل ملوّن رشّه محتجّون على "قمع الشرطة" (أ ف ب).
A+ A-
ربيع دندشلي
 
 
بداية عام 2021 هادئة نسبياً للسياسات الداخلية لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فمعظم الحكومات منهمكة في ‏التصدي لجائحة كورونا والحد من أضرارها الاقتصادية والاجتماعية. معظم الشعوب ترزح تحت وطأة تداعيات الأزمة واثقال ‏التكافل الاجتماعي لعبورها. لكن يبدو أن المناخ الجوي المتوسطي الذي تتشابه فيه تونس مع لبنان انعكس على المناخ الداخلي، ‏حيث شهد البلدان موجة احتجاجات وشغب تم التعاطي معها بعنف من قبل القوى الأمنية في كلا البلدين، وبعيداً عن عدم وجود ‏أي ترابط او سياق متصل بين الأحداث إلا أن العديد من الأسباب متشابهة.‏
 
شهد البلدان أزمات اقتصادية متتالية تزايدت مع أزمة كورونا، ففي تونس، البلد الذي يعاني من ضائقة اقتصادية، كانت السبب ‏الرئيس في اندلاع ثورته التي كانت أولى ثورات الربيع العربي والتي تعد، بحسب المتابعين، من الثورات القليلة التي نجحت في ‏التغيير. فقد شهد العام الماضي وبحسب التقارير الرسمية، انكماشاً اقتصادياً وزيادة في العجز المالي، مما دفع الدين العام ‏للارتفاع. كما شهدت معدلات البطالة ازديادا غير مسبوق في عام 2020. كذلك الأمر في لبنان حيث كان تدهور الأوضاع ‏الاقتصادية أحد مسببات الانتفاضة الشعبية في خريف 2019 والتي استهدفت كلّ النخب السياسية المتمسكة بزمام السلطة منذ ‏اتفاق الطائف وما قبله، واتّهمتها بالفساد وانعدام الكفاءة. وقبل ظهور الجائحة تراجعت قيمة الليرة اللبنانية بشكل غير مسبوق، ‏وارتفع التضخم، وسجلت عمليات تسريح واسعة للموظفين، وأقفل العديد من المؤسسات، وفرضت المصارف قيوداً صارمة ‏على التعاملات. في كلا البلدين عجزت الحكومة عن التعاطي مع الجائحة بشكل يحفظ للناس حقوقهم ويضمن قوت يومهم، فاتّهم ‏المحتجون السلطات بالتقصير تجاه الناس الأكثر تأثراً من تداعيات الجائحة.‏
 
اللافت في المشهدين التونسي واللبناني تشعّب العناوين المطروحة من مطالب اجتماعية إلى تنديد بالسلطات الحاكمة والأحزاب ‏السياسية وأخيراً الدعوات لإسقاط النظام.. فيما لوحظ أيضاً سرعة تحول الاحتجاجات إلى أعمال شغب وعنف تبعه عنف معهود ‏من القوى الأمنية. ففي تونس بدأت الاحتجاجات ليلاً في مناطق بعيدة عن العاصمة، ثم سرعان ما وصلت إليها وتطورت إلى ‏احتجاجات نهارية، حيث رفعت الاحتجاجات في البداية مطالب معيشية تركز على الوظائف والخدمات، ثم إلى التنديد بعنف ‏الشرطة والمطالبة بإسقاط النظام‎.‎‏ توالت الاحتجاجات الليلية، وشهدت في غالبها اشتباكات عنيفة، بين قوات الأمن والمحتجين، ‏الذين قاموا بقطع الطرق مستخدمين إطارات السيارات المشتعلة، واقتحام المراكز التجارية وقذف قوات الأمن بالمولوتوف. وفي ‏لبنان أيضاً في سياق رفض إجراءات الإغلاق التي فرضتها السلطات، للحد من انتشار فيروس كورونا، لما سببه من ‏تبعات تزيد حدة الأزمة الاقتصادية وتردي القدرة المعيشية. شهدت مدينة طرابلس شمالي لبنان على مدى أيام متتالية مواجهات ‏بين عناصر مكافحة الشغب والقوى الأمنية وعدد من الشبان المحتجين على الأوضاع المعيشية فاتهمتهم السلطات بأعمال الشغب ‏ ومحاولة إحراق مراكز أمنية، ورمي المولوتوف على الأمن، مما أدى الى حرق وتضرر عدد من ‏الآليات العامة والخاصة وحرق مبنى البلدية الأثري. إن مستوى العنف الحاصل في كلا البلدين لافت، وكذلك غياب أي شعارات ‏أو مطالب سياسية أو اجتماعية ناضجة وواضحة، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات بشأنها فما الذي يحدث حاليا؟ هل هو ‏‏"ثورة جديدة"؟ أم استكمال "للثورة السابقة"؟ أم "ثورة جياع"؟.‏
 
بحسب بعض البيانات الرسمية وبيانات الأجهزة الأمنية، فإن المواجهات الليلية في البلدين هي بين شباب، منهم أطفال أحيانا، ‏وبين قوات الشرطة، وهي لا تعد ثورة او حراكاً بل شغب وتخريب وتحد للقانون والسلطة بشكل عشوائي يستغلها أفراد ‏وكيانات سياسية "لتحقيق مآرب". فبحسب تصريح وزير الدفاع التونسي، فإن السلطات لديها معلومات تفيد بوجود عناصر ‏إرهابية تستغل فرصة التحركات الليلية للقيام بأعمال شغب ونهب لضرب أمن واستقرار البلاد، وأن قوات الأمن ضبطت ‏‏"عناصر تكفيرية"، وصادرت أسلحة بيضاء وزجاجات مولوتوف، مما يتشابه بشكل كبير مع تصريحات الأجهزة اللبنانية ‏حول أحداث طرابلس، حيث شكك سياسيون ووسائل إعلام لبنانية خلال الأيام الأخيرة في عفوية التظاهرات، في بلد اعتاد ‏الأزمات والخلافات بين الأحزاب الكبيرة المهيمنة على المشهد السياسي، وتم زج نظرية المجموعات التكفيرية في أعمال الشغب ‏وأن الهدف هو استغلال المطالب المعيشية من أجل "مآرب أخرى". ولعل أبرز التصريحات الرسمية هو ما جاء على لسان ‏رئيس الجمهورية حول الطابور الخامس والعناصر المندسة المعروفة بقوله "معروفة هوياتهم السياسية..".
 
للأسف وبعيداً عن وجود مندسين أو عدمه ومن يقف ورائهم، لا زالت السلطات غائبة عن جوهر الأزمة وأن الحل لا يكون ‏بالتبرير او تقاذف المسؤوليات، وفي كلا البلدين رغم الغمز من جهة العناصر التكفيرية وحركات الإسلام السياسية، لم نرَ في ‏المشهدين ما يدل على أي دور لهذه الجهات.‏
 
نختم بأبرز وجه للشبه بين المشهدين وأعمق وجه للاختلاف في الآن ذاته وهو ما يمكننا أن نطلق عليه الأطر الدستورية لما ‏يحصل، ففي كلا البلدين أساس أزمة السياسات الحكومية وحجر عثرة نجاحها، هو خلاف السلطات والصلاحيات وتحديداً ‏الخلاف السياسي بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، أو صراع السيطرة بينهما. ففي تونس حيث يتهم كثيرون حزب ‏النهضة بمحاولة السيطرة على مفاصل الحكم في البلاد، عبر التحالف مع رئيس الحكومة هشام المشيشي وإبعاد المقربين من ‏رئيس الجمهورية قيس سعيّد، كذلك في لبنان حيث الخلاف بين رئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال ‏عون، يتهم الكثيرون التيار الوطني الحر الذي يرأسه صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل المدعوم من حزب الله بعرقلة تشكيل ‏الحكومة بغية الحصول على مقاعد وزارية وازنة للسيطرة على جدول أعمالها. كل هذا التناحر العبثي والكيدية السياسية في ‏البلدين أدى الى تفاقم الجمود السياسي والتراجع الاقتصادي.
 
علينا ألا نغفل عن فارق رئيسي في المشهدين، في تونس الخلاف بين السلطتين والأحزاب هو تحت سقف الدستور ومن ضمن ‏الأطر القانونية الواضحة، بينما في لبنان الخلاف لا يقع تحت أي بند من بنود الدستور والقانون، لا بل تجاوز فيه الأفرقاء حتى ‏الأعراف.
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم