الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

نصرالله كلّفه الله أمّا أنت أيها اللبناني فمشكوك في إنسانيتك ولم يكلّفك أحد

المصدر: "النهار"
من خطاب سابق للسيّد حسن نصرلله (حسن عسل).
من خطاب سابق للسيّد حسن نصرلله (حسن عسل).
A+ A-
غسان صليبي
 
انشغل الرأي العام اللبناني بقول نصرالله في تصريحٍ متلفز، أن الله كلّفه الدفاع عن لبنان.
 
لم يتوقّف معظم المعلّقين عند مسائل أخطر جاءت في تصريح نصرالله، توضح لنا خلفيّة ما قاله. فلنبدأ بقراءة ما قاله حرفيًّا: "هلّق بِقِلَّك (أحدهم) إنت مين مكلفك؟... حلّ عني، يعني إنت أصلاً إنسان؟ أنا الله مكلّفني، إنت مين مكلّفك، أنا الله مكلّفني، نحنا ناس الله مكلّفنا، إنت مين مكلّفك؟".
 
ما الذي نفهمه من تصريح نصرالله؟
 
أولاً: هذا الــ"أنت" الذي يتوجّه اليه نصرالله، ليس فردا، بل يمثّل على الأقل سبعين في المئة من اللبنانيين الذين لا يريدون أن يحتكر نصرالله قرار الحرب والسلم والذين باتوا يحتجّون على هيمنته على القرار السياسي في البلاد، ويسألونه في السر والعلن: "مين كلّفك"؟
 
ثانيًا: في جوابه يبدو نصرالله غاضبًا، هذا ما بدا على وجهه وفي كلامه. ألأنّه يغضب عندما يشكّك أحدهم في رأيه وقراره؟ ألأنّه فاقد للحجة ولا يعرف ماذا يجيب؟ لا شك ان نصرالله بات يعرف ان صدقيته أمام الرأي العام اللبناني تراجعت كثيرًا، ولم تعد ديباجات خطبه ومنهجيتها ومعطياتها، تقنع إلاّ جمهوره. فماذا يفعل في هذه الحالة لتبرير ما يقوم به؟
 
ثالثًا: أسهل ما يمكن أن يقوم به نصرالله في هذه الحال، هو التهرّب من الجواب عبر القول إن الله هو الذي كلّفه. لا يحاول نصرالله إثبات ذلك بالطبع، فهذه مهمّة مستحيلة لن يستطيع القيام بها.
 
رابعًا: بعدما جعل من الله مصدرا لسلطته، رافعا من شأن شخصه بالمقارنة مع باقي اللبنانيين، يلجأ الى تحقير سائله وأمثاله وتقليل قيمتهم، لعله يبرر تميّزه: "أصلاً أنت إنسان؟"، يسأل نصرالله سائله. ينزع نصرالله عن سائله صفة الإنسان، الذي كان من المفترض، أخلاقيا ودينيا، ان يحترمه، أو على الأقل ان يجيبه عن سؤاله. لكن في غياب قدرته على الإجابة المقنعة، يجعل سائله كائنًا ما دون الإنسان، أي عمليا، لا يستحق الإجابة.
 
من عادة الظالم ان يقلل قيمة المظلوم، ليبرر ظلمه وليقول انه يستحق الظلم. هكذا كان يفعل مثلا الرأسماليون في بداية الثورة الصناعية. فعندما كانوا يطالبونهم بخفض ساعات العمل التي كانت تقارب 16 ساعة يوميا، كانوا يجيبون: ماذا تريدون من العمال أن يفعلوا في اوقات الفراغ، فهم لا يحسنون القيام بأي شيء؟
 
خامسًا: يذهب نصرالله أيضا الى التشكيك في صفة السائل السياسيّة، فيرد له السؤال ويسأله "أنت من كلّفك؟". يتجاهل نصرالله انه يتوجّه بسؤاله الى مواطن، اعتبره الدستور، هو والمواطنين الآخرين، مصدرًا وحيدًا للسلطة، تستمدّ منها كل السلطات الأخرى شرعيتها. ومن حقّ هذا المواطن، الذي هو من "كلّف" المؤسسات الدستوريّة ممارسة السلطة، من خلال الانتخابات، ان يراقب ممارساتها ويحتجّ إذا قام طرف آخر لم يكلّفه هو، بممارسة هذه السلطة. نصرالله على الأرجح لا يعترف بالدستور وبمفهوم المواطنيّة.
 
سادسًا: عندما يقول نصرالله ان الله كلّفه، لا يحتكر شخصيا هذا التكليف، بل يقول "نحنا ناس الله مكلّفنا". ويقصد بالطبع جماعة "حزب الله" وربما الطائفة الشيعيّة بشكل عام. يقترب نصرالله هنا من مفهوم "شعب الله المختار" لبني إسرائيل. في الواقع ان نصرالله الذي يتبع عقيدة "ولاية الفقيه" لا يعطي نفسه شخصيًّا موقع الوسيط بين الله والبشر، بل يترك هذا الموقع للولي الفقيه الإيراني. فلنقرأ ما قاله في هذا الصدد في مقابلة متلفزة أخرى وحديثة: "نحن مختلفين حتى عن الكثيرين في إيران. نحن نعتقد انه إذا أمر ولي الأمر يجب ان نطيعه وإذا أنهى يجب ان ننتهي. لكن نحن من خلال معرفتنا بأفكاره ومزاجه كيف يفكّر وما يسعده وما يغضبه، عندما ندرس مسألة من المسائل يكفي ان نحتمل، (ويكرر) ان نحتمل، ان هذا الأمر يرضيه، نفعله. ويكفي ان نحتمل ان هذا الأمر يؤذيه أو يزعجه أو يغضبه، نتجنّبه. حسنا، هو يقول انا لم آمر، هذا رأيي. أما بالنسبة لي، عندما يقول "هذا رأيي" يعني خلص".
 
هل يعني هذا مثلا، انه عندما كان نصرالله يدرس هو وحزبه مسألة خطف إسرائيليين على الحدود سنة 2006، لم يركّزا بما فيه الكفاية على المسألة، بقدر ما كانا يتساءلان إذا كان ذلك يرضي ولي الفقيه؟ فكانت النتيجة انهما لم يحسنا تقدير رد الفعل الإسرائيلي، فقال نصرالله بعد الحرب "لو كنت أعلم لما قمت بعملية الخطف"؟ من حقنا أن نتساءل اليوم إذا كان نصرالله قد درس المسألة جيدا قبل أن يهدد إسرائيل بالحرب من اجل الثروة المائية، ام افترض أن ذلك يرضي الولي الفقيه؟
 
إذاً ما قاله نصرالله بالفعل هو التالي: "الله كلّف خامنئي وخامنئي كلّفني أنا وحزبي". فكيف في هذه الحالة، تريدون من نصرالله ان يجيبنا عن سؤال "من كلّفك؟ هل تريدونه ان يجيب "خامنئي كلفني"، هو الذي دأب على الدفاع عن نفسه ضد تهمة تبعيته لإيران؟
 
نصرالله ينتقص إنسانيته ولا يعطي نفسه حق مناقشة الولي الفقيه، ولا يوجد في ذهنه أي "احتمال" ان هذا الفقيه قد يخطئ. لكنه لا يدرك انه لا يستطيع أن يطبّق علينا ما يطبقه على نفسه. فمعظم اللبنانيين، لا يتبعون عقيدة ولاية الفقيه، وهم مقتنعون بمرجعية الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تبناه الدستور اللبناني، والذي ينص في ديباجته أن "الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم". فيما تنص المادة 19 من الإعلان "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود". على الارجح ان نصرالله لا يعترف بالإعلان العالمي لحقوق الانسان.
 
قال نصرالله بصراحة وبحزم "حل عني" لكل من يسأله "من كلّفك؟". وكان حليفه رئيس الجمهورية قد قال من قبله مخاطبا شباب بلاده : "يللي مش عاجبه يفل". كيف يقنعنا نصرالله انه يعمل من أجل لبنان، وهو يقول لمعظم شعبه "حلوا عني"، ويحمي رئيسا دعا شباب بلاده للرحيل عن البلاد؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم