الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

من منّا لم يمت في الرابع من آب؟

المصدر: "النهار"
تمثال المغترب.
تمثال المغترب.
A+ A-
عبدالله ملاعب
 
عامان على واحدة من أبشع جرائم هذا العصر. تفجير مدينة واقتلاع أقسام منها عن بكرة أبيها. عامان على جرح لا يندمل، بل يكبر كل يوم داخل كل لبناني ولبنانية مهما تظاهروا بالنجاة من زلزال قتل أكثر من مئتين وخمسة عشر شخصاً وشرَّد مئات الآلاف ودمَّر البيوت والأرزاق والحياة.
 
أخطر ما في الأمر أن تفجير بيروت قتل الأحياء منَّا. أولئك الذين إنتظروا على أرصفة مستشفيات العاصمة فجر الخامس من آب، خبراً من أهل التمريض أو الإعلام الذين حملوا قوائم بأسماء الشهداء والناجين. كل شيء في العاصمة وقتذاك طاف برائحة الموت التي لازمتنا. والأخطر من ذلك أيضاً أنَّ هذا التفجير قتل فينا الحلم والأمل. فنحن الذين هاجرنا بعده تظاهرنا أن الأمور على ما يرام. وأن الفرص لم تنتهِ، وأن غداً في الغربة أجمل.
 
الكارثة الحقيقية أنَّ تفجير العاصمة أفرغ الوطن من غده، فدخلنا في أكبر موجة هجرة شهدتها البلاد. المجرمون إستكثروا علينا وطناً وأهلاً وعيشاً كريماً. وبكل وقاحة وقفوا بوجهنا. أتذكرون كيف أوقفوا البحث عن الأرواح التي نازعت من تحت الأنقاض ليلة الفاجعة؟ أتذكرون كيف إستهزؤوا بأملنا بذلك النبض تحت الركام بعد شهر من التفجير؟ وهل لنا أن ننسى أنهم علَّقوا التحقيقات بـ"شربة مياه"؟ وماذا عن تهديد الحاج وفيق صفا للقاضي طارق البيطار من داخل قصرالعدل، هل نسيناه؟ وإن نسينا كل ذلك، دماء الشهيدين جو بجاني ولقمان سليم لم تبرد بعد!
 
كيف ننسى كل ذلك عموماً وأمين عام حزب الله، المتهم الممانع للعدالة عبر عن رفضه كل أشكال التحقيق وترؤسه محور تطويق التحقيقات، قال لنا الأسبوع الماضي إننا لسنا بشراً، وإنَّ الله كلَّفه ولنسكت! متحدثاً بصراحة ولربما للمرة الأولى من دون تكلّف بتبرير إستحواذه على قرار السلم والحرب وكل ما يرتبط بأمننا وحقوقنا.
 
تفجير المرفأ لم يكن نهاية القصة، بل بداية الجحيم والإعلان الرسمي عن إنحلال الدولة. فلا دولة من دون قضاء ولا قضاء من دون هيبة حطمتها قوى الأمر الواقع ومشت بسذاجة بوداعها في "الشياح - عين الرمانة"، فاتحة الطريق أمام التطاول على القضاء والقضاة والدستور ودولة القانون بكل سهولة.
 
عاثوا خراباً في مسرح الجريمة وأتقنوا مهنة مارسوها لسنوات، قوامها طمس الحقائق وتلف الملفات في الأدراج. أحد منا لا يعرف ماذا يقول لأهالي الضحايا بعد سنتين، ولا لمن شوّهته أو شرّدته أطنان نيترات الأمونيوم التي علم بها رئيس الجمهورية قبل أسابيع من انفجارها ورفض تحمل المسؤولية مع وقوع الحادثة، وعلى أنقاض الدمار الشامل للدولة طلب عشية الذكرى الثانية، من خلفه إستكمال ما بدأه، وهو للمفارقة قضى على كل شيء ولم يبدأ إلا مسيرة الفقر والعوز وإسقاط المواطن مع دولته.
 
خسرنا كثيراً في الرابع من آب، وتكشفت الكثير من الوجوه. دمّروا مدارسنا وجامعاتنا والمستشفيات وفجروا آمالنا في وطن مع وقف التنفيذ تحكي قصته مشهدية وقوف تمثال المهاجرين وسط الدمار قبالة التقجير. وكأنَّ في الأمر عبرة عن الرحيل وصمود المهاجرين الصامتين المهاجرين دون سواهم.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم