الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الكاظمي ومساعي استعادة التوازن إقليمياً

الكاظمي خلال زيارته للسعودية
الكاظمي خلال زيارته للسعودية
A+ A-
 محمد فوزي
حظيت زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الأخيرة للمملكة العربية السعودية باهتمام بالغ سواءَ من قبل الدوائر السياسية في البلدين أو في المنطقة في شكل عام، وذلك في ضوء عدد من الاعتبارات، حيث تعتبر هذه الزيارة هي الأولى للسعودية بالنسبة إلى الكاظمي منذ توليه منصبه، فضلاً عما ارتبط بالزيارة من تساؤلات، تحاول الوقوف على حقيقة كونها استقواء من قبل الرجل بالسعودية لتعزيز موقفه داخلياً، في ظل الضغوط والابتزازات الإيرانية من جانب، والأزمات التي يعيشها العراق من جانب آخر، فضلاً عن الوقوف على الدوافع السعودية لبلورة مقاربة جديدة إزاء العراق تكون أكثر تفاعلاً وأكثر فاعلية.
 
استهل الكاظمي زيارته للمملكة بالقول إن بلاده "لن تصبح منصة ونقطة انطلاق لأي هجوم على السعودية" وهي الرسالة التي تأتي ارتباطاً بالهجوم الذي وقع في كانون الثاني (يناير) الماضي، في القصر الملكي الرئيسي في الرياض وتحطمت على إثره طائرات مسيّرة مفخخة، حيث نقلت وسائل إعلام أميركية حينها أن الطائرات التي شنت هذا الهجوم تم إطلاقها من العراق، فضلاً عن تبني تنظيم "ألوية الوعد الصادق" للهجوم، وهو أحد التنظيمات المسلحة التي يُنظر إليها على أنها منبثقة من جماعات مسلحة مدعومة من إيران، وهي المعطيات التي كذبها "الكاظمي" مشدداً على أن الهجوم لم يُشن من العراق، معتبراً أن ترويج هذا الكلام يهدف إلى ضرب العلاقات بين الجانبين العراقي والسعودي.
 
وبعد عقد عدد من الاجتماعات على مستوى المجلس التنسيقي بين البلدين، تم توقيع عدد من اتفاقات التعاون بين الجانبين في مجالات الطاقة، والطاقة المتجددة وتفعيل خطة العمل المشتركة وتسريعها تحت مظلة مجلس التنسيق السعودي - العراقي، مع ضرورة الاستمرار في التعاون وتنسيق المواقف في المجال البترولي، ضمن نطاق عمل منظمة الدول المصدرة للنفط، إضافة إلى الاتفاق على ضرورة إنجاز مشروع الربط الكهربي، وتعزيز التنسيق في مجال الدعم والتأييد المتبادل في إطار الدبلوماسية المتعددة الأطراف، فضلاً عن تعزيز فرص الاستثمار للشركات السعودية، ودعوتها إلى توسيع نشاطاتها في العراق وفي مختلف المجالات، وفي جهود إعادة الإعمار، بما يحقق زيادة في الاستثمار السعودي في العراق من 533 مليون دولار إلى 2.7 مليار دولار، كذلك أعلن الجانبان عن تأسيس صندوق عراقي - سعودي مشترك يقدر رأس ماله بثلاثة مليارات دولار، إسهاماً من السعودية في تعزيز الاستثمار في المجالات الاقتصادية في العراق، بما يعود بالنفع على الاقتصادين السعودي والعراقي، وبمشاركة القطاع الخاص من الجانبين.
 
يمكن القول إن هناك جملة من العوامل والمحددات الحاكمة لمساعي التقارب بين الجانبين، فالسعودية تنطلق في مساعيها وتحركاتها إزاء العراق من اعتبارين رئيسيين:
1ـ يرتبط الاعتبار الأول برؤية المملكة لدورها الإقليمي الذي تستهدف لعبه في المنطقة، حيث تستهدف توسيع آفاق تحالفاتها الإقليمية، بشقيها السياسي والاقتصادي، وذلك بما يمهد لوجود تحالف استراتيجي مستقبلي، وبما يلبي طموحاتها الإقليمية، على اعتبار أن الدور الإقليمي للدول يتنامى في ضوء هذه التحالفات.
 
2- الاعتبار الثاني يرتبط بمحدد قديم متجدد وهو الإدراك السعودي لما يمثله تنامي النفوذ والدور الإيراني من تهديد للمصالح والدور السعودي في المنطقة، فضلاً عن كونه أحد مهددات الأمن القومي العربي، خصوصاً مع ما سيترتب على هذا النفوذ من زعزعة للعلاقات العربية – العراقية، وبالتالي، فمواجهة النفوذ الإيراني عبر البوابة العراقية من خلال الاحتواء أو التحجيم والتقويض، يحقق استقراراً إقليمياً يخدم الرؤية السعودية، وهو الأمر الذي يتم بإرجاع العراق إلى الحاضنة العربية بعيداً من إيران.
 
على الجانب الآخر تأتي الزيارة في إطار مساعٍ من قبل الكاظمي لموازنة علاقات بلاده مع محيطه الإقليمي، بحيث يتم تحييد العراق عن الصراعات المرتبطة بالمشاريع الإقليمية، إضافة إلى المكاسب الاقتصادية التي ستنبثق عن هذه التحركات بما يساهم في معالجة الأزمات المعيشية في العراق، فضلاً عن محاولاته الاستقواء بظهير عربي قوي في مواجهة الصدام المحتمل مع "الوكلاء الإيرانيين" في العراق، وهو الصدام الذي بدأ بالفعل وتجسد في اغتيال الباحث هشام الهاشمي الذي كان من الدوائر القريبة من رئيس الوزراء العراقي، فضلاً عن عقد بعض الميليشيات المذهبية العراقية المنضوية تحت لواء "الحشد الشعبي" مؤتمرات دعت فيها الكاظمي إلى الإلتزام بمهماته المحصورة حسب تصورهم في تدبير الشؤون المعيشية للعراقيين، بعيداً من المسائل الكبيرة والاستراتيجية، وتهديد بعض الاتجاهات المذهبية في العراق للكاظمي بعدم التجديد له من قبل الكتل البرلمانية الموالية لهم، حال عدم التزامه طلباتهم التي على رأسها المطالبة بطرد القوات الأميركية من العراق، وتوفير الحماية والغطاء الشرعي للميليشيات الموالية لإيران، وهو الصدام الذي بدأ يلوح في الأفق بعد محاولات الكاظمي التي استهدفت استرداد دولة المؤسسات في العراق، وبسط سيطرة الدولة على كامل الأراضي العراقية، وتحقيق فكرة احتكار الدولة للسلاح، وتقليم أظافر الميليشيات المذهبية والفاعلين المسلحين من غير الدولة.
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم