كلمتي ستكون مقتضبة، على عكس كلمتك غداً التي ستكون طويلة؛ ذلك أن موقفي ينطلق من الدستور اللبناني، الذي لا يحتاج إلى الكثير من التفصيل في ما يتعلّق بموضوعنا، في حين أن مواقفك في العادة، يختلط فيها السياسي والديني والعسكري، اللبناني والإيراني، الوطني والمذهبي، الدستوري وغير الدستوري المبنيّ على منطق القوة.
أنا مواطن لبناني، وهذا هو الموقع الذي أنطلق منه للتعبير عن موقفي الذي أريده متوافقاً مع الدستور اللبناني، فهو وحده ما يحدد علاقتي بك وبالمواطنين الآخرين؛ وحده ما يجعل من القرارات السياسية شرعية أو غير شرعية؛ وحده ما يفرض كيفية اتخاذ هذه القرارات، ومن أهمّها قرارات الحرب والسلم.
أنا واحد من هذا الشعب الذي هو مصدر السلطات في دستورنا، ولا مصدر للسلطات غيره؛ لا أنت، ولا الولي الفقيه الإيراني، ولا أية مرجعية أخرى، أكانت سياسية أم دينية أم عسكرية، داخلية أو خارجية.
لم يُستفتَ الشعب اللبناني بشأن انخراط لبنان أو عدم انخراطه في حرب الدفاع عن غزة ضد العدوان الإسرائيلي. لكن استطلاعات الرأي، كما رصد المواقف في وسائل التواصل الاجتماعي وفي أحاديث المواطنين، تؤكّد دون أدنى شك أن معظم الشعب اللبناني لا يريد الانخراط في الحرب، لا بل يرفض ذلك رفضاً قاطعاً، لأنّه يعلم، كما تعلم أنت هذه المرة، أن هذه الحرب، في ظروفنا الحالية البائسة، ستقضي علينا وعلى وطننا.
في غياب الاستفتاء، الذي لا يلحظه دستورنا، يعود القرار إلى السلطتين التنفيذية والتشريعية. جميع التصريحات الصادرة عن رؤساء وأعضاء هاتين السلطتين تكرّر يومياً أن لبنان ملتزم بالقرار ١٧٠١، وهو لا يريد الدخول في حرب، مع الاحتفاظ بحقه في الدفاع عن نفسه، في حال تعرّضه لهجوم من إسرائيل.
هذه هي الخلفية الدستورية التي انطلقُ منها يا سيد نصرالله لأقول لك بوضوح، وبشكل قاطع، إن الشعب اللبناني وسلطاته لا يُريدون الحرب. ولا يحق لك ولا لأي كان أن يقرّر أو يتصرّف عكس ذلك، وإلا كان ما يقوم به خيانة وطنية.
لن أناقشك في صحة هذا الإجماع اللبناني النادر، سياسياً أو دينياً أو عسكرياً، محليّاً أو إقليمياً أو دولياً.إن كان لديك رأي مخالف، فكلّ ما يحق لك القيام به كمواطن لبناني هو التعبير عنه في كلمتك غداً، والطلب من نوابك ووزرائك الدفاع عن هذا الرأي والعمل على تبنّيه، في الأطر الدستورية التنفيذية والتشريعية.
جرى التمهيد لكلمتك غداً بطريقة غير معهودة من قبل حزبك، وهي طريقة تشبه الدّعاية لفيلم سينمائيّ أو لمسلسل تلفزيوني، عبر بثّ مشاهد تشويقيّة. ما ستقوله غداً يترقّبه بقلق شديد جميع اللبنانيين، ليس لأنهم يحبّون مشاهدة الأفلام أو المسلسلات التلفزيونية الخيالية، بل لأن حياتهم ومعيشتهم ومستقبلهم، وغصباً عنهم، رهن إرادتك؛ ذلك أنّك تملك السلاح، وعوّدتهم، أن تأخذ قرارات الحرب والسلم من دون الرجوع إليهم.
أدعوك يا سيد نصرالله، أنت رجل الدين، أن تستلهم ما يقوله المسيحيون بأنه "في البدء كان الكلمة والكلمة صار جسداً"، وليس جثة، وأن تجعل من كلمتك غداً بشارة حياة لا موتاً. أدعوك أن تستلهم ما يفعله المسلمون، وتحث هذا الجسد للتوجّه إلى الحدود، حاملاً الحجارة لرميها باتجاه إسرائيل، كما يرمي المسلمون الحجارة على الشيطان في مكة المكرمة. رمي الحجارة في واقعنا ليس سلوكاً متخاذلاً استسلامياً، بل هو استعادة لـ"انتفاضة الحجارة"، التي جسّدها أطفال فلسطين وانتصروا فيها، فيما هم يُقتلون اليوم في لعبة العنف التي يُجيدها العدو ويستجلبنا إليها.
فلنعلن للعالم أجمع، الذي بدأ يتضامن مع أهل غزة أننا دعاة سلام بوجه وحش قاتل يعتاش ويتوسع عن طريق الحرب وسفك الدماء. فلنتظاهر دعماً لفلسطين ولشعبها في مدننا وقرانا اللبنانية كافة، كشعب واحد، وليس كمذاهب دينية متناحرة، متسلّطة بعضها على بعض، وفق ما ترغب فيه إسرائيل.