مشهد من مدينة انطاكيا (أ ف ب).
شربل زغيب
لقد اعتدنا العيش، منذ زمن بعيد، على خطّ الزلازل والبراكين السياسية والاقتصادية، واعتدنا المقاومة الجبّارة "باللحم الحيّ"، وعلّمنا سعيد عقل "من خطر نمضي الى خطرٍ، ما همّ؟، نحن خلقنا بيتنا الخطرُ!"
ولكن الزلزال الذي حلّ على الحدود التركية – السورية أدمى قلوب البشر والحجر.
أربعون ثانية، نعم، أربعون ثانية فقط كانت كفيلة وكافية لأن توقع آلاف القتلى والجرحى، وتدمّر ما شيّده وبناه وأنتجه وزرعه وجناه الإنسان في تلك الزاوية من كوكبنا، لتترك إذا بقي ما تتركه، من ذكريات أليمة ستبقى خالدة في نفوس أجيال ذاقت الموت أربعين ألف مرّة بأربعين ألف ضربة وضربة في كل ثانية من تلك الأربعين ثانية.
أربعون ثانية انتهت... وأنهت معها أحلام جيلٍ بكامله. رحلت ولم تترك وراءها سوى أعضاء بشرية متناثرة بين الأنقاض والأتربة.
لروح تلك الضحايا، ألف قبلة وقبلة، ألف دمعة ودمعة، ألف صلاة وصلاة.
كوكبنا اليوم حزينٌ، ولربّما نادمٌ أربعين ألف مرة ومرة عن تلك الأربعين ثانية، ولربّما أكثر، يفكر بما يعوّض عما فعله بألف طريقة وطريقة. وها أفواهنا وقلوبنا تصلّي لهم وستظل تصلّي ما دامت الحياة تنبض في داخلنا.
أما في لبنان، فإن الأضرار الناتجة عن زلازله "غير الطبيعية" لربما تفوق وتجتاز الأضرار التي تخلّفها الزلازل الطبيعية.
فمشهد الأنقاض والدمار ليس بغريب عنه. كيف لا وهو على مدى سنواتٍ وسنوات يعاني ويئن من تدخلات خارجية من هنا ومن هناك تحدث فيه "زلازل" وخضات أمنية طمعاً بتنفيذ أجنداتها ولو كان ذلك على حساب اللبنانيين وكرامتهم وحريّتهم.
ان الدول الطامعة والطامحة لتنفيذ أجنداتها على أرض لبنان، تفعل فعلتها بـ"Uniform" لبناني علّها تموّه الحقيقة وتحاول اخفاءها، وتنسى في كل مرة أن لبنان هو وطن الحقيقة، هو وطن الكرامة، ووطن الحريّة، هذه الحريّة التي إذا عدمناها، يقول شارل مالك، عدمنا الحياة.
ان هذه الدول في كل مناسبة، على مسرح الجريمة، لها دور "الفاعل" أو "الشريك" أو "المحرّض" أو "المخبئ" أو "المتدخل".
ففي "جريمة العصر" انفجار مرفأ بيروت، لا زالت هذه الدول بـ"Uniform" لبناني تعطّل التحقيقات وتخفي حقيقة مقتل وجرح المئات من الناس الأبرياء الذين قُتلوا واصيبوا وتشوّهوا وتشرّدوا وتيتّموا كرمى تصفية حسابات سياسية من هنا ومن هناك، حسابات وحسابات يحاولون تخفيفها وتخفيتها وراء قناع الإهمال الوظيفي أو القضاء والقدر أو ما سواه من التعابير والتسميات المتداولة في القاموس السياسي اللبناني.
وُعدنا بالوصول الى الحقيقة خلال خمسة أيام من تاريخ الكارثة، ولا زال التحقيق لتاريخ اليوم مكفوف الأيدي من دون وجه حقّ وخلافاً لأحكام القانون، فقاضي التحقيق ممنوع من استكمال وقائع الملف واستجواب المتهمين واجراء التوقيفات اللازمة لإصدار القرار الظني وتبيان الحقيقة ولو مرة واحدة في تاريخ لبنان الحديث، وذلك تحت ذريعة عدم حقن الدماء في الشارع. والفريق نفسه الذي يعطل التحقيق المحلي ويمنع القاضي العدلي من إصدار القرار الظني، يرفض "تدويل" الملف وكأننا أمام خيارين لا ثالث لهما، الحقيقة أو العيش بسلام، فاختاروا يا لبنانيين!
ان جريمة العصر لا تقل أهمية وشأناً عن جريمة اغتيال شهيد الوطن والإنسانية الذي عمرّ بيروت بشراً وحجراً الرئيس الراحل رفيق الحريري، فرَفْض العديد من القضاة اللبنانيين النظر بالملف خوفاً من التهديدات الأمنية المحدقة بهم، دفع بالحكومة اللبنانية الى إحالة الملف الى القضاء الدولي الذي أصدر قراراً بقي حبراً على ورق، دون أي تنفيذ.
ان تاريخ لبنان "بقضائه وقدره" مليء بالجرائم التي بقيت دون محاسبة فعليّة، بل أكثر من ذلك، يبقى المجرم حرّ طليق فوق القانون، يُحاسِب ولا يُحاسَب، ويختبئ في مراكز سياسية وأمنية تمنحه حصانات لزوم التهرب وعدم المثول أمام القضاء المختص.
إلى كل هذا، وبعد ان كان لبنان عضواً مؤسساً وفاعلاً في منظمة الأمم المتحدة وشارك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نراه اليوم يفقد حقه بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لعدم تسديد مستحقاته.
وهذا "زلزال" معنوي آخر وضربة قاضية شوّهت وتشوّه صورة لبنان التاريخية في المقاعد والمحافل الدولية.
إن لبنان قد أصبح بخطر اليوم، نتيجة الأطماع السياسية والفشل بإدارة الأزمة الاقتصادية التي حلّت بالبلاد، الى جانب الرضوخ والتساهل مع منطق السلاح غير الشرعي وقوى الأمر الواقع التي تساهم في ممارسة التضييق الأمني والسياسي، وكأن منطق الدولة البوليسية عاد ليفرض نفسه على الساحة اللبنانية عبر التدخلات السياسية بالعمل القضائي وحماية من يعتبرون أنفسهم فوق المحاسبة والمساءلة، وفوق سقف القانون.
أين لبنان اليوم من لبنان شارل مالك وحقوق الإنسان، وهو الذي يوماً بعد يوم تُنتهك حقوقه وحريّته، وتنمعس كرامته، ويطعن في صميمه في كل مرة ينتفض فيها ويثور ويطالب بمنحه جنسيّة الإنسان؟
الأكثر قراءة
تركيا
11/16/2025 6:11:00 AM
كان أفراد العائلة أصيبوا بتوعّك الأربعاء بعد تناولهم أطعمة من باعة متجوّلين
سياسة
11/16/2025 9:53:00 AM
قماطي: "الولايات المتحدة تُعزّز هذه المستودعات وتضغط بكل ما تستطيع لنزع سلاح المقاومة"
سياسة
11/16/2025 2:18:00 PM
حنكش: لضبط كل السلاح خارج الشرعية وخصوصاً مع رواسب الميليشيات المسلحة في المتن وكل لبنان
سياسة
11/16/2025 5:01:00 PM
تجاوز عدد المقترعين عند الإقفال 4700 ناخب
نبض