السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

شيرين أبو عاقلة... معكِ اكتملت الصورة!

المصدر: "النهار"
ديما عبد الكريم
ديما عبد الكريم
الزميلة الراحلة شيرين أبو عاقلة.
الزميلة الراحلة شيرين أبو عاقلة.
A+ A-
على الرغم من أنّه الشيء الحتميّ والمصير الآتي إلينا لا محال، اعتدت عند سماعي خبر موت أحدهم، الدخول في حالة تشبه الغيبوبة، جمود كامل للأحاسيس أشبه بفقدان الوعي، لأعود وبشكل تدريجي إلى الواقع محاولة استيعاب ما يجري.

لم أمتلك يوماً شجاعة مواجهة الأخبار المفجعة، إلّا أنني لا أنكر أن "حياة الحرب" التي نعيشها زوّدتني بشيء من الاعتياد وأورثتني شغفاً في خوض التجربة لألقى من رحلوا وأسالهم عن، فنجان القهوة الأخير، أغنيتهم الأخيرة، اللّقاء الأخير بالأصدقاء، وذلك الشعور الذي تباغته رصاصة!

أحياناً الكلمات تموت. وينطلق العقل بأسئلته اللامنطقية، شعور يترنّح، بين الغضب المتكئ على الفخر، والخوف والرهبة المفعمين بالإيمان بالقضية، إلى أن تكتمل الصورة.

"شيرين شهيدة جنين"، "الشهيدة الشاهدة" و"شيرين أبو عاقلة شهيدة" وغيرها من الوسوم التي غمرت صفحات مواقع التواصل تنعى الصحافية التي كانت تغطي عملية أمنية للجيش الإسرائيلي في مخيم جنين عندما قتلت برصاصة في وجهها. وبدلاً من البث المباشر، فوجئ زملاؤها بخبر استشهادها.

"إسعاف، شيرين استشهدت... من شان الله اسحبها". تحولّت هي الحدث، قبل أن تبعث بسطورها الأخيرة لقناة الجزيرة في الدوحة صباح اليوم، وتخبرهم بأن الجيش الإسرائيلي اقتحم مدينة جنين ويحاصر منزلاً فيها، وأنها ستوافيهم بالخبر فور اتضاح الصورة.

لم أعرف شيرين شخصياً، إلّا أنني عرفت ملامحها عبر شاشة التلفاز. عرفت اندفاعها ودفاعها عن قضيّة محقّة، لم يلهها عنّها فستان ورائحة عطر ولا طلاء أظافر، ولم يشغلها عنّها حب الظهور. عرفت معدنها المجرد من التصنع والتظاهر والذي ظهر خلال حضورها وتغطيتها على الأرض التي على مذبحها أهرق دمها.

ستقفز صورة شيرين إلى رأسي كثيراً كمن سبقها، وسأسترجعها بكل تفاصيلها وأعود لأذكر وأفجع ثانية، وثالثة ورابعة وعاشرة، حتى الإنهاك.

موجعة تلك الحقيقة، أننا لا نموت دفعةً واحدةً، نحن حقاً نموت تباعاً، بطريقة الأجزاء، كلّ ما رأينا ملامح أخيرة ملفوفة بوشاح أبيض، كلّما لجأنا إلى صور قديمة وأمعنّا النظر فيها.

في تشرين الأول الماضي، كتبت شيرين أبو عاقلة عن جنين، قائلة "جنين بالنسبة لي ليست قصة عابرة في مسيرتي المهنية أو حتى في حياتي الشخصية. إنها المدينة التي يمكن أن ترفع معنوياتي وتساعدني على التحليق عالياً"، وها هي اليوم تحلّق عالياً.

"ليس سهلاً ربما أن أغيّر الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم. أنا شيرين أبو عاقلة".

كثر يرحلون ولكن تبقى أماكنهم شاغرة مهما امتلأت. مع السلامة يا شيرين!
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم