لضمان رفع ساعات التغذية... إجراءات ضرورية في الكهرباء تسبق زيادة التعرفة

رولى راشد 

حتى مع حلول العتمة الشاملة، لا يبدو أن ثمة قراراً سياسياً في تحسين وضع التيار الكهربائي والنهوض بالقطاع الذي يعرقل مسار قطاعات خدماتية أخرى في لبنان،لا بل يشلّ البلد بأكمله.
 
 
بعد إقرار مجلس الوزراء الموازنة في 11 شباط الفائت، صرّح رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي: "عندما تكون هناك خطة متكاملة ومتوازنة، لن يكون هناك عجز في الكهرباء. من أجل تأمين هذا التوازن أبعدنا الخطة عن الموازنة لأنها توضع من دون قعر ونستمر بالدفع، ولكي أكون صريحاً هذا العجز قد يزداد، ومهما تم تقديم خطط فلا يمكن تنفيذها غداً، حتى وإن زادت التعرفة، فسنبدأ بالتنفيذ وليس التحصيل، ما يعني أنه سيكون هناك عجز. لكننا نعرف أننا أمام خارطة طريق، ولدينا الكثير من المشكلات في قطاع الكهرباء".
 
وفق إحصاءات وزارة المال، بلغت التحويلات من مصرف لبنان لتغطية عجز الكهرباء في الفترة ما بين الأعوام 2010- آذار 2021  نحو 17 مليار دولار، نسبتها 19 بالمئة من النفقات العامة. وفي المقابل، صرّح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "أنّ المصرف أنفق 24 مليار دولار على مؤسسة كهرباء لبنان منذ عام 2010".
وفيما تعدّد الأرقام المرتبطة بالمشكلة المالية التي  يُعاني منها قطاع الكهرباء في لبنان، علماً أن هناك مشكلة جوهرية متعلقة بسوء الإدارة، ترزح المؤسسة تحت عبء خسائر سنويّة هائلة، بلغت في السنوات الأخيرة أكثرمن مليار دولار سنوياً، مقابل صفر تغذية. 
 
قد يكون المصدر الرئيسي  لهذه الخسائر ليس وحده هو الفرق بين التعرفة التي تجبيها مؤسسات كهرباء لبنان، والكلفة الفعلية لإنتاج الكهرباء. 
 
يركز وزيرالطاقة في الحكومة المستقيلة وليد فياض على أنه "قبل التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يجب تصحيح معدّل تعرفة كهرباء لبنان البالغة اليوم 0،4 سنت، ووضعت كهرباء لبنان التعرفة الجديدة وجرى التوافق عليها، بعدما حدّدتها بـ10 سنتات في أول كيلوواط/ ساعة. وتبقى موافقة وزارة المال".
تشير خطة وزارة الطاقة إلى انعكاس فاتورة الكهرباء على المواطنين لكنها تتغاضى عن عجز عدد كبير من الأسر عن الاشتراك بالمولدات في ظل ارتفاع سعر الدولار. وأن أي زيادة ستطال التعرفة ستنسحب عجزاً وهرباً من الدفع عند ارتفاع التسعيرة. كما أن النشاط الاقتصادي سيتراجع خصوصاً في الصناعة، حيث  تصل تكلفة أزمة الكهرباء على القطاع إلى أكثر من 400 مليون دولار سنوياً وفق البنك الدولي.

ما هي القراءة الاقتصادية الموضوعية لزيادة التعرفة؟

رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية والخبير الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي الدكتور منير راشد يقول لـ"النهار": "من الضروري أن تتخذ وزارة الطاقة قرار رفع رسم الكيلوواط كهرباء لمؤسسة كهرباء لبنان في أسرع وقت ممكن، بغض النظر عن مدى قدرتها على تمويل الطاقة. ولكن، يجب أن يترافق ذلك مع تحقيق إصلاح جذري في مؤسسة كهرباء لبنان، لخفض الهدر والتكلفة المرتفعة ووضع حد للخسائر الكبيرة التي سترافق إعادة رفع التغذية. أي أن أي سلعة أو خدمة يجب أن تّفر بتكلفتها على الأقل بدلاً من تقديم الدعم المباح للجميع. معظم الحكومات في العالم تسعّر الكهرباء على أساس التكلفة، مع هامش ربحي، كونها تتصف بالاحتكار الطبيعي. ولكن هذه الصفة زالت تدريجياً مع تجزئة خدمات الطاقة المختلفة وخصخصتها.
 
اقتراح وزارة الطاقة رفع  سعر الكيلوواط ساعة للكهرباء إلى نحو 10 سنتات مع رفع ساعات التغذية إلى 10 ساعات  يومياً مقارنة بسعر مطبق حالياً بأقل من نصف سنت أميركي ستكون نتيجته الارتفاع في خسائر مؤسسة الكهرباء. ولمعرفة أثر السعر المقترح، لا بد من  احتساب التكلفة على المستهلك في تغذية القطاعين العام والخاص البالغة 55 سنتاً للكيلوواط /ساعة، و من ثم احتساب صافي التكلفة على الدولة بعد التحصيل على أساس التعرفة الجديدة.
إن التكلفة الحالية اليومية على المواطن ولتغذية تبلغ أقله 20 ساعة، واستهلاك كيلوواط  واحد في الساعة تقدّر بنحو 330 دولاراً شهرياً (على أساس تسعيرة المولدات الصغيرة/ 55 سنتاً) مقابل التكلفة على أساس 10 سنتات  لـ10 ساعات  بتكلفة 10 سنتات، ولـ 10 ساعات أخرى  بسعر 55 سنتاً ستبلغ 195دولاراً. إذاً، ستوفر كل وحدة سكنية الفرق مع الافتراض أنها تستهلك كامل الـ 10 ساعات. فالربح الفردي للمواطن سيكون واضحاً ووفيراً.
 
أما  الوضع المالي لمؤسسة كهرباء لبنان فسيعتمد على مدى تغطية التعرفة المقترحة لتكلفة الإنتاج والتي تقّدر بنحو 22 سنتاً للكيلوواط /ساعة. ويشمل ارتفاع التكلفة عوامل عدة  منها التهرّب من الجباية، التعرفة الخاصة للقطاع العام مع الهدر السائد في القطاع. وستبلغ  الخسارة السنوية  0.7 مليار دولار لتوفير تغذية لمدة 10 ساعات بسعر10 سنتات، ستتحمّله المالية العامة والمواطن. وسيستمر الوضع المالي لمؤسسة كهرباء لبنان في حصد الخسائر، إضافة إلى المتراكمة سابقاً، والتي كانت عاملاً هاماً في تكبير حجم الدين بالدولار، واستنزاف ودائع المواطنين بالدولار. لذا، فما سيوفره المواطن سيخسره بفعل أثر العجز المالي على التضخّم والذي سيتبعه انخفاض في سعرالصرف".
ويختم: "يتوّجب أولاً إصلاح قطاع الكهرباء ووقف الهدر فيه،  لكي يرفع من فعاليته وتخفيض تكلفة الإنتاج الناتجة عن تعثّر الإدارة في مجالات عدة. وقد يتحقّق ذلك
 
من خلال خصخصة إدارة المؤسسة إثر مناقصات تتبع المعايير العالمية. من هنا، يرى كل من البنك الدولي وصندوق النقد أن رفع التعرفة فقط بدون إصلاح جذري لن ينهي تعثّرهذا القطاع".

قرار زيادة تعرفة الكهرباء سلك مساره القانوني ووصل إلى آخر مرحلة عند وزارة المال. 
 
هل من قرار سياسي اليوم للسير فيه؟

مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون يلفت إلى "أن قرار رفع أو تعديل تعرفة الكهرباء هو في القانون، ومن حيث المبدأ، يقع ضمن صلاحيات مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، وتقتضي الأصول التصديق عليه من قبل وزير الوصاية، أي وزير الطاقة، وموافقة وزير المال. أما تدخل مجلس الوزراء ووزير الوصاية فهو من باب التسلّط على المؤسسة وانتهاك استقلاليتها وتحميلها نتائج السياسات الخاطئة التي أجازت التساهل مع المستفيدين من عدادات المشتركين من قبل المهجرين أو شاغلي أملاك الغير بصورة غير شرعية، واستمداد الطاقة على ذمّة المشتركين الأصليين، وكذلك عدم تسديد إدارات الدولة ومؤسساتها الفواتير المتوجّبة عليها، وتوفير المساهمات وسلف الخزينة للمؤسسة بصورة فوضوية وعلى امتداد عشرات السنين دون تصفية الحسابات".
 
ويستغرب بيضون "ربط قرار زيادة التعرفة بزيادة ساعات التغذية أصلاً في خطة الكهرباء للعام 2010، وكذلك عدم استدراك الخطأ بعد ظهور بوادر فشلها والتأخير الحاصل في اتخاذ هذا القرار حتى اليوم، دون مبرر، ورغم مما شكلّه عجز الكهرباء ورتّبه من أعباء هائلة على الخزينة ومالية الدولة". ويضيف لـ"لنهار": "لماذا لم يُعمل بموافقة مجلس الوزراء على اقتراح وزير الطاقة سيزار أبي خليل زيادة التعرفة خلال العام 2017، وتم الانتظار حتى اليوم وبلوغ مرحلة الانهيار الكامل وخراب المؤسسة والسقوط في العتمة الشاملة؟".
 
وذكّر بأنه "بموجب القرار رقم 1 تاريخ 28/3/2017، وافق مجلس الوزراء على خطة وزير الطاقة الإنقاذية المتضمنة زيادة التعرفة بحوالي 42،6 % كمعدل وسطي، بحيث يرتفع سعر مبيع الكيلواط /ساعة من 132،1 إلى 188 ل.ل، وبأنه لم يتم تنفيذ القرار وأي شيء مهم من بنود تلك الخطة.
 
إن قرار رفع التعرفة المطروح اليوم في إطار خطة الطوارئ التي اقترحها الوزير فياض وربط نجاحه بشروط مستحيلة، هو غير واقعي، ويشبه مسلسل خطط أسلافه الفاشلة وفيه الكثير من الخيال وعير قابل للتطبيق. وتحول دون المضي في تطبيقه عقبات كثيرة منها:
 
- اشتراط مجلس ادارة المؤسسة وربط نجاح القرار بتضافر جهود وتعاون مصرف لبنان لرفد الكهرباء بمزيد من الدولارات على سعر يقل عن السوق وربما 1500 ليرة للدولار وهذا مستحيل.
 
-  مطالبة  كل من وزارة الداخلية وقيادة الجيش بالمؤازرة لرفع التعديات على الشبكة، ووقف الهدر الذي يشكّل نسبة تناهز 40% من الطاقة المنتجة والموّزعة حالياً، وربما ستصل هذه النسبة إلى 90% خصوصاً بعد رفع التعرفة من 150 ليرة إلى عشرة آلاف ليرة للكيلو واط/ساعة أو حتى أكثر، بحيث يسقط الرادع الأخلاقي، سيما وأنها مرشحة للارتفاع بنسبة أعلى في حال إعادة النظر بها دورياً كل شهر أو شهرين وتم تعديلها بالتوازي مع ارتفاع سعر صرف دولار صيرفة أو غيره".
 
وسأل في هذا المجال "عمن سوف يتحّمل هذه الخسارة الكبيرة الإضافية نتيجة الهدر غير الفني والاستمداد غير الشرعي للطاقة الموزعة على شبكة المؤسسة قبل ضبطها وحمايتها. إضافة إلى صعوبة اعتماد تعرفة متحرّكة على أساس سعر صرف يتغيّر يومياً ومع أسعار النفط العالمية.
 
-  صعوبة أخذ تأشيرة عدادات المشتركين واحتساب كمية الاستهلاك وفوترتها شهرياً، على غرار ما يقوم به أصحاب المولّدات الخاصة، سيما وأن هناك تأخيراً في الجباية حالياً حوالي السنتين، كما أن التدفقات المالية الناتجة عن زيادة التعرفة لن تصل إلى صناديق المؤسسة قبل سنتين، أو ربما سنة في حال تمّ التسريع في الفوترة والتحصيل؛ ناهيك عن إمكانية استخدام المؤسسة لهذه التدفقات لتسديد ديون متوجبة عليها ولتمويل مزيد من الهدر والفساد في نفقاتها في ظل الفوضى والغموض الذي يحيط بحقيقة أوضاعها المالية والديون المتوّجبة عليها".
 
ويختصر بيضون رؤيته لقرار رفع التعرفة اليوم بأنه "من باب رفع العتب، وملء الفراغ وإيهام الخارج بحصول خطوة إصلاحية لطالما طالبت بها مؤسسات وجهات دولية مهتمة بمساعدة لبنان. أما الغاية الحقيقية منه فهي محاولة الحصول على المزيد من التمويل على حساب الخزينة المفلسة!".

يقدم "تقرير المالية العامة في لبنان: مخطط تمويل بونزي"، الصادر في 2 آب عن البنك الدولي، تحليلاً لأوضاع المالية العامة في لبنان في فترة ما بعد الحرب الأهلية لفهم الأسباب الجذرية المؤدية إلى إفلاس النظام المتوقع على نحو واسع. ويُركِّز التقرير على ثلاثة عناصر رئيسية: سياسة المالية العامة في الجمهورية الثانية، وإعادة هيكلة النظام المالي الكلي، وعدم تقديم الخدمات العامة...
 
وكشفت الأزمات عن هشاشة نظام تقديم الخدمات في لبنان، وهو نفسه نتاج سيطرة النخبة على موارد الدولة لتحقيق مكاسب شخصية. وكانت عملية إضعاف تقديم الخدمات العامة في سياق جهد مُتعمد لإفادة فئة محدودة على حساب الشعب اللبناني. وكان المواطنون في نهاية المطاف يدفعون تكاليف مضاعفة، ويحصلون على منتجات أو خدمات ذات جودة متدنية، وكانت الآثار أيضاً تنازلية بدرجة كبيرة، حيث تؤثِّر على الشرائح السكانية ذات الدخل المتوسط والدخل المنخفض بدرجة أكثر كثيراً من غيرهم...".
 
واليوم، الحديث عن زيادة تعرفة الكهرباء بهدف رفع ساعات التغذية ضروري وإنما أيضاً هو هروب من مشاكل جوهرية أخرى مرتبطة بإصلاحات ملحة في القطاع تطالب بها الجهات الدولية المراقبة.