الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لبنانيون يتحوّلون إلى السياحة البيئية وبيوت الضيافة... "الحركة بركة"

المصدر: "النهار"
فرح نصور
من إحدى المناطق الجبلية (من صفحة Vamos Todos)
من إحدى المناطق الجبلية (من صفحة Vamos Todos)
A+ A-
تشكّل السياحة الداخلية اليوم المتنفَّس الوحيد أمام اللبنانيين الذين اعتادوا السّفر إلى الخارج مع أوّل فرصة تسنح لهم. فانتشار كورونا والأزمة الاقتصادية دفعا باللبنانيين إلى التحوّل نحو السياحة البيئيّة والريفيّة من جهة، ونحو اللجوء إلى بيوت الضيافة والنشاطات الثقافيّة والطبيعيّة المرتبطة بها، واكتشاف القرى والمناطق اللبنانية النائية، في خطوة حرّكت قطاعاً نائماً غدا نشِطاً وسط الأزمة، وأمّن حركة اقتصاديّة متكامِلة.

وبفعل هذا الواقع السياحيّ الجديد، زادت أعداد بيوت الضيافة في مختلف المناطق، وزاد عدد منظّمي جولات السياحة البيئية.

تُعتبر الوجهة الأولى لدى اللبنانيين في السياحة الداخلية إلى أماكن البيئة الطبيعيّة والمياه والمطاعم، ويستفيدون من عطلة نهاية الأسبوع للخروج إلى المناطق النائية، التي تُعتبر بيئيّة بامتياز، وحيث الموارد الطبيعيّة؛ فاللبناني يهتمّ كثيراً بارتياد المطاعم، وفق نقيبة الأدلّاء السياحيين في لبنان أليسار بعلبكي.

وهناك وجهة أخرى لدى قسم آخر من اللبنانيين، من الذين يرغبون في معايشة الطبيعة وممارسة السياحة البيئيّة والرياضيّة، ويتّجهون نحو تناول المأكولات القرويّة، ويقصدون القرى وبيوت الضيافة فيها، حيث يتناولون الطعام القرويّ؛ وبذلك يتعرّفون أجواء القرية وعاداتها ومأكولاتها وطبيعتها وأماكنها السياحيّة.

إلى ذلك، هناك سياحة داخليّة وبيئيّة تنشط خلال حصاد المواسم الزراعيّة مثل قطاف التفاح والعنب والزيتون والكرز، ويمكن السيّاح المشاركة في تحضير المونة، ضمن النشاطات التي أصبحت جاذبة جدّاً للّبنانيين.

وتروي بعلبكي أنّ هذه النشاطات كانت موجودة، إلّا أنّها نشطت أكثر في ظلّ انتشار كورونا، بل باتت مطلوبة أكثر، وأصبحت المتنفَّس الوحيد أمام اللبنانيين، الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، والذين ينتمون إلى الطبقة المتوسّطة واعتادوا السّفر إلى الخارج.

إلى أي مدى حرّكت هذه السياحة الأوضاع الاقتصادية؟
تقول بعلبكي إنّ "هذه الحركة لم تنتشلنا من المأزق الذي نعيشه، إلّا أنّها حرّكت القطاع أقلّه، وأعادت الأمل، وأصبح هناك حركة، وفي الحركة بركة".
 
روّاد هذه السياحة هم من اللبنانيين المقيمين والأجانب المقيمين الذين يعوَّل عليهم أكثر في هذا النوع من السياحة. وتنشط السياحة الرياضيّة والبيئيّة أكثر لدى اللبنانيين، أمّا الثقافية فهي أكثر لدى الأجانب.
 

"دار نور" للضيافة في شبطين- البترون
 
أمّا رئيس منظمة Vamos Todos غير الحكوميّة للسياحة البيئية والمسؤولة داخل لبنان مارك عون فيقول إن "الطلب هائل على السياحة الداخلية، أكثر من التصوّر". ويعود الأمر برأيه إلى الأزمة الاقتصادية التي حدّت من السفر إلى الخارج، وبسبب كورونا. ومنذ حوالى عامين، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، اكتشف اللبنانيّون طبيعة لبنان والأماكن غير المعروفة في هذا المجال، وتوجّه الناس إلى الطبيعة للتنفّس، ومَن هم ميسورون أكثر يقومون بجولة مع مرشدين سياحيّين.

فالسياحة البيئيّة توفّر نشاطات مختلفة في الطبيعة وطعاماً قرويّاً ورياضة وتسلية وجولات في الخمارات، وهي نشاطات لطالما كانت موجودة إلّا أنّ الناس بدأوا يلتفتون إليها اليوم. وتكون هذه الأنشطة إمّا يومية وإمّا في أوقات معيّنة كمغيب الشمس أو شروقها أو عند اكتمال القمر.

وينصح عون، بهدف معرفة الطبيعة والقرى أكثر، أن يقضي الشخص أو المجموعة ليلة وأكثر في المكان لكي يُحصّل المعرفة اللازمة، وليستفيدوا من نشاطات كثيرة، وليحتكّوا بالمحليين، عبر الاستعانة بمرشد سياحيّ من القرية، فيكون بيت الضيافة هو النقطة المحوريّة لهذه الجولة.
 

ويفيد عون بأنّ "قطاع السياحة الداخليّة ساعد وحرّك كثيراً السياحة والمعنيين فيه بنسبة نحو 300%، فمعظم من كانوا يسافرون إلى الخارج تحوّلوا إلى الداخل. لذلك، فإنّ الطلب كبير جداً، وهناك أماكن على الشخص أن يحجز فيها قبل وقت طويل ليجد مكاناً، خصوصاً المشهورة منها، والأماكن الأغلى من غيرها هي المطلوبة".
 

وبحسب عون ، فقد "خلقت هذه الحركة كلّها فرص عملٍ كثيرة، وحرّكت الدورة الاقتصاديّة، ونشّطت عمل الجمعيّات المحليّة والجمعيّات النسائيّة، لا سيما التي تهتمّ بالغذاء البيئي والصحي، "فهي دورة اقتصادية متكاملة، وهذه هي السياحة المستدامة، وربّ ضارة نافعة فعلاً، فالأزمة الاقتصادية دفعت لأن تتحرّك السياحة المستدامة التي هي عصب المجتمع اللبناني، والتي تُبقي أهالي القرى في قراهم".

وعن تكلفة هذه السياحة، وهل هي بمتناول الجميع؟
يجيب عون "إنّ جزءاً منها ليس بمتناول الجميع، وهي الأماكن "الضاربة"، إنّما هناك بالطبع أماكن غير مشهورة ما زالت تكلفتها مقبولة جداً".
 

ويسمح النزول في بيت الضيافة بالتعرّف إلى قرى جديدة وعيش تجربة الإقامة في بيت صيفيّ لمَن ليس لديه أيّ بيت جبليّ. وقد نشط عمل بيوت الضيافة كثيراً خلال هذه الأزمة جرّاء الإقفال، وشكّلت الملاذ للنّاس كلّما فتحت البلد.

في هذا الإطار، يزداد عدد بيوت الضيافة، وآخرها "دار نور" في البترون، الذي فتح أبوابه منذ يومين فقط. صاحبته تعمل كمستشارة سياحيّة، وهي من الأدلّاء السياحيين. بحكم عملها، وبعد نجاح فكرة بيوت الضيافة في لبنان، فتحت الدار بالرّغم من الأزمة الاقتصادية القاهرة. وتقول نور حداد صاحبة "دار نور" إنّ ما دفعها إلى إطلاق هذا المشروع هو الطلب الكبير على بيوت الضيافة، فأغلبيّة هذه البيوت في المناطق الجبليّة "مفوّلة" خلال الويك-أند الصيفيّ كلّه، والإقبال كبير عليها.
 

"دار نور" للضيافة في البترون
 
وتروي حداد أنّ "هناك هبّة على بيوت الضيافة، وهناك جزء منها باهظ جداً، لكن ليس كثيراً، ومنها ما هو ذات أسعار متوسّطة؛ لذلك وجدت أنّ هناك حاجة لانتقاء هذا الخيار، إلى جانب كوني شخصاً أحبّ لبنان، وما زلت أؤمن به".
وتُضيف: "يمكن مساعدة المجتمع الريفيّ على البقاء حيث هو، وإعطاء الأهمية اللازمة لتراث المناطق، والعمل على التنمية المستدامة ليستفيد أهل القرى؛ فالسيّاح يحرّكون الاقتصاد المحليّ، ويخلقون بذلك حركة اقتصادية متكاملة".
وقد أطلقت نور فكرة "جلال الدار"، "وهي طاولة لمَن يرغب في تناول الطعام القرويّ المنتج محليّاً وفق الطلب، وبأسعارٍ مقبولة جداً، ما ينعكس إفادة لأهل القرى من ناحية تصريف إنتاجهم أيضاً. فوجود بيت ضيافة في منطقة ما هو إلا عمل مسانِد لأهل المنطقة، وهذا النوع من المبادرات يهدف إلى مساعدة المجتمعات المحلية".

وتساعد نور كما غيرها من بيوت الضيافة الزوار إمّا بالأماكن الدينية والزراعية والثقافية التي يمكنهم زيارتها، وإمّا عبر توفير مرشد سياحيّ لمرافقتهم.
 

"دار نور" للضيافة في البترون
 

"دار نور" للضيافة في البترون
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم