الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"الإنكار الكبير"... كيف تنعكس أرقام البنك الدولي المخيفة على التفاوض مع صندوق النقد؟

المصدر: "النهار"
فرح نصور
مصرف لبنان (نبيل اسماعيل).
مصرف لبنان (نبيل اسماعيل).
A+ A-
بعد مرور أكثر من عامين على أزمة لبنان الاقتصادية، وبعد أن صنّفها البنك الدوليّ في أيار 2021 ضمن أسوأ 3 أزمات في العالم خلال الـ150 عاماً الماضية، في تقرير بعنوان "لبنان يغرق"، أصدر البنك تقريراً عن كساد الاقتصاد اللبنانيّ بعنوان "الإنكار الكبير" في عدد خريف 2021، يشير إلى أنّ الكساد المتعمَّد في لبنان هو من تدبير قيادات النخبة في البلاد، التي تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصاديّة.

وبحسب تقرير المرصد الاقتصاديّ للبنك الدوليّ، يحدث الانهيار في بيئة جيوسياسية تتّسم بدرجة عالية من عدم الاستقرار، الأمر الذي يزيد من إلحاح الحاجة إلى معالجة هذه الأزمة الحادّة، فـ"حجم ونطاق الكساد المتعمّد الذي يشهده لبنان حاليّاً، يؤدّيان إلى انهيار الخدمات العامة الأساسية، ونزيف رأس المال البشريّ، وهجرة الكفاءات على نطاق واسع، بينما تتحمّل الفئات الفقيرة والمتوسّطة العبء الأكبر للأزمة".

ويورد تقرير البنك الدوليّ، أنّ دَين لبنان بلغ 88,9 مليار دولار في 2018، وانخفض إلى 39,9 مليار دولار في 2021. المشكلة الكبرى، وفق الخبير الاقتصادي الدكتور بيار الخوري، هي انخفاض الناتج رغم ارتفاع نسبة الدين العام للناتج المحلّي. والأسوأ هو انكماش قيمة الدَّين الذي حدث خلال هذين العامين، إذ تمّ إلغاء ما قيمته حوالي 40 مليار دولار من دين الدولة، إمّا بانخفاض قيمة الليرة وإمّا بالتضخّم المصاحب لهذا الانخفاض. 
 
فالدولة خلال هذين العامين خفّضت ديونها بشكل جذريّ. ونسبة العجز للناتج المحلي، كما هي ظاهرة اليوم في الموازنة (حوالي 3%)، هي أقلّ ممّا طلب صندوق النقد الدولي قبل الأزمة (حوالي 5%). لكن هذا الانخفاض حصل من خلال إعادة تحويل قيم الأصول، وتملّص الدولة من جميع التزاماتها التي حدثت خلال هذه الأزمة. 

لكن برأي الخوري، الأمر الخطير في تقرير البنك الدوليّ، هو حديثه عن الانهيار المتعمَّد، ما يؤكّد أنّ تبخّر الـ40 مليار دولار من الدَّين، "أي أنّهم قاموا بتضخّم مُدار لحلّ الأزمة على حساب المودعين والأجور والتعويضات وغيرها، أي أنّ الشعب هو الخاسر، والدولة ربحت 40 ملياراً". وحتى الإنكار هو مقصود، فهناك استمرار بالسياسات نفسها في غياب أيّ مخرج إلّا من خلال إلغاء دينهم من خلال السقوط الاجتماعيّ والاقتصاديّ للبلد.

أرقام البنك الدوليّ تظهر فظاعة الأزمة

ويفيد تقرير البنك الدوليّ أنّ إجماليّ الناتج المحلّي للبنان انخفض من قرابة 52 مليار دولار في 2019 إلى مستوى متوقَّع قدره 21,8 مليار دولار في 2021، مسجِّلا انكماشاً نسبته 58.1 %، وهو أشدّ انكماش في قائمة تضمّ 193 بلداً. كما انخفضت الإيرادات الحكومية إلى النصف تقريباً في 2021 لتصل إلى 6.6 % من إجمالي الناتج المحلي.

فمع بداية العام 2020، دخل الاقتصاد اللبناني غرفة الإنعاش عقب الركود التضخّمي الذي حلّ به. ونشهد هذا الركود عندما يُصاب فيها الاقتصاد بانكماشٍ حادّ في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (أي نسب نموّ سلبيّة)، وهو ما أشار إليه تقرير البنك الدوليّ مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي من 52 مليار دولار في العام 2019 إلى 21,8 مليار دولار في العام 2021، ليحتل لبنان المراتب الأخيرة وفق الدخل الفردي مع الصومال واليمن.
 
ويـأتي هذا الركود، وفق شرح مدير الأبحاث في اتّحاد أسواق المال العربية، الدكتور فادي قانصو، بالترافق مع ارتفاع مفرِط في نسب تضخّم أسعار الاستهلاك بحوالي 145% في العام 2021، وهي ثالث أعلى نسبة تضخّم في العالم بعد فنزويلا والسودان بحسب تقرير البنك الدوليّ، مع الإشارة إلى أنّ التضخّم الإجماليّ بلغ 603% بين تشرين الثاني 2019 وتشرين الثاني 2021، وفق أرقام الإحصاء المركزي.
 
ويؤدّي هذا الركود إلى تعميق الأزمة الاقتصادية، لاسيّما لناحية تداعياته السلبية على معدّلات البطالة، وعلى المواطنين وخصوصاً ذوي الدخل المحدود وحتّى المتوسّط، ما ساهم في رفع نسبة الأسر التي ترزح تحت خطّ الفقر إلى 78% وفق آخر إحصاءات الأمم المتّحدة مقابل متوسط عالميّ بحدود 28%.

ويُقدّر البنك الدولي أن يبلغ الدين الإجمالي 183 % من إجمالي الناتج المحلي في 2021، ليُسجِّل لبنان رابع أعلى نسبة مديونية في العالم بعد اليابان والسودان واليونان. فهذا الواقع، يعكس، بحسب شرح قانصو، أزمة القطاع الخارجي، مع عجز في الميزان التجاري بحدود 7 مليارات دولار سنوياً، بعدما كانت تتجاوز الـ17 مليار دولار في سنوات ما قبل 2019، ومع عجز في ميزان المدفوعات بلغت 32 مليار دولار منذ العام 2011، نتيجة التوقّف المفاجئ في التدفّقات الرأسمالية الداخلة والعجز في الحساب الجاري وفق البنك الدوليّ، ما أدّى إلى استنزاف حادّ في احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان بحوالي 20 مليار دولار منذ بداية الأزمة. 
 
 
 
واعتبر المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي، ساروج كومار، أنّ "بعد مرور أكثر من عامين على الأزمة المالية، لم يُحدِّد لبنان بعد مساراً يتّسم بالمصداقية للوصول إلى التعافي والاستقرار الاقتصادي والمالي، ناهيك بالشروع في هذا المسار". 
 
من هنا، وفيما بدأت المفاوضات الرسمية بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي في شأن برنامج التعافي الاقتصادي. وبينما يقدّر البنك الدولي في تقريره أن يبقى الاضطراب المالي والنقدي قائماً، هل يعني ذلك تضارب مع المفاوضات ومسارها؟ وهل هذا التقرير الذي اتّهم النخبة الحاكمة بتعمّد صنع هذه الأزمة، سيؤثّر على ثقة صندوق النقد بلبنان؟

"المؤسسات الدولية لا تثق بلبنان"، لكن لدى عزم صندوق النقد على تمويل ومساعدة بلد ما، ينصح بشبكة أمان اجتماعي وبتنفيذ سياسات معينة، لكنّه يهتم بشكل أكبر إلى العلاقات التأشيرية، أي نسبة الدَين للناتج المحلي ونسبة نموّ الدين وما إلى ذلك من أرقام، لأنّ هدفه وتركيزه هو إصلاح ميزان المدفوعات. ويطلب بالمقابل تخفيض نسبة العجز الحكومي للناتج المحلّي كشرط أساسي لضمان استعادة أمواله. أمّا سوء إدارة الدول فلا يؤثّر في مهام البنك الدولي، وفق الخوري.
 
"لكن بوجود طبقة حاكمة غير أخلاقية، يمكن لصندوق النقد أن يطرح علامات استفهام حول ما يتعلّق بمسار المفاوضات مع هذا البلد"،  فالتفاوض يظهر عجز هؤلاء الساسة عن التقدّم، و"الطبقة الحاكمة اليوم تواجه مشكلة في التفاوض، ففي حال قيام البلد وهم مقيّدون بالإنفاق، هذا يعني "أنّهم يحفرون قبورهم بأياديهم".

من جهته، يلفت قانصو إلى أنّ "تقرير البنك الدولي دقّ فعلاً ناقوس الخطر"، بحيث سلّط الضوء على المخاطر التي تمثّل تهديدات جدّية. وهو ما أشار إليه أيضاً صندوق النقد الدولي عندما وصف تحديات لبنان "بالعميقة والمعقّدة" والتي تحتاج إلى الوقت والالتزام، وهو ما يطرح علامات استفهام جدّية حول مدى ثقة المجتمع الدولي بالمنظومة الحاكمة وقدرة الحكومة على إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي والالتزام بشروطه القاسية، وعلى مواجهة هذا العدد الكبير من الملفات الاقتصادية بشكل فوري وسريع، وبالتالي إطلاق عجلة الإصلاحات الهيكلية المنشودة".
 
المسار الإصلاحيّ، برأيه، شاقّ وطويل ويشوبه عدد من التحدّيات والعراقيل، إذ يحتاج إلى صدق النوايا بين مختلف الأفرقاء السياسيين لضمان المناخ المؤاتي من الاستقرار السياسي والأمني، حكومة توحي بالثقة وذات مصداقية قادرة على تطبيق ما يلزم من إجراءات، ثقة الحشد الدولي والدعم المالي لتمويل خطة الإنقاذ، والأهم من ذلك عامل الوقت لتُترجم هذه الاصلاحات بشكل فعليّ ونبدأ بقطف ثمارها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم