الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

مطاعم افتُتحت في عزّ الأزمة... ماذا يروي أصحابها؟

المصدر: النهار
فرح نصور
تعبيرية (من الأرشيف)
تعبيرية (من الأرشيف)
A+ A-
ليس بجديدٍ سماع كلمة "قطاع المطاعم يُحتضر"، بعد إقفال أكثر من نصف مؤسساته من جراء الأزمة الراهنة. إلّا أّن الغريب في الأمر، اكتشاف مطاعم افتُتحت وتفتح في ظل هذه الأزمة المستفحِلة، في خطوة أقلّ ما يُقال عنها إنّها مغامرة، قد يراها البعض غير محسوبة. ما الذي يدفع بأصحاب هذه المطاعم إلى خوض هذه المغامرة؟ علامَ يراهنون؟ وهل تسجيل الأرباح وارد برأيهم؟
 
"في ظل الأزمات الاقتصادية، ثمّة فرص يجب اقتناصها للتماشي مع الوضع الراهن، واستغلاله وتحويله إلى فرصة تناسب الناس والمجتمع الذي نفتخر بخدمته، وكنّا وما زلنا نهدف إلى تأمين منتوجات ذات جودة عالية وبأسعار مقبولة"، يقول رئيس مجلس إدارة سلسلة مطاعم "AlHayat Turki Doner"، حسين طراد.
 
افتتح طراد منذ نحو أسبوع مطعماً جديداً باسم "شاور فندم" وهو امتداد لمطعمه الشهير "AlHayat Turki Doner" (المؤلف من 7 فروع ممتدة على مساحة الوطن) وبالمسمى عينه، "خلقنا فكرة مطعم تابعة لسلسلة مطاعمنا الأساسية، وهي فكرة تتماشى على حدٍّ سواء مع الأزمة الاقتصادية المستفِحلة، ومع قدرة الناس الشرائية التي تراجعت نتيجة تراجع قيمة العملة الوطنية وتالياً الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الأولية"، وفق طراد. 
 
واعتمد طراد نمط المطاعم السريع، حيث قلّل من الأعباء المالية في استثماره لجهة عدد الموظفين والمساحة والمصاريف التشغيلية وإيجار المحل، وميّزه بالخدمة الذاتية. لذلك، فإنّ كلفة الاستثمار في هذا المشروع وبالرغم من ارتفاعها النسبيّ، إلّا أنّها أقلّ تكلفة من منشأة كاملة الخدمات، ولو رأى بذلك البعض نوعاً من المغامرة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. بالتالي، حافظ طراد على نوعية المأكولات التي يقدّمها، بفاتورة متوسّطة تناسب مَن يتقاضون بالليرة. 
 
ويستشهد طراد ببلدان رزحت تحت أزمات اقتصادية كتركيا واليونان في العقود الماضية، حيث تمّ ابتكار ثقافة جديدة في المطاعم تُسمى بـ"ثقافة طعام الشوارع" أي أن يتموضع المطعم مباشرةً على الشارع كمحطة حيّة، ورغب الناس هذا النوع من المطاعم المولودة من رحم الأزمات الاقتصادية. ومن مميزات هذه الثقافة أنّها خفّضت من كلفة الاستثمار. 
 
 
تصوير مارك فياض
 
أمّا اليوم في لبنان، بحسب طراد، "فقد اختلط واهتزّ التوزيع الطبقي للفئات الاجتماعية، وتراجعت بدرجات قدرة هذه الشرائح على الإنفاق. ونحن كشركة أخذنا المتغيّرات المجتمعيّة وقدرة الناس الشرائية بعين الاعتبار، لكن بما يتناسب مع فكرة مطعمنا لنتماشى مع الواقع المستجد، وهذا ما شجّعنا على أن نستمر ونأتي بهذه الفكرة الجديدة". 
 
لكن ماذا عن الاستثمار في قطاعٍ يُحتضر وقد أقفل أكثر من 50% من مؤسساته من جراء هذه الأزمة؟ يقول طراد إنّ "في بلدنا، وإذا ما لاحظنا في العقود الغابرة، يمرّ لبنان دائماً بأزمات اقتصادية ومالية وأمنية متكررة، وقد تكون كل 10 أو 15 عاماً، لكنّه دائماً ما يشهد انفراجاً بعد كل أزمة، وقد اعتدنا في لبنان تحمّل الأزمات والتأقلم معها والصمود دائماً للاستمرار، لذلك نرى دائماً بصيص أمل ونقول غداً أفضل، ولا يمكن أن نستسلم، فنحن شركة لديها ما يفوق الـ 500 موظف وهذا يُعدّ استثماراً بحدّ ذاته، ومسؤوليتنا المحافظة عليهم ومنحهم الأمل كذلك". وفي أجواء الأمل والإيجابية، يروي طراد أنّ "افتتاح مطعمنا انعكس إيجاباً حتى على المارة الذين يشعرون أن وجود مطعمٍ جديد قد يكون مؤشّر أمل بالنسبة إليهم، وذلك فعلاً شجعنا أكثر، إضافة إلى الطلب الملح من زبائننا الوجود في مناطق عديدة دفعنا إلى أن نتوّسع باتّجاههم ونستمرّ".
 
تصوير مارك فياض
 
وعن الأسعار، يفيد طراد أنّ معدّل الفاتورة في المطعم هو نحو 25 ألف ليرة، وهو مبلغ معقول ويتماشى كثيراً مع الوضع الراهن، "نحن رفعنا الأسعار تدريجياً، لكن ليس مواكبةً للدولار إنّما رفعنا السعر ثلاثة أو أربعة أضعاف فقط، فالشركة بطبيعة الحال تبغي الربح لكي تستمرّ، إنّما في الوقت نفسه، الهدف الأهمّ هو البقاء والاستمرار والصمود في وجه الأعاصير الاقتصادية". 
 
السؤال البديهي في هذا السياق، هل يمكن تسجيل أرباح في ظروف كالتي نمرّ بها؟ بحسب طراد، إنّ أي مشروع جديد يحتاج إلى بعض الوقت لكي ينطلق، "لكن مطعمنا الجديد المرتبِط باسم " AlHayat Turki Doner" هو تكملة لمطعم اعتادها الناس ويرتادونها باستمرار، لذلك لا خوف من فشله، وبداية همّنا ألّا نخسر لكنّنا لا نبغي تسجيل أرباح هائلة من خلاله، إنّما زرع الأمل في لبنان وفتح فرص عمل لبعض الشباب واستمرار اسمنا". 
 
ويصرّ طراد دائماً على البحث عن منتجات وأسواق جديدة خارج لبنان من طريق تأجير أو بيع العلامة التجارية، أو من طريق الإدارة والاستثمار المباشر، وتتّجه بذلك الشركة للاستثمار خارج لبنان لتتمكّن من الاستمرار، "أمّا اليوم فأملنا بلبنان كبير جداً، وهذا ما يمنعنا من الاستسلام، ومن التمسك أكثر باستثمارنا في لبنان هو أنّنا فتحنا هذا المطعم في ذروة الأزمة، ونحن خُلقنا نعشق لبنان وأرضه وسنبقى فيه، لكن أي استثمار خارجي هو دعم لنا فقط للاستمرار"، وفق طراد.
 
 
تصوير مارك فياض
 تصوير مارك فياض
 
كان يُجهَّز لمشروع فتح مطعم "كن" قبل تحركات 17 تشرين، "فنحن تربّينا في هذا البلد وجنينا أموالنا فيه، ولم نكن نودّ أن نهرب إلى الخارج "من نقزه وحدة"، يقول جو نجيم، صاحب سلسلة مطاعم في لبنان من بينها مطعم "كن". قرّر أن يستثمر في لبنان بالمبلغ الذي كان بحوزته للاستمرار بالمشروع.
 
بعد أن باشر في تنفيذه، وقع انفجار المرفأ ودمّره وعاود نجيم التصليح و"صمّمت على الاستمرار، لكن اليوم إذا ما أردنا أن نعيد رأس المال الذي انفقناه على المشروع قد ننتظر لجيل أولادنا في ظل انهيار الليرة"، بحسب نجيم، "لذلك، لم نتأمّل تسجيل أرباح من هذا المشروع لكنّنا اعتبرنا أنّنا إذا ما حافظنا على فريق عملنا وفتحنا فرص عمل ولم نخسر مالنا، نكون قد حققنا إنجازاً، ونلنا هدفنا". 
 
تصوير مارك فياض
 
تصوير مارك فياض
 
ويستطرد نجيم ألّا أحد استكمل أو استثمر بعملٍ بعد 17 تشرين هدف إلى تسجيل الأرباح، إنّما "كنّا جميعاً نفكّر أنّ هذا البلد هو بلدنا وعلينا أن نبقى فيه وأن ننتظر لكي يعود البلد إلى سابق عهده. في النهاية سيعود، ونحن لدينا مشاريع عديدة في دول عربية مختلفة، ولم نكن نريد أن نهجر بلدنا الأم ونقفل أعمالنا". 
ألم تُحبط لرؤية أكثر من نصف قطاع المطاعم قد أقفل أبوابه؟ "أبداً لم نُحبط، فأنا من مواليد الحرب، وقد اعتدنا الاستمرار وأنّ الأمل موجود دائماً، فلبنان ما زال يتحلّى بجاذبيته الخاصة"، وفق نجيم.
 
 تصوير مارك فياض
 
تصوير مارك فياض
 
في سياق متصل، يرى أمين صندوق نقابة أصحاب المطاعم والملاهي والمقاهي والباتيسري عارف سعادة، أنّ "خطوة فتح مطعم اليوم تتأرجح بين ما هو إيجابي وما هو سلبي، فصحيح أنّها تساعد الشباب في إيجاد فرص عمل، لكن على المدى الطويل، وإذا ما بقي الواقع الاقتصادي على حاله، لن يستطيع أحد تغطية نفقاته، ومَن يفتح حديثاً، قد يخسر أو يستدين".  
 
ويضيف سعادة أن "اليوم جميع المشاريع السياحية هي فقط للاستمرار، فالوضع غير طبيعي مع هبوط الليرة وتراجع قدرة الشعب اللبناني على الإنفاق، وثمّة فرق كبير جداً بين فاتورة المطعم اليوم وبالماضي على فرق سعر الدولار، لذلك مَن يودّ أن يفتح مطعماً في ظل هذه الأزمة، عليه أن يدرس مشروعه جيّداً كيلا يخسر، فالأمر خطير".
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم