الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

قرارات اجتماع بعبدا بين رفع الدعم ورفع العتب

المصدر: "النهار"
طوابير سيارات أمام محطة للبنزين في بيروت!
طوابير سيارات أمام محطة للبنزين في بيروت!
A+ A-
غسان بيضون
 
كان لافتاً اجتماع بعبدا والقرارات الصادرة عنه بحضور رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير المال وحاكم مصرف لبنان ومتابعة وزير الطاقة، ويترك المجال لإبداء أكثر من ملاحظة وسؤال وعلامة استفهام، لا سيّما من الناحية الدستورية والإطار القانوني للاجتماع خارج التئام مجلس الوزراء، وفي ظل حكومة تصريف أعمال لم يرفّ لها جفن حتى في ذروة الأزمة وأحلك الظروف الموجبة للاجتماع واتخاذ الإجراءات والتدابير التي كانت تقتضيها التطورات، بما فيها تلك التي يغلب عليها الطابع الإداري والتنظيمي لوضع الآليات والضوابط اللازمة لوقف تهريب المحروقات وتخزينها وبيعها في السوق السوداء. هذا فضلاً عن صلاحية "المجتمعين"، في اتخاذ قرارات بهذا المستوى من الأهمية والتأثير والتكلفة المالية، لا سيما وأن الحكومة أصلاً هي في حالة تصريف أعمال ولا يجوز لها، مبدئياً، اتخاذ قرارات يترتب عنها أعباء واعتمادات إضافية جديدة على الموازنة العامة للسنة المقبلة، وعلى مشارف تشكيل حكومة جديدة.

أمّا موافقة الحاكم الذي يبدو أنه سجل انتصاراً بعدم تراجعه عن قراره المنفرد برفع الدعم كلياً عن المحروقات، فتبدو غريبة قياساً إلى إعلانه الالتزام بتطبيق القوانين وعدم مخالفتها، فهل سوف يكتفي بعدم المس بـ"التوظيفات الإلزامية"، ليلتزم بتنفيذ القرار. وهل أن وزير المالية الذي استند المجتمعون إلى اقتراحه إعطاء مساعدة للموظفين وزيادة بدلات النقل اليومي، لاتخاذ "قرار أوسع"، سوف يوافق الحاكم على تحميل فرق سعر صرف الدولار في السوق على حساب الخزينة، وبأيّ صيغة سوف يتم ذلك؟

يبدو أنّ ما جرى في اجتماع بعبدا من الدعوة إليه وحتى الإعلان عن القرارات التي صدرت عنه، مروراً بالوقائع والنقاشات التي تخللته، هو أقرب إلى الانفعال والغضب وفشة الخلق نتيجة موقف مجلس النواب من رسالة رئيس الجمهورية وقبله قرار الحاكم المنفرد بوقف الدعم دون الرجوع إلى الحكومة ودون أخذ ما أقرّه المجلس النيابي حول البطاقة التمويلية بالاعتبار، ومن عزوف الحكومة ورئيسها عن ممارسة صلاحياتها في الحالات والأوضاع الطارئة والظروف الاستثنائية، التي استقر الاجتهاد الإداري على اعتبار بعض الأعمال التصرفيّة، ومعالجة الأمور الحيويّة والملحة في الظروف الطارئة، داخلة ضمن تصريف الأعمال وتستدعي انعقاد مجلس الوزراء.

اللافت في انعقاد هذا الاجتماع هو الاستجابة المفاجئة لرئيس الحكومة المعتكف وحضوره الاجتماع، دون أن يكفي ذلك لإضفاء المشروعية القانونية على القرارات الصادرة عن الاجتماع. ولا بد من الإشارة هنا إلى القرار الحديث الصادر عن ديوان المحاسبة ويعتبر فيه أنه لا يمكن الاعتداد بالموافقة الاستثنائية المعطاة من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة لتغطية المخالفات الحاصلة نتيجة تمديد عقد استثمار وتشغيل المنشآت المخصصة لتزويد الطائرات بالوقود في مطار بيروت الدولي.

وبالنسبة لإمكانية أن يشكّل القرار حلاً لمشكلتَي المحروقات والكهرباء، فالجواب يتوزّع على محوَرين:

أولاً: تأمين دولارات لكهرباء لبنان لدفع ثمن محروقات ولمقدمي الخدمات وقطع الغيار والصيانة بقيمة 80 مليون دولار، الذي عجزت المؤسسة مع وزير الطاقة عن الحصول عليه من الحاكم.

لا شك في أن هذا القرار يشكّل مكسباً لرئيس الجمهورية باعتباره مهتماً بتأمين الطاقة للمواطن وحاضناً لجماعتها وراعياً لحاجاتهم. أما وأن تأمين هذه المبالغ لصالح الكهرباء، برغم إلحاح الحاجة إليها وأهمية الانفراج المرحلي والموضعي الذي توفره للمواطن من خلال زيادة ساعات التغذية وإعفائه من رعب فاتورة المولد بما يضاف إليها من زيادات تثقل كاهله لتغطية فرق أسعار السوق السوداء، لا سيما وأنه سوف يتم تأمين هذه المبالغ على أساس سعر صرف السوق، ويمكن أن يناهز، مع فارق ثمن المحروقات المطلوب، قيمة آخر سلفة خزينة للكهرباء أقرّت بقانون، بحيث يبدو وكأنّ الاجتماع تجاوز "حد السلطة" ليمارس صلاحية تعود لمجلس النواب بهذا المعنى. ويفترض أن يؤدي تأمين الدولارات بهذه الصيغة إلى التخفيف من حدة أزمة إنتاج الكهرباء وتراجع الاعتماد على المولدات ولو جزئياً ومرحلياً بانتظار أن تبصر النور اتفاقية النفط العراقي، التي طال انتظارها، وربما وصول المحروقات المرتقبة من إيران.

- ثانياً: على مستوى تخزين و/ أو تهريب المحروقات وسوقها السوداء:

الأرجح أن لا تشكل قرارات اجتماع بعبدا حلاً لهاتين المشكلتين، لا سيما وأن سعر مبيع المحروقات داخل لبنان، بالرغم من ارتفاعه ليبلغ ضعفي السعر الحالي بالليرة، فهو سوف يبقى أقل من التكلفة بنسبة الفرق في سعر الصرف بين 8000 و20 ألف ليرة. هذا بافتراض استقرار سعر صرف الدولار على ما هو عليه اليوم، وبالتالي أرخص من أسعار المحروقات في الجوار. فكيف لو تراجعت الآمال بتشكيل الحكومة وعاد سعر صرف الدولار إلى قفزاته المقلقة؟

لا شك بأن قرار استمرار دعم المحروقات وإنما على سعر صرف دولار بـ8000 ليرة، يؤمنه مصرف لبنان بسعر السوق، على أن تتحمل الدولة الفرق، لو تم تنفيذه، بالرغم من الإشكالات الآنفة الذكر، سوف يخفف من حدة الأزمة مؤقتاً، دون أن يشكل حلاً طالما السلطات مشرذمة ومتخاصمة نتيجة الصراعات، والحكومة عاجزة عن وضع الآلية اللازمة لضبط ومراقبة توزيع المحروقات المدعومة وحصرها بالمواطنين وتأمينها لهم بالسعر الرسمي، والتي من دونها سوف يستمر التخزين والتهريب والسوق السوداء.

أما بالنسبة للإيضاح الصادر عن المديرية العامة للنفط وفيه "على الشركات النفطية ومحطات الوقود والموزعين بيع المخزون لديهم استناداً إلى جدول 11/8/2021 وذلك حتى نفاد المخزون لديهم" ففيه تبسيط للواقع وهو أقرب ألى الحلم، لا سيما وأن هذه المديرية عاجزة حتى عن وضع تصور للآلية والضوابط اللازمة لمعالجة التخزين والاحتكار. وقد آن الأوان لوزيري الطاقة والاقتصاد أن يبادرا إلى وضع آلية، بإشراف رئيس الحكومة والتنسيق مع القوى الأمنية ومن يلزم، لتحديد أولويات التوزيع وكمياته والجهات المستفيدة: مستشفيات، مطاحن، أفران، مؤسسات مياه، قوى عسكرية، أبنية حكومية، برادات تخزين ومصانع مواد طبية أو غذائية.... وتخصيص شركات توزيع وصهاريج لتوزيع المازوت على كل منها، على أن تتم تنقية جداول شركات التوزيع هذه، وتحديد حصة ونطاق عمل كل منها، وعلى أن توضع الضوابط المناسبة والكافية لضمان متابعة حركة الصهاريج والكميات المستلمة من خزانات المنشآت وصولاً إلى محطات ومراكز التوزيع المعتمدة بما يسمح للقوى الأمنية والشرطة البلدية بمتابعة حركتها والتحقق من الالتزام بمسارها ومن تطابق الكميات المسلمة والمستلمة.

وفي حال نفاذ القرارات دون عوائق تبقى العبرة في التنفيذ، والأرجح أن نشهد تكراراً لنتائج الحلول الترقيعية العديدة السابقة!

*المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم