الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

قوانين تسمح باللعب على المفردات... والأسهم التفضيلية آخرها... فحيلي: على المشرّع التأنّي وعلى الدولة حماية "المغفّلين"!

المصدر: "النهار"
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
سمح غياب الثقافة المصرفية عند المكلفين بصياغة القانون في اللعب على المفردات، وأمّن مساحة إضافية واستثنائية لممارسة الخبث والاستنسابية في تقديم الخدمات المصرفية. فعندما أقر مجلس النواب قانون تعليق المهل، الذي بموجبه منع المصارف من تسجيل فوائد جزائية للذين يتأخرون أو توقفوا عن تسديد "سنداتهم" على قروض كانوا قد حصلوا عليها قبل انطلاق الأزمة المالية في تشرين 2019، ومنعت المصارف من التنفيذ على أي رهن عقاري إن كان السبب التوقف عن دفع "السندات"، التزمت المصارف بقانون تعليق المهل لجهة التسهيلات التي تسدّد بموجب سندات، فيما تابعت بعض المصارف، بتسجيل الفوائد والعمولات على التسهيلات الأخرى كحسابات "الجاري مدين"، و"بطاقات الائتمان وأي تسهيلات أخرى لا تسدد بموجب سندات".

اليوم ثمة مشاريع قوانين عدة تناقش في اللجان في البرلمان اللبناني، والأخطاء في اختيار المفردات تتكرّر، إضافة إلى أن كل هذه القوانين التي تتوجه الى القطاع المصرفي كان مصرف لبنان قد عالجها، أو حاول معالجتها، من خلال تعاميم أساسية.

مثلاً في مشروع قانون "الكابيتال كونترول" الذي لم يقر حتى اليوم، بسبب طريقة اختيار المفردات في نص القانون، وتضاربها مع تعاميم كانت قد صدرت عن السلطة النقدية، يحاول النواب تنظيم العلاقة بين المصرف والعميل من خلال تنظيم السحوبات من الحسابات المكوّنة والمعنونة بالعملة الأجنبية. ولكن وفق خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد محمد فحيلي فإن هذه علاقة قام بتنظيمها مصرف لبنان من خلال عدد من التعاميم، وهي السلطة صاحبة الاختصاص. اهتمام المشرع يجب أن يصبّ في تنظيم العلاقة بين المصرف والمواطن اللبناني لتفعيل الشمول المالي والحدّ من سياسة الاستبعاد المالي (إقفال حسابات، وامتناع المصارف عن فتح حسابات جديدة، وتوقف العدد الأكبر من الخدمات المصرفية للأفراد) التي تمارس من تاريخ انطلاقة الأزمة، وابراء ذمة "المصرف" عن الارتكابات غير القانونية خلال سنوات الأزمة من دون التأكيد على ضرورة محاسبة "المصرفي" الذي أساء الأداء لجهة توظيف أموال المودعين. هذه الضبابية التي حصلت نتيجة اختيار بعض المفردات لها دور أساسي في إعاقة إقرار هذا القانون".

ثمة مشروع قانون آخر يحاول إنقاذ أو الوقوف إلى جانب حاملي الأسهم التفضيلية، من دون ذكر تعميم مصرف لبنان الأساسي الرقم 156 الذي هدف إلى تصحيح أخطاء المصارف في التسويق للأسهم التفضيلية. ولكن فحيلي أضاء على هذه الفقرة من اقتراح القانون: "خلافاً لأي نص آخر، يمكن للمكتتب بالأسهم التفضيلية لأي مصرف عامل في لبنان، التي لا تزيد قيمتها عن 300 ألف دولار، أن يلزم المصرف بتحويل قيمة هذه الأسهم المكتتب بها، مضافاً إليها جميع الفوائد المستحقة، وديعة لصالحه، خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ صدور هذا القانون".

ويلفت فحيلي الى ملاحظتين، الأولى تتعلق بـ"الفوائد المستحقة" وهو خطأ تقني في صياغة مشروع القانون لأن الأسهم التفضيلية لا تدفع فوائد، ولكنها تنتج إيرادات تشبه "الأرباح" أكثر مما تشبه "الفوائد" التي تُدفع على الودائع التقليدية. الثانية تتعلق بـ"تحويل قيمة هذه الأسهم المكتتب بها"، وهي جملة بمثابة إضافة على الضبابية التي تسود هذا الموضوع وتعوق تسويته لأنالمصارف اليوم، باعتراف الكل، متعثرة وفق كل معايير الإفصاح المالية. ومشروع القانون يهدف إلى إلزام المصارف بشراء الأسهم التفضيلية من حاملها على سعرها بالدولار - بأي دولار (فريش أو الدولار المقيم) و بأيّ سعر (سعر تاريخ الاكتتاب فيها، أو سعر اليوم). ويقول "جاء ذلك من دون التطرق إلى موضوع إن كان العميل على علم بأن أمواله ذهبت إلى الأسهم التفضيلية لا إلى ودائع تقليدية من البداية. عندها تكون المشكلة برأي فحيلي هي في أداء المصرفي لا في طبيعة الخدمة المصرفية، وعندها يجب أن تختلف المعالجة. عدد كبير من المودعين كانوا على يقين بأن أموالهم موجودة في حسابات مصرفية ليفاجأوا لاحقاً بغير ذلك. فقد بدأت المشكلة تظهر عند إصدار تعميم مصرف لبنان الأساسي رقم 151 الذي استهدف السحوبات الاستثنائية من الودائع التقليدية بالعملة الأجنبية، وبعدها تأججت المشاكل أكثر عند إصدار التعميم الاساسي رقم 158 ليُفاجأ "المودع" – البعض منهم – بأن أمواله ذهبت إلى أسهم تفضيلية وليست في حساب وديعة تقليدية ولهذا السبب لا يستوفي شروط التعميم لكي يفيد منه في سحب 400 دولار فريش وغيرها. الإفادة من هذه التعاميم هي حصرياً لأصحاب الودائع المصرفية التقليدية، وشكّل ذلك، لبعض المصارف، الذريعة المطلوبة لحرمان بعض أصحاب الحسابات بالعملة الأجنبية من الإفادة من أحكام هذه التعاميم. وهذا ليس ببعيد عن معاناة من لهم حسابات في المصارف الإسلامية العاملة في لبنان، لأنه لا توجد ودائع تقليدية في الصيرفة الإسلامية واستخدمت هذه الحجة ضد المودع ولم يتسنّ له الإفادة من أحكام التعميمين 151 و158". ويلفت الى أن "كل هذه الممارسات كانت بعد سنة على طلب المصرف، وبموجب طلب من المركزي، من كل عميل توقيع مستند "اعرف حقوقك وواجباتك"، ولكن، من الواضح اليوم، أن المركزي لم يطلب من المصرفيين توقيع هذا المستند لتحقيق العدالة في العمل المصرفي".

ليس خافياً أن القانون لا يحمي المغفلين، ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد مغفلون - والمغفل هنا برأي فحيلي هو الشخص الذي يفتقر إلى المعرفة بالشؤون المالية والمصرفية، ويسأل "أليس من واجب الدولة حمايتهم، وأقصد هنا مصرف لبنان ووزارة الاقتصاد. وهذا يجب أن يكون الهدف من هذا القانون ولكن حظوظ نجاحه في تأمين الحماية المطلوبة تتعلق بصياغته. نعم، تتعلق بالصياغة واختيار المفردات بشكل لا يترك أي مساحة للاجتهادات والتفسير من قبل من هم ملزمون بالامتثال لأحكامه".

في الخلاصة، مشاريع القوانين التي تُطرح والقوانين والقرارات التي يتم إقرارها في هذه الأيام تشبه الطبقة السياسية. قانون الموازنة العامة لعام 2022 فجّر بركاناً اقتصادياً ومالياً ونقدياً يعيش المواطن اللبناني تداعياته المدمّرة اليوم، وقد تستمر لأشهر عدة. قرار اعتماد الدولار الأميركي لتسعير سلع الاستهلاك، بغضّ النظر عن النقد الذي سيُستعمل لتسديد الفاتورة، أراح التاجر وأهلك المستهلك. التوجّه نحو تسهيل تحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد يعتمد على النقدي كوسيلة للدفع، ما أدى إلى تجميد العمل بمعظم وسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي، أعطى مساحة إضافية للمضاربين والمحتكرين ووضع العملة الوطنية تحت رحمة تجار المال وجعل من كل مواطن مضارباً.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم