"Sarah’s bag"... رغم الألم الشمس تشرق كل يوم (فيديو)

 
لم يكن من السهل التفكير في الاستثمار مجدداً في بلٍد منكوب، تحلّ عليه مصائب بالجملة. لكنّ الإصرار والعزيمة والتعلق فيه، على جميع علله، تحقّق المستحيل. ضمن سلسلة المواضيع التي نسلّط الضوء فيها على نماذج من الإصرار على الاستمرار والمقاومة بعد انفجار بيروت، مصمّمة الحقائب سارة بيضون، التي صنعت علامتها "Sarah’s bag"، ولم تستطع الاستسلام بعد 20 عاماً من العمل والإبداع. تروي سارة في هذا المقال كيف عاودت الوقوف مجدداً واستمرّت.
 
لم يراود سارة أدنى شك بأنّها ستعاود فتح مشغلها، على الرغم من أنّ لحظة دخولها المشغل ورؤيتها هذا الكم الكبير من الخراب، وأنّ كل ما أنجزته خلال 20 سنة اختفى، كان محبطاً ومؤلماً.
 
تصوير حسن عسل
 
 
لكن بعد التمعّن، لاحظت أنّ الدمار اقتصر على الماديات من زجاج وما شاكل، وشعرت أنّه أمر يمكن تخطيه رويداً رويداً. بدأت بإعادة ترميم المشغل في الطبقة أسفل صالة العرض، ليتمكن فريق العمل من الرجوع إلى العمل لمعاودة انطلاق الإنتاج، والخطوة الثانية كانت معاودة فتح صالة العرض التي سينتهي العمل على إعادة ترميمها الشهر المقبل. 
 
أتت سارة في صباح اليوم التالي من الانفجار لتتفقّد ماذا حلّ في مشغلها، ففي اليوم المشؤوم كانت مرتبكة جداً. وجدت الكم الهائل من العمل الذي ينتظرها لتُعيد المكان كما عهدته. بدأت بإزالة الركام وتنظيف المحل والمشغل، لكن شعوراً بالإحباط بدأ يساورها ويمنعها من استكمال العمل. لكنّها سرعان ما أحسّت أنّ الاستسلام ممنوع بخاصة "أنّنا لسنا شركة عادية، شركتنا لها طابع اجتماعي"، فهي تعمل مع مجموعة من السيدات الحرفيات والخياطات، ولن تستطيع إقفال الشركة وتركهنّ دون عمل، لذا "لم يكن أمامي خيارات عديدة، وكانت هؤلاء السيدات كمن يدفعنني لأستمرّ".      
 
تصوير حسن عسل
 
فكّرت بأنّه "لو مهما كان قرار معاودة واستمرار العمل صعباً، "علي أن أستمرّ إذ أشعر بأنّ ذلك هو نوع من المقاومة"، أن يستطيع صاحب العمل الاستمرار والحفاظ على جميع موظفيه. وربّما، بنظر سارة، من الأسهل أن يتوقّف صاحب العمل عن عمله في ظل الظروف التي نمرّ بها، "لكنّني صمّمت أن أكمل وأردت أن تكمل معي جميع الموظفات". لم تتضرّر سارة من الانفجار فقط، إنّما منذ سنة وهي تفقد سيدات يعملن معها، ففي شهر تشرين الأول من العام الماضي كانت تعمل مع 200 سيدة، وأصبح هذا العدد يتقلّص بعد الثورة وبسبب الأزمة الاقتصادية، وفي شهر آذار من السنة الحالية، مُنعت من الدخول إلى سجن بعبدا وسجن طرابلس حيث تعمل مع 80 سيدة هناك. 
 
في هذا الإطار، خسرت سارة شيئاً فشيئاً من اليد العاملة، فرأت أنّ الطريقة الوحيدة التي تساعدها للاستمرار هي العمل أكثر عبر موقعها الإلكتروني، ليشتري المغتربون والأجانب تصاميمها، وفي الوقت نفسه تصنعها في لبنان.
 
 
 
 
وقدّرت المصممة خسائر المشغل بنحو 20 ألف دولار، والخسائر في صالة العرض 15 ألف دولار تقريباً، أي ما مجموعه 35 ألف دولار، ما بين زجاج وديكورات وكلفة التوقّف عن العمل أيضاً، إذ عادةً شهر آب هو من أقوى أشهر العمل لديها، وتوقّف العمل خلاله لفترة طويلة جداً. والأضرار أيضاً كانت معنوية ولم تكن فقط مادية، بحسب ما تروي سارة، "فجميعنا في المشغل كان من الصعب علينا أن ننطلق مجدّداً وذلك استغرق وقتاً"، فحتى الآن يداوم الموظفون نصف دوام ويعملون بوتيرة خفيفة على أمل أن تتغيّر الأمور في الشتاء، وتحاول أن تنفتح على الأسواق الخارجية أكثر من العمل للسوق المحلية.
 
اتصل كثر من الزبائن بسارة للاطمئنان إليها بعد الانفجار وعرضوا عليها المساعدة، ومنهم من كانوا قد اشتروا من منتجاتها وزادوا الكمية كنوعٍ من المساعدة، فدعم الزبائن كان كبيراً لتستمرّ، فـ "في الأيام الأولى بعد الانفجار، رأيت الدنيا سوداء جداً وشعرت أنّه من الصعب جداً أن أقف على رجلي مجدداً، لكنّ الزبائن شعروا كم تضرّرنا"، وتلقّت كمًّا هائلاً من اتصالات التشجيع بالقول: "لا يمكنك الإقفال" فهي بحسب قولها "أمثّل الجيل الجديد من المبدعين في لبنان، فإذا نحن توقّفنا، كثيرون سيتوقّفون معنا". لكن أكثر ما أثّر بها هو السيدات اللواتي يعملن معها واتّصلن من قراهنّ لعرض المساعدة في الترتيب والتنظيف، فهنا رأت أنّ "مسؤوليتي في معاودة فتح المحل ليست فقط لأنّني علامة تجارية، إنّما لأنّني أعتبر أنّ كل ما نصنعه هو ما سيُكمل به لبنان". 
 
"نحن هنا وباقون هنا ولن نترك، ودائماً هناك أمل، إذ لا يمرّ يوم إلّا والشمس تشرق وينظر فيه الإنسان إلى شيء يبعث فيه الأمل، ودائماً أتحلّى بالأمل وأنا شخص إيجابي جداً، ومن الصعب جداً أن أتوقّف، أعتقد أنّ كل يوم سأتطلّع إلى يوم جديد وسأجد طريقة جديدة للاستمرار"، بهذه الكلمات تعبّر سارة عن رسالة الأمل التي تحلّت بها لمعاودة فتح محلّها ومشغلها.
 
تصوير حسن عسل
 
تصوير حسن عسل
 
تصوير حسن عسل
 
تصوير حسن عسل