المعتصمون في شارع ويغان يسألون "أين المودعين؟"... نجحوا في إفشال البرلمان رغم دخول الفرزلي

أمام مدخل ساحة النجمة، وعلى وقع هتافات عدد قليل من المودعين الذين تبخّرت أموالهم، أصرّ نائب رئيس المجلس النيابيّ إيلي الفرزلي على المرور بسيّارته "الفوميه" وسط التجمّع، كي يدخل إلى جلسة لجان نيابيّة ستدرس قانون كابيتال كونترول أتى متأخّراً ثلاث سنوات، وترجّل الفرزلي من سيّارته بعد حاجز الجيش بقصد تحدّي الشارع أكثر، لكنّ الجيش اللبنانيّ طلب منه دخول سيارته من جديد ومتابعة طريقه إلى البرلمان. وفي مشهد مأسويّ حقّاً، وقف رئيس تجمّع استعادة الدولة حسن خليل في شارع ويغان وهو يصرخ: "أين المليونا مودع؟"، بالفعل العدد كان قليلاً، كما هو حال معظم تحرّكات التجمّعات المدافعة عن حقوق المودعين. فماذا حصل لنا، نحن الشعب اللبنانيّ، ونحن على مشارف الانتخابات النيابيّة الفرصة؟ ولماذا تقلّص الحديث عن الحقوق وإعادة بناء الوطن؟

منذ نهاية العام 2019 والخراب الاقتصاديّ يزيد، ومساحات التفكير التي شارك فيها آلاف الطلاب والمتظاهرين تقلّصت، لأنّ الهمّ الأوّل للمواطن بات لقمة العيش، خاصّة بعد زيادة مؤشّر أسعار السلّة الغذائيّة والمشروبات غير الكحوليّة بنسبة 2970 في المئة بين شباط 2019 وشباط 2022. فلم تعد مسائل مثل الكابيتال كونترول والنقاش الدائر حوله، وخطّة العافي الاقتصادي مع أهميتها، تعني المواطن كما تعنيه لقمة عيشه وصفيحة البنزين والدواء.

وفي هذا الإطار، شرحت الباحثة والناشطة الاجتماعيّة أمل الزغبي أنّه "عند اندلاع ثورة 17 تشرين، كان الحدث هو السعي إلى زيادة رسم على مكالمات "الواتساب"، بالإضافة إلى تخطيط لرزمة من الرسوم والضرائب. لكن بعد مرور أشهر قيّم الشعب ما حصل، واستفاق على واقع أنّه تمّ استغلاله سياسيّاً، ومطالبه لم تتحقّق، فوصل إلى مرحلة من الإحباط".

وأوضحت أنّ "الدولار عاد وارتفع، والأسعار حلّقت، والناس باتت عاطلة عن العمل. جميع العائلات متأثّرة بالواقع المرير"، واعتبرت أنّنا "أمام نوع من التبنيج، ففي المرحلة السابقة كان التخدير من خلال تثبيت الدولار عند عتبة الـ1500 ليرة لبنانية. واليوم نحن في مرحلة الانتخابات، البنج هو المساعدات التي تُقدّم، ومحاولة تثبيت الدولار من خلال صيرفة".

وذكرت الزغبي أنّ "آخر مرحلة من التحرّكات كانت عنيفة جدّاً، لذلك من كانت لديه مطالب اقتصادية واجتماعية لم يعد بإمكانه المشاركة كي لا يشجّع العنف، مشدّدة على أنّ "الحرية الانتخابية الآن ليست سليمة، والشعب مسيّر من قبل رأس المال"، لذلك باتت المقارنة بين "الكابيتال كونترول" وأن تحصل الأسرة على مبلغ من المال يكفي لشهرين، أمر غير مجدٍ، لأنّ الشعب سيختار المبلغ كونه يفكّر على المدى القصير، وهذه هي مرحلة الإحباط التي وصلنا إليها.

لذلك يمكن فهم ما قاله خليل في شارع ويغان على أنّه دعوة إلى الوعي من البنج، فالمرحلة تتطلّب مشاركة مجتمعيّة في اتّخاذ القرار، كي لا تحمّل سلطة رأس المال المودعين الخسارة. وندّد خليل بالمودعين قائلاً: "هناك ما يزيد عن المليونَي مودع في كلّ لبنان، وفي كلّ تظاهرة لا نرى إلّا ما بين 50 إلى 100 مودع، وذلك بعد الدعوة والحشد، فكلّ مودع يتّكل على أنّ أحداً آخرَ سيحصّل أمواله هو مخطئ، من لا يحصّل حقّه بيده، عليه أن يعتبر أنّ حقه سقط. وكذلك الأمر في الانتخابات، الشعب اللبناني إذا أعاد انتخاب هذه الطبقة السياسية، عليه أن يعتبر أنّ ودائعه لم تتبخّر فحسب، إنّما تركة أولاده أيضاً، على الشعب أن يستفيق، مصير الناس في يده".

واستغرب بقاء الناس في منازلهم بعد كلّ ما حصل من نهب ودائع، وتدمير لمرفأ بيروت.

لماذا الاعتراض على قانون الكابيتال كونترول بصيغته الحالية؟
شرح المحامي كريم ضاهر لـ"النهار" أنّه "ليس ضدّ الكابيتال كونترول الذي أساساً كان يجب أن يُسنّ منذ سنتين ونصف السنة. لكن يجب ألّا يميّز بين المصارف والمودعين، وألّا تحصل استنسابيّة".

وشدّد على أنّه "لا يمكن إقرار قانون كابيتال كونترول وحجز ودائع الناس من دون خطّة تحدّد ما إذا كان النظام المصرفيّ اللبناني يحتاج إلى إعادة هيكلة، ويجب أن يحدّد قبل إقرار القانون مصير سعر صرف الدولار، وما إذا كنّا سنبقي على أسعار الصرف المتعددة، بالإضافة إلى تحديد كيفية تحديد الخسائر".

وختم: "كلّ هذه المسائل يجب أن تُحلّ قبل إقرار قانون الكابيتال كونترول، وإلّا سيكون هناك مجال واسع للتجاوزات".
 
واليوم، أكّدت جمعية "صرخة المودعين" وتحالف "متّحدون" أنّ "المودعين ومحاميهم استطاعوا معاً تعطيل جلسة الكابيتال كونترول".

وأشاروا في بيان إلى أنّ "المودعين نجحوا باتّحادهم وإصرارهم، رغم قلّة عدد المحتجّين نسبياً في هذا اليوم المفصليّ، في تعطيل نصاب جلسة الكابيتال كونترول، وسط بلبلة علّها تسبّبت في صحوة ضمير عدد من النوّاب. مرّة أخرى يثبت تحالف متّحدون وجمعية صرخة المودعين وشركاؤهم أنّ بمقدورهم وبقية المودعين واللبنانيين أصحاب الحقوق قلب الموازين عندما يتّحدون في مواجهة من يتربّص بهم وبلبنان سوءاً، عسى أن يكون ما جرى اليوم عبرة ودعوة لانطلاق ثورة حقيقية، ثورة المودعين".

ودعا التحالف والجمعية "الجميع من دون استثناء، إلى التواصل والتنسيق لمتابعة النضال معاً".