كيف انعكس ارتفاع التوترات بين أوكرانيا وروسيا على سعر العملات المشفّرة؟

تواجه العملات الرقمية الرائدة ضغوطَ بيع، وسط تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا. ولا تزال عملة بيتكوين في اتجاهها الانحداريّ إلى ما دون 41 ألف دولار، في اختبار متوسّط تحرّكها لمدّة 50 يوماً، إذ ألقى تجدّد المخاوف من احتمال غزو أوكرانيا من قبل روسيا بثقله على الأسواق العالمية، بما في ذلك العملات الرقميّة، بحسب ما نشرت وكالة "بلومبرغ".

وتراجعت عملة البيتكوين بأكثر من 7 في المئة إلى 40500 دولار يوم الخميس الفائت، مسجّلة أكبر انخفاض لها في يوم واحد، منذ 21 كانون الثاني، إذ أشارت تقارير إلى تبادل القوات الأوكرانية والقوات الموالية لموسكو إطلاق النار في شرق أوكرانيا، وإلى تخلّي المستثمرين عن الأصول الخطرة بحثاً عن ملاذات آمنة مثل الذهب، بحسب ما نشر موقع "coin desk".

ما سبب هذا الانخفاض؟

في حديث مع استشاري العملات الرقمية ومؤسِّس شركة BuyBitcoinLeb، نادر الديراني، يشرح لـ"النهار" بأنّ عوامل عديدة تقف خلف انخفاض قيمة العملات المشفّرة، وفي مقدّمها سببان رئيسيّان.
السبب الأول هو قرارات الفدرالي الأميركي برفع الفوائد على سندات الدولة، وتخفيض طباعة الدولار، ممّا دفع بالمستثمرين إلى الخروج من الأسواق، لا سيّما أسواق العملات المشفّرة، والتوجّه إلى أسواق أكثر أماناً؛ فهذا الأمر، يخفّض المداخيل التي تدخل إلى "وادي السيليكون".
وفيما قرارات الفدرالي بدأت منذ الشهر الفائت، إلّا أّنّ كندا وأوروبا لم توافق عليها منعاً لهبوط في الأسواق، ممّا حدا بالفدرالي الأميركي إلى تأجيل إعلانه قراره النهائيّ بهذا الشأن إلى آذار.
أمّا السبب الآخر والأساسي فهو التوتر بين روسيا وأوروبا، الذي ظهر في تحرّكات عديدة، وعبر تصريحات ومواقف دولية. لكن في مجال العملات المشفَّرة، "وفي حال اندلاع الحرب، لا أحد يعرف إن كان سعرها سيرتفع أم سينخفض، فقد يتّخذ مسار النّفط والذهب، أي ارتفاع أسعارها، لكون هذه الأصول تُعتبَر ملاذاً آمناً، وقد يُعتبر كمخزون تكنولوجيّ، وبالتالي تهبط قيمته".
 

وتراجعت أكبر عملة مشفَّرة في السوق (بيتكوين) بنسبة تصل إلى 7.4 في المئة، بينما انخفضت عملة إيثر، ثاني أكبر عملة رقميّة، بنسبة 8.2 في المئة.
وبحسب ما أوردت وكالة "بلومبرغ"، قالت المؤسِّسة والرئيسة التنفيذية لشركة BCMStrategy باربرا ماثيوز، إنّ "للوضع الجيوسياسيّ في أوروبا وأوكرانيا تأثيراً ماديّاً. لكن أعتقد أنّه لم يتمّ تقدير مدى استمرار السياسة النقديّة في توليد حالة عدم اليقين والتقلّب في الأسواق".

وأصدر مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء محاضر اجتماع اللجنة، الذي عُقد الشهر الفائت، والذي عزّز العزم على التصرّف بسرعة لتهدئة ارتفاع التضخم، من خلال تشديد السياسة النقدية. ويبدو أنّ الأسواق تتوقّع الموقف، حيث كانت استجابة مختلطة أو صامتة نسبياً.

في وقت سابق من هذا الشهر، وصل ارتباط بيتكوين لمدّة 30 يوماً مع ناسداك إلى 0.73، وهو ما يُقارب أعلى مستوى له في خمس سنوات عند 0.74 في العام 2020. ويُشير الرقم إلى أنّ فئتي الأصول تظهران تحرّكات مماثلة، إذ ينظر المستثمرون إلى الأصول الرقمية على أنّها "مخاطرة"، جنباً إلى جنب مع الأسهم التكنولوجية البارزة في بورصة ناسداك.

ورأى رئيس أبحاث الأصول الرقميّة في VanEck Associates، "ماثيو سيغل"، أنّ التحرّكات الكبيرة في الأسهم، أو "الارتفاعات غير المنتظمة" في عائدات الخام والسندات، قد تؤدي إلى انخفاضات مبالَغ فيها في العملات المشفّرة. ومع ذلك، أشار إلى أنّ تقلّبات البيتكوين تُظهر - على ما يبدو - اتّجاهاً انحدارياً طويل الأجل، إذ أظهر مؤشّر ناسداك 100 حركة انعطافية بأكثر من متوسّط الخمس سنوات مقارنة بالعملة المعدنيّة. وأضاف أنّ المشاركين في شبكة بيتكوين استمتعوا بأداء متفوِّق متّسق، مقابل الأسهم، مع التقلّبات التي على الرغم من ارتفاعها تظهر اتجاهًا متراجعًا نسبياً.

وعلى ما أورد موقع "coin desk"، يتوقّع المحلّلون المزيد من التدهور في عملة البيتكوين، إذا تصاعدت التوترات الجيوسياسيّة. وقال كبير محلّلي السوق فيOanda، إدوارد مويا، إنّ "البيتكوين هي الأصل المحفوف بالمخاطر، وسيؤدي غزو أوكرانيا إلى استمرار ضغط بيع العملات الرقميّة بنسبة 10-15 في المئة أخرى على المدى القصير".

ووفقًا لآخر التقارير التي أفادت بسحب روسيا قواتها العسكرية من قرب أوكرانيا، ارتفعت العقود الآجلة المرتبطة بمؤشر S&P 500 بنسبة 0.5 في المئة، بينما ارتفعت أسعار البيتكوين بنسبة 0.6 في المئة عند 40700 دولار.

الهروب إلى الذهب
وبينما ارتفع الذهب بأكثر من 1 في المئة يوم الخميس الفائت، مسجّلاً أعلى مستوى في ثمانية أشهر عند 1902 دولاراً للأونصة، تعرّض مؤشّر الأسهم S&P 500 إلى ضربة جنباً إلى جنب مع العملات المشفّرة، إذ انخفض بأكثر من 2 في المئة، وفق موقع "coin desk".

واعتبر مويا أنّ "وول ستريت اتّجهت إلى حال إزالة المخاطر بالكامل، وتدفع عملة البيتكوين الثمن".

وأضاف مويا أنّه "قبل شهر، لم يكن أحد يرغب في مسّ الذهب، والآن أصبح الذهب فجأة هو نجم هذا الشهر. والآن، يتدافع المستثمرون بحثاً عن ملاذات آمنة مع اشتداد المخاطر الجيوسياسيّة وتنامي المخاوف من إفراط البنوك المركزية في التشدّد في السياسة النقدية".