الإضراب لم يمرّ في شارع الحمرا... يأس الناس أقوى من انتفاضتهم (صور)
17-06-2021 | 18:13
المصدر: "النهار"
بالتزامن مع الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام، بدت الحركة طبيعية جداً في شارع الحمرا، لدرجة أنّ الوصول إليه كان أسرع من المعتاد، إذ لم يكن هناك زحمة على أبواب الشارع، حيث كانت المحلات التجارية جميعها فاتحة أبوابها للزبائن، في خطوة عكست يأس الناس وأصحاب المحال من أي مطالبة بحقوقهم وباتوا يجلسون لأرزاقهم، علّ هذا الجلوس يأتي ثماره. أمّا محلات الصيرفة، فتأثّرت بالإضرابات، وكانت الحركة فيها خفيفة جداً.
(المدينة الرياضية- حسام شبارو)
بدا الشارع كيومٍ عادي بروّاده ووجوه الناس المكتئِبة التي باتت اعتيادية أيضاً. لدى المرور بواجهات المحال والتحديق في داخلها، تجدها خالية من الزبائن، سوى من قلّة قليلة من اللبنانيين، والكثير من العراقيين الذين يملؤون شارع الحمرا. "لولا العراقيين، لكانت محال الحمرا أقفلت الآن، فهم لم يتركوا لبنان منذ بداية الأزمة حتى الآن، وهم مَن يصنعون بعض الحركة في السوق"، يقول موظف في محل لبيع الأحذية.
(خلدة- حسن عسل)
وفي الشارع المقابل، يشرح صاحب محل للاكسسوار كان يسبّح بسبحته من خلو الزبائن لديه، سبب عدم إضرابه، بأنّ جميع محال شارع الحمرا فتحت أبوابها اليوم و"نحن لدينا باب رزق والأوضاع صعبة جداً، ولا أمل في إيجاد مخرج ولا حل في هذا البلد، والأفق مسدود، هل أغلق محلي على شي فاضي؟".
في المحل المجاوِر، موظفة تقف عند الباب بانتظار زبونة تدخل إليه لشراء ثياب داخلية، وتبرّر عدم مشاركتها بالإضراب اليوم بأنّه بحكم دوام عملها، لم تستطع الانضمام، لكن السبب الأساس هو أنّ "لا شيء في هذا البلد سيصنع فرقاً، وتحركات اليوم ليست قوية بما فيه الكفاية وهي غير موجعة، ولو كانت كتحركات 17 تشرين في أيامها الأولى، لكنت شاركت بالتأكيد، إذ لن يكون هناك أصلاً مصالح شغالة، وسيكون البلد مغلقاً بالكامل، لكن حالياً فقدنا الأمل ونستنجد السماء إذ لا شيء سيتغيّر إلّا بقدرة إلهية تزيح كل المسؤولين الذين أوصلوا البلد إلى هنا"، وفق الموظفة. وتشير إلى أنّها ضد الأحزاب، فـ"وجودها هو الذي أوصل لبنان إلى هنا، وإذا ما استمرّ الناس بتبعيّتهم لها ويتحرّكون وفق أوامرها، لن يتغيّر شيء".
(كورنيش المرزعة- حسام شبارو)
وفيما يقف أحد المارة على قارعة الطريق ويدخن سيجارة، يضحك لدى تذكيره بمشاركة الأحزاب في اعتصامات الاتحاد العمالي العام، قائلاً: "هل يؤضربون على أنفسهم؟ هذه "فزلكة" ولن تجدي هذه التحركات أي نفع، ولطالما تدخّلت الأحزاب بإضرابات وتحركات لإفشالها، كما تدخّلوا في تحركات 17 تشرين وأفشلوها".
ولدى دخولنا محل بيع ملابس داخلية نسائية، رجل يقبع في زاوية المحل يحمل جوّاله ويحسب على آلته الحاسبة بوجهٍ يائس وكئيب. إنّه صاحب المحل، الذي ملّ انتظار زبون يدخل إليه. "لم أكن أعرف أنّ هناك إضراباً اليوم، ولو كان لدي علم لشاركت به طبعاً فنحن نموت مئة موتة ونحن أكثر مَن يتضرّر من هذه الأزمة، الأعمال غير شغالة"، يشتكي الرجل.
(المدينة الرياضية- حسام شبارو)
ويضيف أنّ ما يبيعه لا يسعه شراء بداله، والقدرة الشرائية لدى الناس تراجعت كثيراً، "ومع وصول الدولار إلى 15 ألف ليرة أصبح النزول إلى الشارع والتحرك ضرورياً وحاجة مُلِحّة، وأنا كنت من أوائل الناس الذين نزلوا وتظاهروا في 17 تشرين، وفي جميع التحركات التي تلتها، ونزلت مع كافة أفراد عائلتي، لكنّ المسؤولين لا يدعوننا نوصل صوتنا ولا مطالبنا". ويرفع صرخته بالقول: "أنا رجل موجوع وعائلتي موجوعة، إلى أين تأخذوننا؟ أصبحنا نقنّن غذاءنا وجميع احتياجاتنا، ولا يسعنا الاستمرار بهذه الطريقة".
جميع نفقاته ومشترياته بالدولار، لكن "ما عمطلّع مصروف ولا حتى أكل وشرب". وفي السؤال عن كيف يغطي نفقاته ومِمّ ينفق، يجيب أنّ ما كان قد احتفظ به، ينفقه الآن وهو على باب النفاد، و"حينها سأضطر إلى إقفال المحل، ولا يمكنني أن أستمر بعد أكثر من شهرين على هذه الحال، وعلى دولار 15 ألف ليرة بات من المستحيل أن نستمر ولا أن أغطّي نفقاتي".
(كورنيش المرزعة- حسام شبارو)
كان اعتماده على السياح وعلى اللبنانيين ذوي الدخل المتوسط والطبقة الوسطى، "لكن إذا هؤلاء غير متوفّرين كيف سنعمل؟" يسأل الرجل. ويؤكّد أنّه شخص غير حزبي و"أنا ضد مشاركة أي حزب في إضراب شعبي، لأنّ مشاركته تدلّ على مبتغى في باله، لذا لا أريد احزاباً، ولا أن يسيّرني أحد، أريد أن يقود البلد أصحاب كفاءة وكرامات وحدّ أدنى من الأخلاق ليعطوا كلّ مواطن حقّه".
واقفاً أمام محلّه، يتحدّث إلى أحد المارة، يقول مدير محل لبيع الأحذية، أنّه لم يشارك بالإضراب لأنّه رأى أنّ شارع الحمرا كلّه فتح اليوم، وحتى أشهر محل للأحذية في السوق والذي يُعتبر منارة الشارع فتح أيضاً، "أي أنّه غير مؤمن بالإضراب، وكنت سأقفل المحل لو لم أراه فاتحاً أبوابه، وكنت في طريقي إلى المنزل، إنّما عدت وفتحت المحل".
(كورنيش المرزعة- حسام شبارو)
وبرأيه، على الدولة أن تقف إلى جانب الشعب "فهو موجوع، وهذه الدولة هي مافيا كبيرة، فبدل النقل وسعر البنزين والأسعار كافة "بالعالي"، ماذا ننتظر؟". والأحزاب التي انضمّت اليوم إلى إضراب الشعب ليست دولة، فالدولة تحمي مواطنيها، "إنّما هذه المافيا أوصلتنا إلى الانهيار ولا زالت تتمسّك بالكراسي والحصص"، يقول المدير المسؤول عن المحل خلال سفر أصحابه.
بضاعته مصنوعة في لبنان، ورغم أنّ الدولار وصل إلى 15 ألف ليرة، إلّا أنّه لا زال يبيعها على سعر 1500 ليرة، "حالياً نصرّف ما لدينا، ونتكبّد خسائر، ونحن غير قادرين على تمويل المواد الأولية على سعر الصرف الحالي، ولا يمكن أن نجدّد بضاعتنا". وبحسب المسؤول، يبلغ سعر كعب الحذاء مثلاً وحده 10 دولارات، وقد توقّف حتى عن تصليحات الأحذية، فهي أيضاً باتت بالدولار، عدا عن بدل النقل إلى المدينة الصناعية الذي بات مرتفعاً أيضاً.
(المدينة الرياضية- حسام شبارو)
وعن إمكانية استمرار العمل، يشير المدير إلى أنّ أصحاب المحل في الخارج يدفعون إيجاره، وهذا هو العامل الذي أبقى المحل مستمرّاً حتى الآن، لكن من المستحيل الاستمرار بعد بسعر دولار يحلّق وناس لا يشترون. واسترسل، معبّراً عن ألمه، بتعداد أسعار السلع الغذائية كيف أصبحت نارية، وكيف تراجعت قدرته الشرائية إلى درجة أنّ سيارته بحاجة إلى تصليح منذ سنتين وهو غير قادر على ذلك.