الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أدوية كثيرة مفقودة في السوق... أين تذهب الكميات الهائلة المستورَدة؟

المصدر: "النهار"
فرح نصور
من داخل إحدى الصيدليات.
من داخل إحدى الصيدليات.
A+ A-
لا يخفى على أحد أنّ الأزمة الاقتصادية هي أمّ الأزمات في لبنان، وأنّها أثّرت على قطاعات على رأسها القطاع الصحّي والدوائي. ولا سيّما مع انتشار كورونا الذي لم يكن ينقص لبنان سواه. يتنقّل اللبنانيون بين الصيدليات ولا يسمعون سوى كلمات: "مقطوع، خالص، في البديل". وباتوا يعيشون هواجس عديدة تدفعهم إلى تخزين كل ما يدور من حولهم، هاجس الخوف من انقطاع الأدوية وغلاء أسعارها بعد رفع الدعم عنها، والإصابة بكورونا وعدم وجود حتى مُسكّن لآلام الرأس للتخفيف من أقلّ أعراضه. ما هو واقع أزمة الدواء؟ وكيف يمكن حلّها؟ وما هي الأسباب العديدة وراء انقطاع الأدوية؟
 
يشرح نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة، أنّ "تشخيص مشكلة انقطاع الأدوية غير واضح. لكن كما هو معروف، لا تزال هناك مشكلة في استيراد الدواء للأسباب التي كانت موجودة في الأشهر الخمسة الماضية، من صعوبة في التحويلات الخارجية وتأخّر في الاستيراد وغيرها. ومن جهة أخرى، نشهد طلباً هائلاً على الأدوية في لبنان. فمثلاً، لا يجد الناس دواء "أسبرين بروتكت" الذي يوصف لعلاج سيلان الدم لبعض مرضى كورونا، فالمستورِد ولغاية الأيام الثلاثة الأولى من استيراده، سلّم 60 ألف علبة منه، ولغاية اليوم أي بعد نحو 7 أو 8 أيام، سلّم المستورِد 170 ألف علبة. وهذا لغز يجب توضيحه، فالطلب على هذا الدواء في الحالات الطبيعية هو 120 ألفاً شهرياً. أمّا الآن، فالمستورِد سلّم 170 ألف علبة منه بأقلّ من نصف شهر أي ما يعادل 50% أكثر خلال أسبوعين".  
 
أين تذهب الكميات الكبيرة من الأدوية في هذا الوقت القياسي؟
 
يجيب النقيب بأنّ "الناس يشترون الأدوية بكميات كبيرة خوفاً من رفع الدعم ومن انقطاع الأدوية لعدم ثقتهم بالمستقبل. ولا يمكن لومهم، فهم يخزّنون الأدوية لا يشترونها فحسب"، مضيفاً أنّ "الأدوية المقطوعة لا يمكن استيرادها مجدّداً، لكنّني أجزم أنّ الأدوية الموجودة يتم تسليمها إلى الصيدليات وبكميات كبيرة، لكن من جهة أخرى الطلب هائل عليها".
 
ويؤكّد أنّ "المستورِدين ملتزمون بقرار وزير الصحّة الصادر في أواخر العام الماضي، والقاضي بوجوب تسليم المستورِدِ الصيدليَ حاجاته الشهرية، وأنّ على الصيدلي تسليم المريض علاج شهر واحد. والمستوردون والموزعون يسلّمون الصيدليات حاجات شهر واحد لضبط عمليات التخزين والتهريب، مع التدقيق في الكميات المبيعة والمطلوبة".
 
ويكمل جبارة أنّ "بعضهم يُرجِع سبب فقدان الأدوية إلى تخزين المستورِد لها، لكن لا مصلحة له بذلك لأنّ سعر الدواء لن يرتفع. فوفق خطة وزير الصحة، لن يتمّ المسّ بأسعار 65% من الفاتورة الدوائية، وقد يكون هناك أناس يشترون الأدوية بكميات كبيرة لبيعها في السوق السوداء".
 
ويشير إلى أنّ "هناك هلعاً لدى الناس لشراء الأدوية، شبيهاً بتهافتهم على شراء الموادّ الغذائية قبل الإقفال، وخصوصاً أدوية علاج كورونا كالباراسيتامول والأزيترومايسين، والأسبرين والفيتامينات وحتى دواء الإفيرمكتن الذي تستورده بعض الصيدليات بأذونات خاصة، ويتهافت عليها الناس بطريقة غير طبيعية ويخزّنونها لديهم تحسّباً لإصابة مستقبلية بالفيروس. والحال مشابهة لآلات الأوكسيجين التي نفدت من الأسواق بعد تهافت الناس لشرائها، وهذا كلّه ناتج عن انعدام الثقة، إذ يشعر الفرد بأنّه متروك لمصيره ويقوم بأمور مماثلة ليحمي نفسه، ونشهد من ثم مظاهر غير طبيعية في السوق، ويصعب في هذا الإطار معرفة الطلب الحقيقي للأدوية في البلد". 
 
وعن فاعلية الإجراء الذي اتخذته الصيدليات لتحديد كمية الأدوية للفرد الواحد للحدّ من نفاد الأدوية نظراً لشحّها، يقول جبارة: "هذا الإجراء حدّ من التسليم إلى المواطن، لكنّه زاد من حال القلق لديه ما دفعه إلى محاولة تأمين الدواء بشكلٍ مكثّف، ويبقى هذا الإجراء تكتيكياً".
 
ويكمن الحل الفعلي لأزمة الدواء، برأي جبارة، "بطمأنة المواطن إلى مستوى أعلى. وكنقابة، نقول يجب المُضيّ بخطة ترشيد الدعم التي عرضها وزير الصحة، وإراحة المواطن وتحديد قواعد استيراد وبيع الأدوية حتى نهاية 2021، وتحديد الأدوية التي سيرتفع سعرها من التي سيبقى سعرها على حاله، بالإضافة إلى طمأنة الناس والتخفيف من خوفهم، وتضافر الجهود لوضع رؤية مستقبلية. والوزير قام بواجباته، ويبقى على المعنيين القيام بواجباتهم، كما على الحكومة ومصرف لبنان والمعنيين التعهّد بتأمين الأدوية لهذا العام لطمأنة الناس". 
 
وفي هذه الأزمة، يلجأ كثيرون إلى شراء الأدوية البديلة عن العلامات المعروفة، أو ما تُعرف بالـ generic. وإذا ما أخذنا النسبة المالية للفاتورة الدوائية، "تمثّل هذه الأدوية  32% من الفاتورة الدوائية في لبنان وفقاً لوزارة الصحّة، وهي نسبة جيدة مقارنة ببلدان كثيرة أخرى كتركيا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة الأميركية من حيث الفاتورة الدوائية"، كما يقول جبارة. ويلفت إلى أنّ "وجود الأدوية البديلة لا يقلّل من هلع الناس لشراء الأدوية، فمَن لا يجد العلامة التجارية من الدواء المطلوب، يشتري فوراً الـ generic منه، وحتى البديل يُفقد من الأسواق، فالأزمة حالياً هي أزمة ثقة بالدرجة الأولى".

في هذه الأزمة، ألا يمكن لصناعة الدواء اللبناني أن تُعوّض نقص الدواء المستورَد؟
 
يوزِّعُ ثُلثَي الأدوية المصنوعة في لبنان موزعون تابعون لنقابة مستوردي الأدوية. ويفيد جبارة في هذا السياق بأنّ "الدواء المصنوع في لبنان يشكّل 20% من سوق الأدوية. وتنقسم هذه النسبة ما بين 13% للصناعات التي تتم بموجب رخصة من الشركات العالمية، و7% هي generic لبناني بحت". 
ويتابع: "حالياً، خلال هذه الأزمة، هناك فرصة للصناعة الوطنية للدواء وللـ  generic المستورَد ليرفعا من حجم أعمالهما. والموادّ الأولية لصناعة الأدوية مدعومة، وقد ارتفع إنتاج الأدوية المحلية لأنّ الطلب في لبنان ازداد وخصوصاً على أدوية الأمراض المزمِنة، إذ لدى فقدان أيّ منتج يهرع الجميع لتغطية مكانه، ويمكن أن يكون البديل هو الـ generic اللبناني وهو فرصة له، ويمكن أن يكون الـgeneric المستورَد، وهو أيضاً فرصة له". 
 
نقيب الصيادلة
 
بدوره، يوضح نقيب الصيادلة غسان الأمين أنّ "ما يحصل في قطاع الأدوية هو تماماً كما حصل مع الناس عندما تهافتوا لتخزين الموادّ الغذائية قبل الإقفال منذ يومين، بعد سماعهم عن احتمال إقفال السوبرماركت خلال هذه الفترة. لكن نحن نعاني من أزمة دوائية مشابهة منذ نحو ثلاثة أشهر، بعد أن أعلن حاكم مصرف لبنان في أيلول الماضي أنّه لن يدعم الدواء بحلول أواخر عام 2020، فهذا الإعلان أدّى إلى "هجمة" الناس على شراء الأدوية ووقعنا في أزمة حادّة".

وفي حديثه لـ"النهار"، يتابع الأمين أنّه "بعد ذلك بدأ يدور الحديث عن ترشيد الدعم، وبدأنا باجتماعات مع مجلس الوزراء ووزارة الصحّة ولجنة الصحّة الوزارية لترشيد الدعم. وتوافقت جميع هذه المؤسسات بالإضافة إلى نقابة الأطباء ونقابة الصيادلة ولجنة الصحّة النيابية، على لائحة يُرشَّد فيها الدعم. وإذا ما طُبّقت، تخفّف عن مصرف لبنان نفقات بنحو 250 مليون دولار. إلّا أنّ مصرف لبنان حتى الآن لم يُبيّن موقفه بعد من هذه اللائحة، علماً أنّه خلال هذه الاجتماعات، كان يحضر ممثل عن حاكم المركزي".

إضافة إلى ذلك، أدّى هلع الناس وعدم ثقتهم بالدولة والنظام، وفق الأمين، "إلى شراء هائل لأدوية كورونا مع ارتفاع أعداد الإصابات في لبنان، رغم عدم وجود أدوية علاجية لهذا الفيروس. ما أدّى إلى فقدان الأدوية من الصيدليات، وما دفع بالمستورِد إلى تقنين تسليم الأدوية إلى الصيدليات، فهجم الناس كالجراد عليها، وهذا ما سبّب أزمة من جديد".

والحلّ بحسب الأمين، "يكمن في طمأنة الناس الخائفين، لكن لا أحد ينفذ ذلك، وهناك غياب للمسؤولين في هذا الإطار. إذ تجب مصارحة اللبنانيين وتوضيح الأمور لهم عن مصير الدواء لحلّ هذه الأزمة، ولن يخزّنوا بذلك الدواء لديهم. وإذا ما وافق المسؤولون في الدولة على الخطّة التي وضعناها، فستُحَلّ 90% من هذه الأزمة، لكن لا يمكن أن يبقى الشعب تائهاً كذلك".

وأضاف: "يتّهمون الصيدليات بأنّها تخزّن الأدوية، لكن واقع حال أكثر من 70% منها تعيس وهي بالكاد قادرة على تغطية مصاريفها. والمؤسف الآن أنّ الميسورين من الناس يشترون الأدوية ويخزّنونها، ومَن هو غير قادر على ذلك لا يجد حتى الدواء. ومشكلة الأدوية الكبرى تكمن في أدوية الأمراض المزمنة التي خزّنها كثيرون لسنة، خوفاً من ارتفاع سعرها بعد رفع الدعم، وأصبحت مفقودة في الصيدليات".
 
الضمان الاجتماعي
 
وكان المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، محمد كركي، قد أعلن إجازة الصيدلي استبدال الدواء الموصوف بدواء جنيسي Generic دون موافقة الطبيب المعالج، وذلك ضمن شروط وضوابط محددة، استناداً إلى القانون رقم 207 الصادر بتاريخ 30/12/2020، على أثر الأزمتين الصحّية والاقتصادية المستجدتين في البلاد.
 
وطلب كركي من جميع المستخدمين قبول المعاملات الواردة فيها البدائل الجينيسية Generic وتصفيتها وصرفها للمضمون.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم