الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"إيوان مكتبي" للسجاد... دمار وخسائر هائلة ولكن!

المصدر: "النهار"
فرح نصور
مؤسسة "إيوان مكتبي" (تصوير مارك فياض).
مؤسسة "إيوان مكتبي" (تصوير مارك فياض).
A+ A-
التسلّح بالأمل قوة. هذا ما قام به أصحاب مؤسسة "إيوان مكتبي" العريقة للسجاد، بعد انفجار مرفأ بيروت. كان لا بدّ أن تعاود المؤسسة التي يفوق عمرها الثمانين عاماً، الوقوف مجدداً، رغم الأضرار المادية الجسيمة والمعنوية العميقة التي لحقت بمالكيها، ومنهم شيرين مكتبي. تروي السيدة مكتبي في هذا المقال كيف خرجت من صدمةٍ دفعتها إلى الرحيل، وتحلّت بالأمل وأصرّت على البقاء في لبنان، محافظةً على اسم والدها "إيوان مكتبي".
 
لم تكن شيرين يوم الانفجار في المحل، فقد اتفق تجار المنطقة، في الفترة تلك، على إغلاق محالّهم عند السادسة بسبب تراجع حركة العمل. غادرت المحل متجهةً نحو منزلها، ولدى وصولها علمت أنّ محلّها تضرّر بشكلٍ فظيع. رجعت إلى المحل فوراً، لكن كان يصعب الوصول إليه. ركنت سيارتها في شارع بيضون، واتّجهت نحو محلّها مشياً على الأقدام، "كان المشهد لا يُصدَّق، لم أكن أتوقّع أن يكون المحل قد تضرّر إلى هذا الحدّ"، تروي شيرين.
 
تصوير مارك فياض
 
كانت تسير وترى المؤسسات في طريقها مدمَّرة والزجاج يفترش الشوارع، وكان يسود صمت غريب، وتكمل بالقول: "عندما رأيت محلّي وما حلّ به كانت الصدمة... شعرت برغبةٍ قوية جداً بترك لبنان، وأحسست أنّ كلّ ما أسّسه والدي وأخي وعائلتي في هذا البلد لا معنى له، كنت فعلاً أريد أن أغلقه وأرحل".
استغرق الأمر نحو اسبوعين حتى استجمعت شيرين وأخاها نفسيهما وفكرا في تصليح الأضرار، إذ عاشا خلال هذين الأسبوعين في حالة صدمة قوية. وحتى إخوتها في الخارج أيضاً، عاشوا الصدمة نفسها، ولم يدروا جميعهم ماذا عليهم فعله: "كنّا تائهين".
 
"المحل كان برّا"، قصدت شيرين بهذه العبارة أنّ المحل كان مشرَّعاً، ، دون زجاج ولا أبواب، واضطرت إلى إغلاقه موقّتاً بالخشب، "ريثما اجتزنا الصدمة، وسرعان ما رأينا أنّنا أسّسنا واستثمرنا في هذا البلد ولا يمكننا الخروج منه". وبدأت أعمال التصليح تسير رويداً رويداً، و"بدأنا نتحلّى بالأمل مع مرور الوقت لكنّه استغرق وقتاً كي يصلنا ولم يأتِ بسرعة، إنّما الآن عندما أتنقّل في مناطق الأشرفية والجميزة يكبر أملي، ولا أفكر بالرحيل أبداً". 
 
وتفصح شيرين أنّ قرار معاودة فتح المحل كان صعباً جداً، "فنحن بشر ومررنا بتجارب عديدة سابقاً، وكان أملي بعد الانفجار ضعيفاً جداً بالاستمرار، لكن بعد مشاورات عميقة مع أخي، ارتأينا أنّنا هنا للبقاء هنا". وكان الدافع الأساسي في تصليح المحل واستكمال العمل، هو موظّفوها، وتشرح أنّه "لديّ مسؤولية موظفين وهذه أولوية عندي، وكذلك مسؤولية الاستمرار والحفاظ عليهم، خصوصاً أنّ جميعهم ليسوا موظّفين جُدداً، بل عملوا في هذه المؤسسة منذ أكثر من 25 عاماً، ولا يمكن تسميتهم بالموظفين إنّما بالعائلة. وأوّل ما فكّرت فيه هو أن تبقى بيوتهم مفتوحة أي أن يبقى لهم مصدر عيش".
 
شهد محل "إيوان مكتبي"، الكائن في الأشرفية - تباريس، والمؤلّف من أربع طبقات، دماراً كبيراً، وتكبّد خسائر جمة. تحطّمت جميع ديكوراته والأسقف والحيطان المصنوعة من الجبس. حتى المصعد الداخلي في الطبقة ما تحت السفلية، انتُزع من مكانه وهو حديد ضد الرصاص، وكذلك الأبواب المصفَّحة اقتُلعت من أطرها. وخسر المحل قطعاً أثرية قيّمة لا تُقدَّر بثمن، وهناك قطع لا تعوَّض أبداً، ولا تصلًّح أو تُستبدل، مثلاً كان لدى المحل ثرية مجرية أثرية قديمة، اختفت وأصبحت بودرة ولم يبقَ منها سوى هيكلها المعدني. 
 
تصوير مارك فياض
 
في هذا الإطار، لا يمكن الحديث عن أرقامٍ دقيقة للأضرار، لكن حتى الآن، تكلّف المحل نحو 80 ألف دولار على التصليحات ما بين حيطان وزجاج وما شاكل، "لكنّ الضرر المعنوي هو أكبر بكثير من المادي"، برأي شيرين. فالمحل ليس محل سجادٍ وحسب، بل هو بمثابة حالة من الفن، ولا يمكن إيجاد محل سجاد مماثل، وفق تعبير شيرين. وحتى عندما كانت تدعو مصمميهم الأجانب وزبائنهم ومورّديهم إليه، كانوا يبهَرون فيه، فهكذا صالة عرض في لبنان لا يمكن إيجاد مثيل لها في أكبر مدن العالم، لكنّها كانت في لبنان و"كنا وما زلنا فخورين أنّنا في لبنان، فلطالما توجّهت أعين المصممين وأصحاب الذوق الجميل إلى لبنان، وحتى الآن، ونحن تحت الأنقاض ونعاود الوقوف مجدّداً، أنا أكيدة أنّ أعين العالم كلّه علينا".
 
يمكن الاستمرار إذا تحلّى المرء بالأمل، لكن الاستمرار صعب، "إنّما نحن سنبقى موجودين هنا واسم إيوان مكتبي سيبقى في بيروت"، وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، ويبدو أنّها طويلة، أصبح التوجّه إلى الخارج وليس إلى السوق المحلية في لبنان. 
 
تصوير مارك فياض
 
تصوير مارك فياض
 
تصوير مارك فياض
 
تصوير مارك فياض
 
 
 
تصوير مارك فياض
 
تصوير مارك فياض
 
 
 
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم