إعمار المرفأ... خبراء ألمان لـ"النهار": الشفافية ومعالجة الحوكمة في الإدارة ضرورة

مع عزم شركات عديدة محلية وخارجية على الاستثمار في إعادة إعمار مرفأ بيروت، فإن العرض الألماني الأبرز على الساحة اللبنانية مؤخراً، هو الذي عُرضت تفاصيله في مؤتمر صحافي لمجلس الأعمال اللبناني الألماني (LGBC). وعرض الوفد الألماني خلال المؤتمر "المشروع الألماني المتعلّق بإنعاش أوروبي لمرفأ بيروت والمنطقة المجاورة". المشروع هو رؤية ومخطط لإعادة إعمار مرفأ بيروت ووسطها، وإنشاء مدينة سياحية محاذية لها تشكّل مصدراً لتغذية إيرادات الدولة.
مازالت جهة تمويل المشروع غير محدَّدة بعد، إنّما هناك شركات عديدة من القطاع الخاص تولي أهمية لتمويله. ماذا سيكون دور وموقع المرفأ إقليمياً ودولياً في حال نُفّذ هذا المشروع؟ وما هو الدافع للاستثمار بالسياحة في بلدٍ يعيش انهياراً اقتصادياً؟ وهل يمكن معالجة مشكلة حوكمة إدارة المرفأ؟
 
دخلت عروض فرنسية وصينية ومحلية أيضاً لإعادة إعمار المرفأ. وهذه العروض لم تُبدِ عملياً أي جدية، ولم تُترجم عملياً، بحسب رئيس المجلس اللبناني الألماني، إلياس أسود. ويقول في حديث لـ "النهار" : "أنا واثق كل الثقة وأعرف تماماً الألمان وأعمل معهم منذ 50 عاماً، وأنا على يقين من أنّهم بحال أتوا إلى لبنان واستلموا مشروع إعادة إعمار المرفأ، فسيكملوه حتى النهاية، كما أنّني على ثقة من أنّ الدولة الألمانية عندما ترى مجالاً لخدمة لبنان لن تقصّر، لكنّها، أي الدولة الألمانية، اتّخذت قرارها بعدم إنفاق أي مبلغ في غياب الشفافية لدى الدولة اللبنانية".  
 
لبنان بحاجة اليوم إلى أن يكون لديه مرفأ. وأصبح للآخرين في المحيط مرفأ وينافسونه. وبرأي أسود "نحن قادرون على منافستهم وتنفيذ أفضل مرفأ، وأن يكون أرخص من غيره، واستعادة أسواقنا القديمة والدخول إلى أسواق جديدة لكن علينا أن نعمل". 
 
 
 
لكن ما الذي سيدفع بالدولة اللبنانية إلى قبول العرض الألماني دون سواه؟ الشعب والدولة والسياسيون، ولدى رؤيتهم أنّ هذا المشروع لا مهرب منه، خصوصاً وأنّه لن يكلّف الدولة ولا اللبنانيين ليرة واحدة، سيقبلون بتنفيذه على الرحب والسعة. فمشروع الألمان لإعادة المرفأ لا يقتصر فقط على إعادة البناء، إنّما أيضاً على كيفية خلق فرص للصناعات لتصديرها، ولتعزيز الاقتصاد. فمرفأ بيروت هو أغلى مرفأ في العالم، ونحن بصدد تطوير مرفأ وتأمين سوق له بالاتجاهين، بحيث نستفيد من الحاويات لدى خروجها ودخولها إلى لبنان، وبذلك تنخفض الكلفة، وفق ما يشرح أسود، معتبراً أنّ "لذلك يجب خلق صناعات ولو خفيفة، والاستفادة من وجود سوريا والعراق اللتان تزخران بالمواد الزراعية التي يمكن تحويلها في لبنان وتصديرها، ونحن ندرس مع البنك الدولي تمويل هذه الصناعات الرديفة، فكل الحلول والاستراتيجيات موجودة لكن بحاجة إلى أشخاص يفكرون،  فضلاً عن أنّه يجب إعادة تفعيل المرفأ وتقوية الاقتصاد، والمرفأ وحده لا يكفي، لذلك يجب إرفاقه بمشروع سكك حديد للشحن".
 
لا شك في أنّ موقع لبنان الفريد من نوعه، هو الكفيل بأن يُنجح الرهان على مشروع الاستثمار بإعادة إعمار المرفأ، فبيروت تقع في مكان مميز جداً لناحية حركة الملاحة والتجارة. ومرفأ بيروت هو أقرب مرفأ للملاحة إذا ما أقمنا خطاً مباشراً مع حدود لبنان الشمالية، ويمكن بذلك الشحن إلى سوريا وبالتالي إلى العراق بسهولة.  
 
أمّا لناحية التمويل، لم تُعتمد بعد جهة مموِّلة للمشروع. فتمويله وإقامته يتوقّفان أولاً على موافقة الدولة اللبنانية، واعتمادها للمشروع وإقامة الإصلاحات اللازمة لكي تتمكن الاستثمارات الخارجية من دخول لبنان. وبعد إتمام هذه المرحلة، ستدخل شركات عديدة من القطاع الخاص بتمويل هذا المشروع. 
 
 
من جهته، وفي حديث مع "النهار"، يرى كبير مستشاري موانئ هامبورغ، لارس جرينر، وهو أحد الخبراء الذين شاركوا في المؤتمر وعرضوا تفاصيل المشروع، أنّهم لا يتطلّعون إلى محطة الحاويات أو إلى جزء من المرفأ، بل إلى كيفية تطوير المرفأ بشكلٍ كامل متكامل، بينما هناك مشاريع أخرى تتطلّع إلى أجزاء معينة من المرفأ. "لكن يجب القول أنّ محطة الحاويات هي الجوهرة الملكية في مرفأ بيروت، والجميع عينهم عليها، لكن نحن نسعى إلى تطوير وتقديم الأفضل في المرفأ ككّل ونقدم الظروف والسبل الأفضل لهذه المحطة ولكلّ المرفأ"، بحسب جرينر.
 
وعن دور مرفأ بيروت الإقليمي والدولي بحال نُفّذ هذا المشروع، يقول جرينر: "إنّ هناك ثلاثة أنواع من المرافئ، وكل مرفأ يحظى بالقليل من وظائف كلّ من هذه المرافئ، ومرفأ بيروت يجب أن يكون منفذ بوابة على مستوى عالمي، فهو البوابة الأساسية لمدينة بيروت وجبل لبنان، وكذلك هو مرفأ نقل، ولا أعتقد أنّه يسعى لأن يكون مرفأ لإعادة الشحن، لكن أعتقد أنّ على بيروت التركيز على أن تصبح مرفأ للنقل والشحن ونحن سنقدّم التسهيلات في سبيل تطبيق ذلك، بشكل أن تصل البضائع وتخرج بسرعة ونسعى لتسريع الوقت الذي تبقى فيه الحاويات من الوقت الذي تصل فيه إلى المرفأ إلى حين مغادرتها له، فهذا الوقت مكلف". 
 
ووفق الخبير، يمكن مرفأ بيروت أن يكون مرفأً عصرياً ومتطوّراً جداً عن جميع المرافئ المحيطة دون أدنى شك، وعلى كل مرفأ أن ينظر إلى سوقه وتخصصه، وتخصّص مرفأ بيروت واضح جداً، ولبنان هو بلد ذو مستقبل غير اعتيادي ولديه الكثير من القدرات ويحظى بشعب مثقف بدرجة عالية.
 
لكن هل من المجدي الحديث عن إنشاء مدينة سياحية في بلدٍ منهار اقتصادياً والذي ستطول تداعيات انهياره لأعوام؟
 
يجيب جرينر أنّ المشروع المعروض هو نظرة إلى المستقبل وليس للقريب العاجل، فنحن نتحدّث عن مشروع يستغرق إنشاؤه ما بين 15 إلى 20 عاماً، ولبنان غني بالآثار الخلابة، ويجب أن تكون جذباً للسياحة ولدى تعزيز هذه الفكرة "نحن نقدّم التسهيلات اللازمة في هذا السبيل، فالمرافئ الحديثة تعيد الناس إلى جذور الدول ومرفأ بيروت لديه تاريخ عريق بالنقل البري ونسعى إلى وصل الأشخاص مجدداً بالمدينة عبر المرفأ، فهذا التاريخ، واللبنانيون هم من الفينيقيين الذين كانوا أوائل في التجارة"، بحسب جرينر. 
 
أمّا مشكلة الحوكمة في مرفأ بيروت، فلا يمكن حلّها وفق جرينر "إلّا إذا حظينا بالشفافية. فالحل هو لدى اللبنانيين، وهو حل لبناني وليس بأيدينا، لذلك نحن بحاجة إلى بنية حكومة واضحة مع سلطة واضحة ومسؤولة عن المرفأ يمكننا أن نتفاعل معها لنبدأ بالتطوير لنعطي الأمان للمستثمرين سواء كانوا مستثمرين في المدينة أم في المرفأ، وتقديم الشفافية والوضوح لهم".