"فوبيا" انقطاع السلع تدفع اللبنانيين إلى تخزينها... ماذا نعرف عن الطحين والزيت والسكر الآن؟ ولماذا "المنقوشة" في خطر؟

الأمن الغذائيّ بات في خطر وفق المعنيين، مع توقّف روسيا وأوكرانيا عن التصدير. تلقّف الناس هذا التحذير بخوف، لعدم ثقتهم بالدولة وإجراءاتها، ما دفع بهم إلى حالة "فوبيا انقطاع السلع الغذائية الأساسيّة". فقد تهافت الناس إلى شراء الزيت النباتيّ والسكّر والطحين والحبوب بشكلٍ كثيف للتخزين، حتّى فرغت بعض رفوف الزيت تماماً، فيما اشتكى آخرون من غلاء مفاجئ بسعر الزيت، وتحديد عدد العبوات المسموح شراؤها منه.
 
في أحد الأفران. (تصوير نبيل اسماعيل)
 
"مبيع الزيت زاد 5 أضعاف منذ نحو أسبوعين"، هذا ما يؤكّده صاحب سلسلة سوبرماركت كبيرة في لبنان ومستورِد مواد غذائية. فخلال هذه الفترة، باع صاحب السوبرماركت 70 ألف ليتر زيت في غضون 7 أيام، و"هذا رقم مخيف، فالناس في فوبيا تجاه انقطاع الزيت".
 
البضاعة كانت متوفّرة لدى التجار لغاية يوم الإثنين، حتى أصبحت تقلّ بسبب بقاء شحنات الزيت في المرفأ في أوكرانيا، ومنها في المصانع الأوكرانية، ومنها بقيت بحراً، ومنها في مرفأ بيروت، إذ لا مستندات لتخليصها نظراً لأنّ أوكرانيا في حالة حرب.
 
أيضاً، جزء من المخزون الموجود في لبنان تمّ بيعه، والجزء الآخر موجود، وفق المستورِد، لكن لا يمكن عرض المخزون كلّه وبيعه، فمع موجات التهافت هذه، سينفد بسرعة البرق، وسط عدم القدرة على الاستيراد في ظلّ الأزمة العالمية. 
 
ويؤكّد المستورِد، أنّ هناك مورّدين يسلّمون الزيت وفق عدد معيّن للسوبرماركت. كذلك واحد من أهمّ مصانع الزيت المحلية، لم يسلّم الزيت منذ أسبوعين، بحثاً عن مصدر غير أوكرانيا، فإن لم يجد البديل عن أوكرانيا كمورِّد، يصبح إنتاجه مهدَّداً.
 
تصوير مارك فياض. 
 
ويلفت المستورِد، إلى أنّ استيراد الزيت ومنذ فترة ليست بقريبة، ليس كبيراً، كما غيره من السلع، بسبب غياب التسهيلات من المصارف.
وفيما يستورد لبنان الزيت من تركيا أيضاً، يؤكّد المستورد أنّه يراسل التجار في تركيا لكنّ أحداً لا يتجاوب حاليّاً، إذ لا يعرفون كيف يسعّرون، ولا يمكنهم الالتزام بالتصدير في هذه الظروف، لكنّ تركيا لم تعلن بعد رسمياً إغلاق باب التصدير. 
 
وعن استيراد الزيت من دول أخرى، برأي المستورِد، فإنّ الباب مفتوح لاستيراده من أميركا والأرجنتين، لكن في حال تسجيل طلب شحن، لن تصل الشحنة قبل 4 أشهر، فهناك أزمة شحن عالمية وضغط على البواخر عالميّاً. 
 
لذلك، وعلى أبواب رمضان، يرى المستورد أنّ في حال أقفلت تركيا باب التصدير، "سنشهد أزمة في أول رمضان، وإن لم تقفل أو فتحت المجال جزئيّاً، سنشهد أزمة في الزيت ابتداء من منتصف رمضان"، مضيفاً أنّ "الأزمة آتية آتية، بسبب انقطاع الاستيراد". 
 
 
تصوير حسام شبارو.
 
من جهته، رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، هاني البحصلي، وفي حديث لـ"النهار" يشدّد على الآتي على "أننا لسنا في كارثة"، وبالتالي الهلع من قِبل المواطنين على تخزين السلع "ليس مبرَّراً، لدينا المشكلة الأكبر في القمح والزيت، لكنّ أزمة السكّر ليست كارثية، ولا أزمة في الحبوب".
 
حاليّاً هناك أزمة غذاء عالميّاً. بالتالي مع الهجمة العالمية على التخزين، مَن هو قادر ماليّاً سيستورد ويحصل على الغذاء، لذلك لا يمكننا أن نتذرّع بعدم القدرة على تسديد نفقات الاستيراد. وفيما "الشركات الأوكرانية المصدِّرة توقفت عن التصدير، لكن هذا لا يعني أنّ السوق فارغة من البضاعة حالياً، إذ لدينا ما يكفي حتى نحو شهرين".
 
وعن أسعار السلع، يتحدّث البحصلي عن الخطوة الثانية من معادلة الأمن الغذائي، وهي الوصول إلى الغذاء. ما يعني أنّ في ظلّ الأزمة العالمية، لن ينتظر تاجر القمح  مصرف لبنان ليدفع له، فالأسواق العالمية كلّها تطلب القمح. إضافةً إلى أنّ أسعار السلع عالمياً ارتفعت بشكل هائل من جراء الحرب في أوكرانيا، لذلك  سترتفع الأسعار تلقائياً محليّاً. بالتالي، وفي إطار مبدأ العرض والطلب، إن لم نلتزم بسعر الأسواق العالمية لن نحصل على البضائع.
وعن الدول التي توقّفت عن التصدير إلى لبنان وانعكاس ذلك على وجود البضائع في السوق المحلية، يرى البحصلي أنّ ذلك تجلّى بالأسعار ارتفاعاً بسبب التأثير النفسي للأخبار المتداوَلة، ما دفع إلى ارتفاع بأسعار السكّر والزيت وبعض الحبوب. لكن فور توفّر البضائع، الأسعار ستنخفض، ونعرف حينها حجم السوق. 
 
أفران المناقيش مهدَّدة بالإقفال حتى إشعار آخر
 
كذلك عكست أزمة القمح على أفران المناقيش، بحيث لم تتسلّم الطحين من المطاحن. فقد تمّ الاتفاق بين تجمّع المطاحن ووزراء الاقتصاد والصناعة والزراعة، على أن يتمّ حصر تسليم المطاحن بالطحين المخصَّص لصناعة الخبز العربي وذلك من أجل الاستمرار في انتاج هذا النوع من الطحين لأكبر فترة ممكنة، ولحين وصول كميات إضافية من القمح.
 
وفيما توقّفت المطاحن عن تسليم الطحين، أغلق عدد كبير من أفران المناقيش والمخابز، لعدم توفّر المادة. 
 
وفي حديث مع أحد أفران المناقيش والمعجنات المعروفة في بيروت، أكّد المسؤول أنّه لم يتسلّم الطحين منذ نحو أسبوع، والكمية المتبقية لديه تكفي لنحو 3 أيام، سينتج فيها حتى نفاد الكمية. لذلك، "إذا لم نتسلّم الطحين في غضون هذه الأيام المقبلة، سنقفل أبوابنا حتماً".
 
وعن بديل للمطحنة التي يتعامل معها، يورد المسؤول أنّ البديل موجود، لكنّ أسعار الطحين لدى المطحنة الأخرى "فاحشة"، وفق تعبيره. فشوال الـ25 كيلو طحين "عادي" والذي لا يستخدمه عادةً، أصبح سعره 440 ألف ليرة. بينما نوعية الطحين التي يستخدمها سعر الـ50 كيلو بـ300 ألف ليرة، وهو الآن إمّا مقطوع إمّا سعره يفوق المليون ليرة،" وإذا ما اشتريناه، ستصبح منقوشة الزعتر بـ25 أو 30 ألف ليرة". كذلك، جميع السلع الأخرى ارتفع سعرها، بما فيها الزيت، بالتالي جميع الأفران سترفع أسعار منتجاتها لاسيّما المنقوشة. 
 
في هذا السياق، يؤكّد رئيس تجمّع المطاحن، أحمد حطيط، في حديث لـ"النهار" أنّ كان من المفترض أن يعطي المعنيّون مهلة لكلّ فرن لإبراز أوراقه للحصول على قسائم يحصل بموجبها على الطحين للمخبوزات، كما هي الحال مع الخبز العربي، لكان أصحاب الأفران حضّروا أنفسهم، وإلّا عدد كبير منها سيضطرّ إلى الإقفال.
 
وبينما تسعى وزارة الاقتصاد حاليّاً، إلى اعتماد آلية القسيمة لتسليم الطحين للمخبوزات غير الخبر العربي، عديد الوزارة ضئيل جداً مقابل عدد الأفران الكبير، إلى جانب عدد التجار الكبير الذين عليهم تأمين الكشوفات من جميع المطاحن وعلى الوزارة إصدار هذه القسائم. يسأل حطيط: "كم سيستغرق وقتاً هذا المسار؟" مجيباً أنّ "هذه الآلية ستستغرق أكثر من أسبوع". 
 
وبحسب حطيط، فإنّ فرع المعلومات أوعز أمس إلى جميع المطاحن عدم تسليم الطحين، بناءً تعليمات وزارة الاقتصاد، باستثناء قسيمة الطحين للخبز العربي. 
 
وقد أعلن وكيل المطاحن في الجنوب علي رمال أمس أنّ المطاحن أوقفت تسليم أفران المناقيش ومخابز المرقوق والباتسيري كمياتهم المقنَّنة أصلاً من الطحين، والتي أقفل البعض منها أبوابه والقسم الأكبر سيقفل خلال 48 ساعة، موضحاً أنّ التسليم اقتصر فقط على أفران الخبز العربي بموجب قسائم صادرة عن وزارة الاقتصاد، وخلق هذا الأمر بلبلة وهلعاً وإرباكاً في السوق الجنوبي.
 
وقد وصلت إلى مرفأ طرابلس صباح اليوم السفينة Golden bird  آتية من ميناء بردياتست في أوكرانيا، ومحمَّلة بـ 11000 طنّ من القمح، وبدأت بتفريغ حمولتها.
 
وطمأن #وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام  اليوم  أن "هناك كميات كافية من #القمح"، وقال: "نحن لا نشهد أي انقطاع في مادة القمح، فرجاء التنبه لهذا الأمر. لقد لاحظنا مدى الارتباك الذي شهدته الأسواق، فلا انقطاع للقمح، فهو موجود، ولدينا كميات تكفي لشهر ونصف شهر. واليوم، اطمأنيت أكثر إلى أن هناك كميات تكفي لشهر ونصف أو حتى شهرين. كما جرت اتصالات مع جهات خارجية، وكنت ذكرت دولاً تم التواصل معها كالولايات المتحدة والهند. واليوم، التقيت سفير الهند، كما التقيت أمس سفير تركيا، وأنا على تواصل مع السفيرة الأميركية. وتأكدت اليوم أن لدى دولة الهند كميات كبيرة من القمح الذي يناسب صناعة الخبز العربي، وأكد لي سفيرها أن الهند ستكون إلى جانب لبنان من خلال تزويده بحاجاته من القمح".
 
 
إقرأ أيضاً: قفزة أسعار المحروقات أثّرت على ساعات الكهرباء المنتجة... فياض لـ"النهار": يجب تذليل 3 عقبات