أيّهما سينتصر... العتمة الشاملة أم السلفة للكهرباء؟

حذّر وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، في وقت سابق من انقطاع الكهرباء بعد نهاية آذار، إن لم يُقرّ قانون يعطي مؤسسة كهرباء لبنان سلفة مالية، لأنّ الاعتمادات المرصودة لها شارفت على الانتهاء، ولا يمكن مؤسسة كهرباء لبنان الصرفُ على أساس القاعدة الاثني عشرية.

وتردّد في بعض وسائل الإعلام عن اتجاه بعض القوى السياسية إلى عدم القبول بإعطاء السلفة، والتشدّد بأنّ الموضوع يجب أن يحصل بإقرار مشروع الموازنة لعام 2021، الذي يجب أن تحيله على المجلس النيابي الحكومةُ الجديدة المنتظرة. ويرى بعض المراقبين أنّ ذلك يحصل من باب المناكفات السياسية وشدّ الحبال، لحثّ التيار العوني على القبول ببعض الشروط في التشكيلة الحكومية العتيدة، لأنّه يتحمل المسؤولية المعنوية إن حصل انقطاع شامل للكهرباء، فيما ترى أوساط أخرى أنّ عدم إعطاء السلفة إلّا بموازنة هو الأصل ويجب عدم تجاوزه.

لكن يبقى ذلك في إطار الكلام المتناقل، ولا موقف نهائياً لأيّ كتلة في هذا الاتجاه. وبعد أن تقدّم عدد من نواب تكتّل "لبنان القوي" باقتراح قانون معجّل مكرّر لإعطاء سلفة لمؤسسة كهرباء لبنان، يقتضي استيضاح ما إذا كانت هذه السلفة ستُعطى على أساس سعر الصرف الرسمي (1507,5 ليرات لبنانية لكلّ دولار) أو على أساس سعر السوق، أو كما تُعامَل المنشآت الخاصّة؛ قسم من الدولارات يقتضي أن تؤمّنها المؤسسة والباقي على المركزي.
تبقى هذه الأسئلة مشروعة، وخاصة بعدما استنزف احتياطي المركزي من العملة الخضراء، وبعدما بات يماطل بفتح الاعتمادات لبواخر الفيول، وللموادّ الغذائية المدعومة، كما قالت مصادر مراقبة.

وللاستيضاح عن هذه النقاط ومعرفة المسار الذي سلكه هذا الاقتراح، اتصلت "النهار" بعضو كتلة "تكتل لبنان القوي" النائب سيزار أبي خليل، الذي أكّد أنّ "القانون قُدّم على أساس أنّه معجّل مكرّر، وإذاً على المجلس النيابي بتّ هذه الصفة في أوّل جلسة تشريعية. وبعد تأكيدها، عليه أن يناقشه ويصوّت على إقراره".

لكن قبل البحث بتفاصيله، ومساره، شرح أبي خليل أنّ "تعرفة الكهرباء المثبتة من عام 1994 على ما يقارب الـ134 ليرة لبنانية للكيلواط/ ساعة، التي باتت تكلّف الدولة اللبنانية، حسب سعر النفط الحالي، من 15 سنتاً إلى 16 سنتاً، ومن ثم فإنّ المواطن اللبناني يدفع 10 في المئة فقط من تكلفة الكيلواط الذي يستهلكه، والباقي تدفعه خزينة الدولة وذلك منذ عام 1994 حتى اليوم. إلى أن قرر وزراء المال حديثاً، تسميتها سلفاً تُعطى لمؤسسة كهرباء لبنان، ويمكّنهم ذلك من شطبها من عجز الموازنات، مع علمهم المسبق أنّ مؤسسة كهرباء لبنان غير قادرة في حال عدم تعديل التعرفة على ردّ السلفة".

وتابع أبي خليل: "ولأنّ موازنة 2021 لم تُقرّ، لأنّ الحكومة استقالت قبل إرسالها إلى مجلس النواب، وإقرارها ضمن المهلة الدستورية، فإنّ هناك ضرورة لإعطاء سلفة خزينة لكهرباء لبنان باقتراح قانون".

وأكّد أبي خليل أنّ هذا الأمر حصل قبل ذلك عام 2019 عندما أُقر القانون 114/2019، الذي أجاز للحكومة إعطاء الأموال لمؤسسة كهرباء لبنان، لتشتري بها الفيول.

ولو أننا في وضع طبيعي والحكومة موجودة، لكانت أحالت هي مشروع الموازنة الذي يضمن السلفة، ولما كان هناك من ضرورة لإعطائها عبر قانون خاصّ. ولما كانت التعرفة محدّدة بالقانون ولا يمكن تعديلها. فالحلّ الوحيد لمؤسسة كهرباء لبنان هو بالحصول على هذه السلفة لتغطية الدعم، ومن ثم شراء الفيول، وإنتاج الكهرباء.

وبحسب أبي خليل، فإنّ "اقتراح القانون الذي قدّمه، حدّد أنّ السلفة يجب أن تعادل مليار دولار. لأنّه لو لم يحدّد السعر بالدولار أيضاً وحصره بالليرة فحسب، فإنّ الأموال المرصودة بالليرة إذا حسبناها على سعر السوق السوداء، لا تكفي سوى لشهرين أو ثلاثة أشهر".

إذاً، ملزمٌ مصرف لبنان، بناءً على اقتراح القانون المعجّل المكرّر، إن أُقرّ، بتأمين المبالغ بالدولار. ولدى سؤاله عن إمكان المركزي تأمين هذه الأوراق الخضراء، أجاب أبي خليل بأنّ "له هذه القدرة. لأنّه بموجب مشروع الموازنة الذي لم يُحَل على المجلس النيابي، فإنّ السلفة المطروحة واردة بمليار دولار، ومن المؤكّد أنّ وزارة المال نسّقت هذا الأمر مع المصرف المركزي. وباقتراح القانون هذا، اعتمدت على ما جاء في مشروع الموازنة".

وعن المناكفات وشدّ الحبال، التي سرّبت عبر بعض وسائل الإعلام تحت إطار المصادر والمعلومات، قال أبي خليل لـ"النهار" إنّ "جميع الكتل النيابية ستكون أمام مسؤوليتها بتأمين الكهرباء للمواطن اللبناني، لأنّها غير محصورة ببيوت العونيين فحسب. ونحن ضمن إطار تحمّلنا المسؤولية، تقدّمنا بهذا القانون، ولكن إذا كانت هناك بعض الكتل النيابية التي ستعارض هذا الأمر فعليها تحمّل مسؤولياتها".

وأما معلوماته عن موقف الكتل النيابية، أوضح أبي خليل أنّ "جميع زملائه يعلمون أهمية إقرار هذا القانون، واستحالة تغطية مؤسسة كهرباء لبنان عجز الكهرباء الآتي من قرار الدعم. أعلم أنّ البعض قد يستغلّ تصويته على هذا القانون في الابتزاز السياسي والتصويب على "التيار الوطني الحر" من نافذة وزارة الطاقة، واستخدام هذه الورقة للضغط على الرئيس للقبول بحكومة لا ميثاقية ولا دستورية. لكن إن قرر أحدهم التهديد بالعتمة لتحصيل مكاسب، فنحن لن نرضخ".

ودعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى عقد جلسة عامة في تمام الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر يوم الجمعة الواقع في 12 آذار 2021، في قصر الأونيسكو لدراسة وإقرار مشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول الأعمال. وبالتالي فإنّ اقتراح قانون السلفة سيدرس بهذه الجلسة.

أمّا على الصعيد التطبيقي، فسأل الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس، مارك أيوب، عن إمكانية تأمين مصرف لبنان هذه الاعتمادات، وخاصة أنّ أموال "primesouth" بالدولار لم تُدفع بعد. وعلى مصرف لبنان أن يحدد كمية الدولارات التي يمكنه تأمينها للكهرباء، لكي تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان على ضوء هذه الأرقام، من معرفة كمية الطاقة التي يمكنها إنتاجها، فالمجلس النيابي يمكنه أن يعطي سلفة بمليار دولار، لكن الأساس هو قدرة المركزي على فتح الاعتمادات بالعملة الصعبة".

وأضاف أنّ "الحلّ يبدأ بخطّة مالية واقتصادية تستتبعها خطّة للكهرباء، لأنّ أيّ زيادة للتعرفة على المواطن من دون أيّ تقدِمات مقابلة ستكون كارثية".

وأضاف: "يجب أن نتابع أسعار النفط العالمية التي افتتحت الأسبوع اليوم، بسعر تجاوز الـ70 دولاراً للبرميل، وبعد الضربة أمس في اليمن على محطة تكرير، والعاصفة التي ضربت تكساس التي من شأنها أن تؤدي إلى تراجع في إمدادات النفط. كذلك قرار السعودية السيادي في شهر شباط خفض الإنتاج بمليون برميل، بالإضافة إلى قرارات "أوبك". كلّ هذه العوامل بحسب أيوب، بالإضافة إلى تحسّن الاقتصاد العالمي ما يؤدي إلى زيادة الطلب، ستؤدي إلى زيادة إضافية بالأسعار وتالياً ستؤثر على لبنان".

أمام هذه الارتفاعات بالأسعار العالمية التي تؤدي إلى ارتفاع بأسعار المحروقات محلياً، يتخوّف أيوب من أن "تؤدي إلى مشاكل في لبنان، وخاصّة بعد رفع الدعم. فأمام هذه الأسعار العالمية الجديدة، سيكون سعر صحيفة البنزين أكثر من مئة ألف ليرة لبنانية".

يبقى الهاجس الأساس أمام هذه المعضلات، هو إلى أي حدّ سيصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء؟ وكيف سيتمكن المركزي من تأمين سيولة بالعملة الصعبة من دون الضغط على السوق المحلية، ليموّل كهرباء لبنان، حتى لا يقع لبنان في العتمة الشاملة؟ لأنّ سياسة المماطلة في فتح الاعتمادات لا تجدي نفعاً أمام هذه الحال.