هل يواكب إقرار قانون المنافسة آلية للتعويض على أصحاب الوكالات الحصرية بعد إلغائها؟

رولى راشد
 
ليس محسوماً حتى تاريخه، ما إذا كان مشروع قانون المنافسة سيتم إقراره من قبل مجلس النواب الحالي، رغم وصوله إلى اللجان المشتركة المفترض أن تناقشه اليوم بسبب تشعّب الآراء حول ايجابياته وسلبياته. "بعد 12 شهراً من النقاشات في لجنة الاقتصاد والتجارة وعمل متواصل لدمج 4 اقتراحات قوانين تعنى بالمنافسة وإلغاء الاحتكار، وضعت مسوّدة قانون للمنافسة بكل أبعاده المرتكزعلى الحد من الهيمنة وعمليات التركيز والإغراق"، وفق ما يؤكده النائب الدكتور فادي علامة.
 
لاشك أن قانون المنافسة يحقق العدالة في الدخول إلى الأسواق والخروج منها وتعزيز الكفاءة الاقتصادية من خلال تأكيد إنتاج الشركات بأقل التكاليف الممكنة، وتحفيزها على القيام بالبحوث والتطوير، وإدخال السلع وطرق الإنتاج الجديدة إلى السوق،‏ إضافة إلى منع التركيز الاقتصادي المفرط وحماية المستهلك من الممارسات الاحتكارية التي تؤدي إلى زيادة الأسعار وقلة العرض. ‏
 
ومن مزايا تطبيق قانون المنافسة ومنع الاحتكار الكثير الإيجابيات التي تنعكس على كل مجالات الاقتصاد الوطني ابرزها ضمان إنتاج السلع بأقل تكلفة ممكنة،‏ وإدخال منتجات جديدة وعمليات جديدة في الإنتاج، وكذلك رفع مؤشرات التنافسية على المستويين الداخلي والخارجي لرفع القدرة في الكفاءة والإنتاج، إضافة إلى خفض الأسعار، ‏والمساهمة في الحد من البطالة. ‏
 
ولكن ماهي المعايير المعتمدة في مشروع القانون قيد النقاش؟ وأين موضوع إلغاء الوكالات الحصرية؟
 
 
علامة
يقول النائب الدكتور علامة "للنهار": "إن هناك حوالي 68 مادة في القانون تتناول النشاط الاقتصادي، موضوع الاحتكار، الاتقاقيات ومضمونها، الاتفاقيات الأفقية والعمودية، التبعية الاقتصادية، التركيز الاقتصادي، الهيمنة، المحكمة المختصة والنظم القضائية للتعاطي مع المحتكرين، الوكالات الحصرية وإلغاءها.
 
والنقطة الوحيدة التي كانت عالقة تتعلق بإلغاء الوكالات الحصرية ومنع الإحتكار، إلا أنه توّصلنا إلى تقريب وجهات النظر حولها بعدما كان فريق مع إلغاء الوكالات وأنا منه، حيث تقدّمت بمشروع لتعديل المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 الصادر بتاريخ 5/8/1967 مقابل فريق آخر ضد الإلغاء ، إلا أنه في النهاية، توّصلنا إلى صيغة توافقية تقضي بإلغاء الوكالات الحصرية مقابل تأمين التعويض إلى مالك الوكالة الحصرية. وأظن أن محور النقاشات في اللجان سيكون حول كيفية التعويض والإجراءات المواكبة لإلغاء الوكالات الحصرية، وهذا سيأخذ بعض الوقت".
 
وفق القاضي روبرت هيرون بورك: "إن قوانين المنافسة يمكن أن تحدث تأثيرات ضارّة عندما تحمي المنافسين غيرالفعّالين وعندما تكون تكاليف التدخل القانوني أكبر من الفوائد التي تعود على المستهلكين، ما يؤدي في النهاية إلى تقليل المنافسة وإضعافها".
ولكن ما هو مفهوم المنافسة؟
 
 
أبي خليل
يقول الباحث في مؤسسة JUSTICIA الحقوقية الأستاذ فارس أبي خليل لـ"للنهار": "حتى تاريخه، لا يوجد في لبنان قانون خاص للمنافسة غير المشروعة، إنما لحظها القرار رقم /2385/ الصادر منذ 17/1/1924 (نظام حقوق الملكية التجارية والصناعية) في مادتين وحيدتين هما المادتان /97/ و /98/ منه في فصل وحيد تحت عنوان "المزاحمة غير القانونية".
 
نصت المادة /97/ من القرار المذكور على ما يأتي:
 
" تعتبر مزاحمة غير قانونية:
1. كل مخالفة لهذا القرار ينقصها أحد الشروط للتمكن من تطبيق العقوبات المنصوص عنها في الباب السادس أدناه.
 
2. كل عمل يعطى للمحاكم حرية النظر فيه ويظهر لها أنه من المزاحمة غير القانونية".
 
كما نصّت المادة /98/ من القرار عينه على ما يأتي:
"إن أعمال المزاحمة غير القانونية لا يمكن أن يقام عليها إلا دعوى بطلب التوّقف عن المزاحمة أو عن العمل المضرّ ودعوى بطلب العطل والضرر إلا في الظروف التي تكون تلك الأعمال بمثابة مخالفات تعاقب عليها القوانين الجزائية أو هذا القرار".
في ضوء عمومية الفقرة الثانية من المادة /97/المذكورة آنفاً، فقد حدّد الاجتهاد المعايير الثلاثة التالية لإثبات وجود عمل من أعمال المنافسة غير المشروعة:
 
أ- وجود حالة من المنافسة بين طرفين،
 
ب- ارتكاب عمل من أعمال المنافسة غير المشروعة من قبل أحد الطرفين (تبحث المحاكم عادةً في خطأ المدعى عليه لترتيب المسؤولية)،
 
ج- الضرر الذي لحق بالمتضرر جراء هذا الخطأ.
 
فاتّجه الإجتهاد إلى تعريف فعل المنافسة غير المشروعة بأنه:
"أخطاء مهنية تقع في معرض البحث عن أرباح غير مشروعة من خلال مخالفة المبادئ القانونية والأخلاقية السائدة في التجارة".
 
"بالإضافة إلى ذلك، هناك طرق جديدة نسبيًا لنظرية المنافسة غير المشروعة منها ما يُعرف بـ"التطفل" “PARASITISM” ، وفقاً للمادة /1382/ من القانون المدني الفرنسي، وهو استخدام أحد المنافسين لجهود وأفعال الخصم، بهدف التوفير على نفسه والحصول على الاستثمارات المطلوبة لإنجاز الجهود والأفعال المذكورة".
ويضيف: "تقوم السياسة الاقتصادية عادةً على ركيزتين أساسيتين، الإصلاحات الاقتصادية والاندماج في الاقتصاد العالمي، ما يجعل الإصلاحات الاقتصادية بحاجة إلى تشريعات واسعة النطاق وفق جدول أعمال وخطة مُحكمة.
 
إن قانون المنافسة الجاري العمل عليه من قبل اللجان النيابية، هو جزءٌ أساسي من أسلحة الإصلاح التشريعي كما والقوانين التي تتناول حماية المستهلك، ومكافحة الإغراق ANTI-DUMPING،والوكالات الحصرية والتجارة الإلكترونية وحقوق الملكية الفكرية وغيرها.
 
بالتالي، فإن لبنان بحاجة ماسة إلى هكذا قانون حديث ومتطوّر ينّظم المنافسة ويتناسب مع معايير المنافسة العالمية، بهدف تعزيز الاقتصاد اللبناني وحماية المنافسة والمستهلك معاً، في حين أكثر من100 دولة أقرّت مثل هكذا قانون".
 
ويتابع: "تنقسم أهداف هذا القانون إلى قسمين؛ مباشر ويتمّثل بتعزيز رفاهية المستهلك وإتاحة المجال لجميع الوكلاء الاقتصاديين، وأهداف غير مباشرة تتمثل بتشجيع المبادرات المحلية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الصادرات وجذب الاستثمارات الأجنبية.
 
من المفترض أن يشمل القانون نقاطاً رئيسية تتمثل بسريانه على كل من قطاعات الأعمال الخاص والعام (أي المشاريع المملوكة من الدولة)، وأن يغطي الأنشطة الربحية وغير الهادفة للربح. على القانون أن يكون ديناميكيًا قابلاً للتغيير وفقًا للأسواق والتطورات الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يؤدي إلى تعزيز المنافسة ضمن حدود قانونية والتركيز على الحواجز القانونية والسوقية. من المهم جداً أن يحدد الأفعال المحظورة التي تؤثر على المنافسة المشروعة في السوق، وأن يلحظ الآليات والإجراءات الفاعلة لضمان تطبيقها والتشديد في عملية الرقابة".
 
ويختم:" يجب الإشارة إلى أن قانون منافسة حديث يعزّز القدرة التنافسية في الأسواق ويسعى إلى الحفاظ عليها عن طريق تقييد الممارسات التجارية المناهضة للمنافسة غير المشروعة وعمليات الدمج والاستحواذ على الأعمال التجارية والتنظيم الاقتصادي، ومن الضروري ذكر التأثير الاجتماعي للتنافسية على اقتصاد البلاد، فعادةً ما تؤدي زيادة المنافسة في قطاع معيّن إلى رفع الكفاءة وانخفاض الأسعار، وفي العديد من الاقتصادات، تتحقق الزيادة في الكفاءة من خلال زيادة إنتاجية العمل، في حين يتوقّع المرء أن يؤدي انخفاض الأسعار إلى تحفيز الطلب وزيادة فرص العمل في القطاع".
 
في النهاية، سيضع قانون المنافسة النواب أمام مسؤولياتهم التي تقاعسوا عنها في مراحل عدة، وربما إن قُدّر للقانون أن يبصرالنور فهو حتماً سيحمي الوكالات الحصرية ويحفظ حقوق أصحابها إلى حد ما وفق مقولة "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم".