السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

توزيع الخسائر... هل يمر ببيع أملاك الدولة وبخصخصة أصولها؟

المصدر: النهار
فرح نصور
محال فارغة في أسواق بيروت (تعبيرية- نبيل اسماعيل).
محال فارغة في أسواق بيروت (تعبيرية- نبيل اسماعيل).
A+ A-
تحديد الخسائر وتوزيعها شرط أساسيّ للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وفي الوقت الذي اختلفت فيه الجهات المعنيّة بتحمّل الخسائر، ولا تزال تختلف، وسط تقاذف لمسؤولياتها، بدأ الحديث عن خصخصة بعض من مرافق القطاع العام، والمطالبة ببيع أصول الدولة وأملاكها لسدّ فجوة الخسائر، وكأنّ الدولة هي المسؤول الوحيد عن الأزمة الراهنة.
 
في هذا الإطار، تتباين وجهات النظر  في ما يتعلق بالجهات المسؤولية عن هذا الانهيار، وحجم الخسائر التي عليها تحمّلها، بين وجهة النظر التي تحمّل الدولة مسؤولية الانهيار كاملاً، ووجهة النظر الأخرى التي تسير إلى ضلوع مصرف لبنان والمصارف بجزء كبير من هذا الانهيار. لكن وزير الاقتصاد أمين سلام، يؤكّد أنّ "دور الحكومة هو توزيع الخسائر بشكل متوازٍ بين الجميع، لا يضرُّ بأحد، ويكون أقل المتضررين فيه صغار المودعين".
 
وبينما لا يزال البحث عن كيفية توزيع الخسائر (خسائر النظام المالي الناجمة عن الانهيار المالي) بين الدولة ومصرف لبنان وجمعيّة المصارف، يطرح السؤال نفسه، إن كان تنفيذ الخصخصة وتحميل الدولة وحدها الخسائر هما الحلّ للخروج من الأزمة؟

خلافٌ كبير يدور حول تحديد حجم الخسائر وأرقامها، خصوصاً أنّها تغيّرت منذ توقّف مفاوضات لبنان مع صندوق النقد حتى اليوم؛ فكلّ جهة تحاول التنصّل من المسؤولية لعدم تحمّل أي خسائر. لكن الدخول في المفاوضات هذه يشترط بشكلٍ أساسيّ تحديد حجم الخسائر وتوزيعها بشكل عادل على جميع الجهات المسؤولة عن الانهيار الحاصل.
 

تصوير نبيل اسماعيل

فبعد أن أعلنت جمعيّة المصارف والهيئات الاقتصادية ضرورة تحمّل الدولة مسؤوليّتها من خلال بيع أصولها وأملاكها لسدّ خسائر المصارف ومصرف لبنان، يرى الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للبنك الدولي، البروفسور روك-أنطوان مهنا، في حديث لـ "النهار"، أنّ "هذا المطلب ليس سليماً ولا علمياً، إذ كان هناك اتفاق ضمنيّ بين الدولة ومصرف لبنان وجمعية المصارف تسبّب بهذه الخسارة الكبرى، وكانت الخسائر منذ بداية الأزمة تقع على المواطن فقط، خصوصاً على صغار المودعين، بينما هم الأقلّ تسبّباً بهذه الأزمة، من خلال التعاميم الصادرة عن المركزيّ والهيركات المقنَّع. وتوزيع الخسائر بشكل عادل هو مسار تجارب عالميّة ومن منطلق علميّ، وأنا ضدّ بيع الدولة لأملاكها لاعتبارات عديدة؛ وأصلاً بيع هذه الأملاك حالياً سيكون بسعر زهيد جداً".
 
توزيع الخسائر لا  يمر ببيع أصول الدولة
  
لكن بدلاً من التفكير في بيع أصول الدولة، يجب - وفق مهنا - "إنشاء صندوق سياديّ للاستثمار بأصول الدولة من خلال إصدار سندات قابلة للتداول، بمراقبة شركة تدقيق عالمية، لنخلق بذلك حركة اقتصادية، وتتمّ إعادة هيكلة المصارف ومصرف لبنان من خلال عائدات هذه الاستثمارات. وفي المفاوضات مع صندوق النقد، لا يجب أبداً الحديث عن بيع أملاك الدولة، إنّما عن الخصخصة عبر شراكة مع القطاع الخاص".

وفي معرض حديثه، يسلسل مهنا حجم المسؤوليات في هذا الإطار، ويشرح أنّ المسبّب الأكبر للخسارة والانهيار الاقتصادي هو الدولة بالدرجة الأولى، فهي كانت الدائن الأكبر والوحيد. وفي الدرجة الثانية يأتي مصرف لبنان، لأنّه سمح بأن تستدين الدولة من سندات الخزينة. وفي الدرجة الثالثة تأتي المصارف التي هي بمعظمها على شراكة مع المنظومة السياسية، إلى جانب أنّها ديّنت زبوناً واحداً هو الدولة، من دون الحصول على ضمانات في المقابل؛ وذلك لتسجيل أرباح سهلة فقط.

ولا يغفل مهنا عن الهيئات الاقتصادية التي ساهمت في السنوات الماضية بما يُسمى بـ"الاقتصاد الاحتكاري"، و"أسّست لوبي مع السياسيين لمنع إقرار قانون المنافسة ومنع الاحتكار، فالمنظومة الاقتصادية شريكة مع المنظومة السياسيّة والنقديّة والمصرفيّة وتجمعها مصالح مشتركة".
 

تصوير نبيل اسماعيل

في سياق متّصل، يرفض الكاتب والباحث الاقتصادي، زياد ناصر الدين، المطالبة ببيع الدولة أملاكها، "فهذه الأملاك هي ملك الشعب والدولة، وجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية ليست مخوَّلة بالحديث في هذا الموضوع".

وما تطرحه جمعيّة المصارف والهيئات الاقتصادية من بيع لأملاك الدولة - بنظر ناصر الدين - هو "تنصّل من المسؤوليّة، والتفاف على الدولة، لإعفاء نفسها من الخسائر، وحجز حصصها في الخصخصة الجديدة، والادّعاء بأنّها هي المنقذ للواقع الاقتصادي الذي كانت هي جزء من مسبّباته".

ويرى الباحث في هذا الإطار أنّ الدولة اللبنانية غنيّة جداً بالأراضي والمرافق العامة، و"الأطماع فيها كبيرة، وبدلاً من تحويلها إلى نقاط قوة، هناك مَن يريد أن يبيعها ويتقاضى ثمنها، إلّا أنّ هذا الموضوع ليس بيد أحد ليقرّر فيه لأنّها حقوق الناس، ولا يمكن بيعها لتغطية خسائر المصارف؛ فمَن حقّق 22 مليار دولار من الأرباح على حساب الاقتصاد اللبناني وأخرج أمواله من لبنان، لا يحقّ له المطالبة ببيع أصول الدولة، وهذا النمط باستغلال الدولة يجب أن يتوقّف".
 
المطالبة ببيع أملاك الدولة هو تنصّل من المسؤولية؟
 
يرى ناصر الدين في المطالبة ببيع أصول الدولة وأملاكها "التفافاً حول الدولة، ووضع اليد على أملاك الدولة، وهذا أمر مرفوض، وهذه الخصخصة مختلفة، لأنّها تقضي بسيطرة رجال الأعمال على مرافق الدولة؛ فمَن أفسد القطاع العام في لبنان هو القطاع الخاص الراشي والمستغِلّ للقطاع العام".

وعن الحاجة إلى تطبيق الخصخصة، يقول ناصر الدين إنّ "الخصخصة حالياً هي جزء من الإصلاحات التي يحتاجها لبنان، لأنّ واقع الفساد والتحاصص السياسيّ لم يسمح لنا بإدارة مرافقنا بالطريقة المناسبة، وأصبحت الخصخصة لا بدّ منها في ظلّ عدم توافر القدرة المالية لدى الدولة وضعف إدارة مرافقها".

لكن للخصخصة أساليب عديدة، بحسب ما يوضح ناصر الدين، منها الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أو إدارة شركة أجنبية لمرفقٍ عام والحصول بالمقابل على نسبة معيّنة بحسب الاتفاق الموقَّع، وغيرها. وفي هذا الإطار، لا تعني الخصخصة تخلّي لبنان عن أملاكه.
 

لكن برأي ناصر الدين الشخصي، وهو من مؤيّدي اتفاقيات أسرع وأجدى مع دول الشرق، وقابلة لأن تشارك وتطوّر المرافق اللبنانية لـ 10 سنوات، وإعادتها إلى الدولة بعد مضيّ هذه الفترة.
 

أمّا بالنسبة إلى المفاوضات مع صندوق النقد، فالدولة لا يمكنها المضي بهذا التفاوض من دون تطبيق الخصخصة، "لكن الهيئات الاقتصادية تنوي بيع البلد أو تنفيذ الخصخصة لتستلم هي أملاك الدولة العامة وتديرها، بحسب ناصر الدين، الذي يسأل: "هل التجربة اليوم مع الهيئات الاقتصادية - التي فشلت في جميع التفاصيل الاقتصادية والمالية والنقدية وأسّست نموذجاً اقتصادياً سيّئاً - وما جرى من حجز أموال المودعين وإساءة استخدامها وإقراض الدولة المفلِسة فقط لجني الأرباح، هل هي جهة أهل لأن تعطي رأيها في موضوع الخصخصة؟".

الخصخصة السليمة هي إقامة اتفاقيّات مع الدول، والكلام عن الخصخصة يعني - وفق ناصر الدين - "أنّنا أمام واقع اقتصادي جديد في لبنان، خصوصاً في بلد يمتلك الغاز، ومع إعادة إعمار سوريا، ولدينا قدرة على الانفتاح على الشرق بموازاة رأي التفاوض مع صندوق النقد".
 

تصوير نبيل اسماعيل

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم