رغم توضيح الشامي... هذا السؤال "فايرال": "متى يُعلن لبنان إفلاسه"؟

رغم توضيح نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي حديثه عن إفلاس الدولة ومصرف لبنان موضحاً أنّ القصد هو عدم إمكانية تحميلهما الكثير من الخسائر في سبيل ردم الهوة المالية، إلّا أنّ ارتدادات كلامه بقيت حاضرة في المشهد السياسي المالي، وطرحت علامات استفهام حول وظيفته في هذا التوقيت لا سيما أنه يتزامن مع المفاوضات مع صندوق النقد وفي لحظة الحقيقة المتمثلة في توزيع الخسائر وردم الهوة المالية. لا بل أن سؤالاً انتشر بشكل كبير على مواقع التواصل، ومفاده: "متى يعلن لبنان إفلاسه"؟.

على أي حال، الدُول لا تُفلس، لأنّها ليست شركات تجارية، كي يحجز عليها القضاء ويصفّيها في حال الإفلاس. فالدول قد تمتنع أو تعجز عن سداد ديونها السياديّة الخارجيّة، ممّا يجعلها في عداد الدول المتوقّفة عن سداد دينها، وهو الوضع الذي يعتبره البعض "إفلاس الدولة".
 
وإذا أردنا القياس وفق هذا المبدأ، فإنّ لبنان توقّف عن سداد ديونه السياديّة منذ آذار 2020، ولا يوجد منذ ذلك التاريخ خطّة إصلاحيّة لإنقاذ البلد، الذي انخفض تصنيفه، وفقدت المؤسّسات المالية العالميّة ثقتها به.

وضمن هذا الإطار، شرحت الدكتورة المحامية سابين الكيك  أنّه "لا يوجد أيّ نصّ قانوني يرعى "إفلاس" الدولة. فلا يمكننا أن نتكلّم عن مفاعيل قانونية للإفلاس، إلّا إذا كان هناك نصّ قانوني ينظّم ذلك، لأنّ التبعات القانونية لا تأتي إلا بموجب نصّ، والسند القانوني غير متوافر".

وتالياً، لا يوجد في القانون اللبناني، ولا في الاتفاقيات الدولية حالة قانونية اسمها "إفلاس دولة"، فمبدأ إعلان إفلاس الدولة غير موجود إلا على المستوى السياسيّ واللغويّ.

إذن، فالحديث على أنّ دولة معيّنة أفلست هو في الواقع حديث على تعثّر الدولة وامتناعها عن تسديد ديونها الخارجيّة، أي الديون السياديّة، تماماً كما حصل مع لبنان، عندما أعلنت حكومة حسان دياب التوقف عن سداد اليوروبوند بشكل غير منظّم في آذار الـ2020؛ وهي الحالة التي تُسمّى تعثّر الدولة عن تسديد ديونها السياديّة.

وتوضح الكيك أنّه "في حالة التعثّر أو الانقطاع عن تسديد الديون السيادية، لا يوجد قانون دوليّ يرعى ذلك، وجلّ ما في الأمر وجود اتفاقيات بينيّة أبرمتها الدولة مع حاملي السندات، وتقع تحت سلطة القانون الخاص لا القانون الدولي. وعلى سبيل المثال، في حالة لبنان، النزاعات المتعلّقة باليوروبوند ترعاها المحاكم الخاصة في "نيويورك"، والدولة اللبنانية لا تمثل كدولة إنما كطرف نزاع مع طرف آخر ليس لديه سيادة وليس دولة؛ فهي علاقة تعاقدية يحكمها العقد والتفسير الذي تعطيه المحاكم الأميركية لهذا العقد".

أمّا بالنسبة إلى فرضية إعلان إفلاس مصرف لبنان، فثمّة إشكاليّة قانونيّة بهذا الشأن، لأنّ مصرف لبنان لديه ازدواجيّة في الصفة القانونيّة. فهو شخص من أشخاص القانون العام، لأنّه هيئة ناظمة للقطاع الماليّ والمصرفيّ، ولكنّه أيضاً تاجر في العديد من العمليات التي يقوم بها. ويكتسب أيضاً الصفة التجارية بموجب قانون النقد والتسليف، بالرفم من أعفائه من التسجيل في السّجل التجاريّ.

وشرحت الكيك بأنّ "البعض يقول إنّه شخص من أشخاص القانون العام، وبالتالي لا يمكنه إعلان إفلاسه. وسبق أن صدر اجتهاد قضائيّ بخصوص شركة تلفزيون لبنان بعد امتناعها عن تسديد ديونها، فاعتبر القضاء اللبناني عندها أنّ الإفلاس لا يُمكن تطبيقه على "شركة تلفزيون لبنان"، لأنّها تُدير مرفقاً عاماً، وبالتالي إعلان الإفلاس يتعارض مع مبدأ استمرارية المرفق العام".

وأشارت إلى أنّ "الجهة المعارضة لهذا الرأي تقول إنّ قانون النقد والتسليف أعطى الصفة التجارية لمصرف لبنان، واستثنى منها التسجيل في السجل التجاري فقط. وبالتالي، بما أنّ لديه الصفة التجارية فيمكن إعلان إفلاسه".

وعلى الصعيد الاقتصادي، أوضحت الخبيرة في الشأن النقدي الدكتورة ليال منصور أنّ "كلمة إفلاس الدولة كلمة شعبويّة، لأنّ الدولة ليست شركة، والتجربة الصحيحة هي التخلف عن الدفع، فلبنان تخلّف عن الدفع منذ سنتين".

وتابعت: "لبنان يجب أن يأخذ إجراءات إصلاحية مع صندوق النقد الدولي كي يتمكّن من بناء ثقة في المستقبل، ومن المفترض أن يأخذ إجراءات إصلاحية منذ وقت"، لافتةً إلى أنّ "العديد من الدول التي كان لديها ديون بالدولار تعثرت".

وأوضحت أنّ "لبنان أعلن التخلف عن الدفع منذ وقت، وعندما يتوقف البلد عن السداد يفقد الثقة التي يتمتّع بها؛ لذلك يتطلّب هذا الأمر تجديد البلد، بمعنى إعادة هيكلة المؤسّسات وتجديد الطبقة الحاكمة".
 
 
camil.bourouphael@annahar.com.lb