الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

استيراد النبيذ يتراجع والـ"شاتويات" المحلية تعاني... كيف أثّرت الأزمة على القطاع؟

المصدر: "النهار"
كميل بو روفايل
كميل بو روفايل
كيف أثرّت الأزمة على قطاع النبيذ اللبناني؟ (تعبيرية - تصوير مروان عساف).
كيف أثرّت الأزمة على قطاع النبيذ اللبناني؟ (تعبيرية - تصوير مروان عساف).
A+ A-
يُعرف لبنان بصناعة النبيذ، وبأرضه الخصبة التي تنتج عنباً ذا جودة عالية. واشتُهرت بعلبك منذ أيّام الرومان بهذه الميزة. وفي تاريخنا الحديث أدّت الأديرة المارونية دوراً رئداً، بحيث كان النبيذ يؤمّن لها مدخولاً يغنيها عن التبرّعات، وكانت هي مَن تساعد رعيّتها بفضل هذه المداخيل.

واستمرّت هذه الصناعة، وبخاصة في البقاع. وكما عصفت الأزمة الاقتصادية الراهنة والخانقة بالقطاعات الإنتاجية، عصفت بقطاع صناعة النبيذ، الذي لطالما تميّز بأصالته، وشهرته العالمية. فكيف أثّرت هذه الأزمة على المصانع وعلى حركة استيراد وتصدير النبيذ؟

حال مصانع النبيذ كحال جميع القطاعات. لكنّ المتغير لديهم، هو أنّ سلعتهم ليست أساسية. بمعنى أنّ اللبناني الذي تدهورت عملته، وهوت معها قدرته الشرائية، لن يفضّل كأس النبيذ على الحليب لأطفاله، أو الزيت، أو غيرهما من السلع الأساسية التي بات تبضّعها يستوجب الكثير من الحسابات. لذلك يشرح مدير التسويق في "Château Kefraya" إميل مجدلاني، بأنّ "الطلب المحلي بالكمية تراجع تقريباً ما بين 20 في المئة إلى 30 في المئة. أمّا الطلب بالقيمة (أي الكمية مضروبة بالسعر) فتراجع 10 في المئة فقط، ويعود ذلك إلى ارتفاع الأسعار".

"شاتو كفريا" ليس وحده الذي عانى من تراجع المبيع المحليّ، بل "Château Ka" أيضاً، الذي تؤكّد مديرة التسويق فيه، غيدا قساطلي بولس أنّ المبيع تراجع تقريباً 30 في المئة عن السابق.

أما المشاريع الناشئة فوضعها مختلف، لأنّ التحدي لديها أكبر. فإمّا تمضي قدماً في السوق رغم كل الظروف، وإما ينحسر نشاطها كثيراً وتنطفئ في مثل هذه الأزمة. "Couvent rouge" الذي أُسّس في كانون الأوّل عام 2017، يفصل بين انطلاقته وانطلاق الأزمة بضعة أشهر.
تقول مايا نصيف وهي مديرة فيه، بأنّ نشاطهم بدأ بالتوزيع للمطاعم والملاهي حصراً، لذلك فإنّ مبيعهم كان قليلاً وتأثّر بداية الانتفاضة كثيراً مع الإغلاقات والمشهد الضبابي. لكن بعد الانطلاق للبيع في السوبرماركات تحسّن الوضع، بحيث ارتفع المبيع من 32000 زجاجة عام 2018 إلى 45000 زجاجة عام 2019، ثم إلى 92000 زجاجة عام 2020.

تضاعفت الأسعار رغم أنّ الإنتاج محليّ الصنع

صحيح أنّ الكرمة من أرض لبنان، والعصر والتوضيب والتخمير في لبنان، لكن الزجاجة والغلاف و"الفلينة" مستوردة، فضلاً عن الدَنّ المصنوع من خشب السنديان الفرنسي، الذي تضع المصانع فيه النبيذ ليأخذ الطعم المميز.

وإذا كان الخشب الفرنسي ضرورة، ولا يؤمّن إلّا بالاستيراد، فإنّ الزجاج كذلك الأمر. أمّا "الفلينة"، فمصنوعة من خشب غير متوافر في لبنان، وذلك لاستيفاء الشروط العالمية وتأمين الجودة، والحصول على إذن للتصدير.

وغلاف زجاجة النبيذ مصنوع من ورق وحبر، وجميع موادّه مستوردة. لذلك فإنّ مجموعها الذي كان متوسّطه دولارين لكلّ زجاجة، لا يرضى المستورد أو المصنّع، اليوم، تسلّمه بالشيك، بل نقداً وبالدولار. وهذا ما دفع أصحاب المصانع إلى زيادة أسعارهم.

ورفع "شاتو كا" أسعاره 3 مرّات بحسب بولس، وشاتو كفريا رفع الأسعار 90 في المئة، بحسب مجدلاني. أمّا "كوفان روج" فرفع الأسعار فقط 20 في المئة، ورأى أنّ الفارق في الفترة الأولى بمثابة مصاريف تسويق.

المنافسة الخارجية تراجعت بشكل ملحوظ
 
تراجع استيراد النبيذ المصنوع من العنب الطازج، بحسب أرقام الموقع الإلكتروني للجمارك، من 1,304 مليون طن صاف عام 2019 إلى 0.325 مليون طن صاف عام 2020، في انخفاض قدره 75,07 في المئة.
 
يعدّ هذا التراجع الضخم ناجماً عن الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان، بسبب ارتفاع قيمة الدولار الأميركي مقابل الليرة، وشحّه في الأسواق. وإذا كان لبنان يسعى إلى وقف نزف الميزان التجاري عبر تخفيف الاستيراد وزيادة التصدير، فإنّ هذا النقصان الحادّ لا ينمّ عن وضع سليم، رغم إيجابياته على صعيد نزف الدولار ودعم الصناعة الوطنية، بل أتى من انكماش الاقتصاد وتباطؤ دورته.

ليست 2019 وحدها السنة المزدهرة باستيراد النبيذ، بل السنوات السابقة أيضاً. ففي عام 2017 كان استيراد النبيذ 1,391 مليون طن صاف، وفي 2015 بلغ حجم الاستيراد 1,266 مليون طن صاف من النبيذ.

تراجع التصدير إلى الخارج 
 
بلغ تصدير النبيذ عام 2020 بالكمية أيضاً 1,498 مليون طن صاف، بعد أن كان عام 2019، دائماً بحسب الموقع الإلكتروني للجمارك، 2,621 مليون طن، أي تراجع بنسبة 42,85 في المئة. وذلك يعود إلى جائحة كورونا التي أقفلت المطاعم، والمطارات. إذاً، تراجع الحركة السياحية يقف خلف هذا الانخفاض.

وبالعودة إلى السنوات السابقة. فإنّ تصدير عام 2018 بلغ 2,464 مليون طن صاف، وبلغت عام 2017 كمية تصدير النبيذ 2,266 مليون طن صاف. وبحسب المصانع، فإنّ السنوات السابقة للأزمة كانت جيّدة، وهذا واضح من أرقام التصدير.

تخبر بولس من "شاتو كا"، أنّ نصف المبيع محلي، والنصف الآخر في الخارج. ويتراوح إنتاجهم ما بين 300 ألف زجاجة إلى 350 ألف زجاجة نبيذ.

من جهته، يشرح مجدلاني من "شاتو كفريا"، بأنّ "التصدير يشكّل ما بين 30 في المئة إلى 40 في المئة من الكمية المباعة. أمّا بالمردود المالي، فهو يشكّل ما بين 60 إلى 66 في المئة، نظراً لتراجع سعر الصرف محلياً، ولأنّ الخارج يدفع بالدولار". وينتج "شاتو كفريا" ما بين 1,1 مليون زجاجة نبيذ، و1,5 مليون زجاجة نبيذ سنوياً.

أمّا "كوفون روج" فالتصدير الذي كان يشكّل فقط 8 في المئة من المبيع، بات أكثر من 30 في المئة. وقدرة التصنيع القصوى لديهم 520 ألف زجاجة نبيذ.

من خلال هذه المشهدية، نستنتج أنّ الاستيراد الذي تراجع بفعل انكماش الاقتصاد اللبناني قابله تصدير لا بأس به، تأثّر بسبب كورونا. وإذا كنّا نبحث عن تطوير القطاع الصناعي، فلماذا لا نتوجه نحو صناعة الزجاج ضمن المعايير العالمية؟ وكيف يمكن الدولة أن تحافظ على قطاع النبيذ التراثي للبنان، الذي يواكب دائماً التطور، ويحصد أفضل وأرفع الجوائز العالمية؟
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم