الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

منظومات ريادة الأعمال المحلّية واستمرارية الاقتصادات الريفية

المصدر: "النهار"
من معرض "ألو بيروت" (حسام شبارو).
من معرض "ألو بيروت" (حسام شبارو).
A+ A-
لينا س. مدّاح، باحثة لدى المركز اللبناني للدراسات
 
بالنظر إلى المشاكل الهيكلية في الاقتصاد اللبناني اليوم، بات التوصُّل إلى إجماعٍ حول العوامل التي تدعم ريادة الأعمال المحلّية أمراً ملحاً وضرورياً. فزيادة عدد المؤسّسات الصغيرة لن يؤدّي إلى دفع عجلة الاقتصاد إلّا إذا كانت الثقافات المحلّية قادرةً على تعزيز نموّها، كما هي الحال عند توافر فُرَصٌ محلّية يمكن استغلالُها بشكل جيّد.
 
من الناحية النظرية، إنَّ ثقافة ريادة الأعمال هي بيئةٌ حاضنة أو سياقٌ يُشجِّع أنشطة الأعمال التجارية التي تنطوي على "مجموعة مترابطة من الجهات الفاعلة في مجال ريادة الأعمال (المحتملة والموجودة)، والمنظّمات الداعمة في مجال ريادة الأعمال (مثل الشركات والمموّلين الاستثماريين ومموّلي الأعمال والمصارف)، والمؤسّسات (الجامعات، ووكالات القطاع العام، والهيئات المالية)، وعمليات ريادة الأعمال (مثل معدّل إنشاء الأعمال التجارية، وأعداد الشركات التي تُحقّق نموًّا مرتفعًا) التي تجتمع بشكلٍ رسمي وغير رسمي بهدف تأمين الترابُط والتوسُّط وإدارة الأداء ضمن بيئة ريادة الأعمال المحلّية".
 
في السياق اللبناني، من السهل تشخيص نقاط الضعف في الجهات المذكورة أعلاه، مقرونةً بانقطاع الترابُط في ما بينها. وعلى غرار أيّ مشاريع ريادية أخرى، من الضروري أن ندرس "روّاد الأعمال بحُكم الضرورة" في سياقٍ محلّي. فما هي الروابط المفقودة ضمن المناطق الريفية في لبنان، والتي يجب توافرها لكي ينجح روّاد الأعمال هؤلاء ولكي تزدهر هذه الثقافات؟
 
يمكن أن تُشكِّل ثقافات ريادة الأعمال والمؤسّسات المحلّية في المناطق الريفية البنيةَ الأساسية للتأثير في ديناميات النموّ واستغلال الفُرَص الناشئة لروّاد الأعمال بحُكم الضرورة. في لبنان، ثمّة حاجة إلى تحسين نوعية الأدوات الرقمية وزيادة استخدامها في المناطق الريفية من أجل تعزيز الروابط بين الأرياف والمُدُن. نحتاج أيضًا إلى تحويل العادات الاستهلاكية نحو تفضيل المنتجات المحلّية والوجهات السياحية المحلّية، ولا سيّما السياحة البيئية، إلى جانب إعادة توطين الصناعات الاستراتيجية واستعادتها في موقعها الأساسي، بالإضافة إلى تعزيز الشبكات المحلّية وهياكل التعاون لمواجهة الأزمات الحالية.
 
إن عملية وضع السياسات في لبنان يجب أن تستند إلى نقاط القوّة الريفية والفُرَص المتوافرة، بدلًا من الاستناد إلى مجموعة من الافتراضات المعدَّة مسبقًا بشأن قطاعات محدّدة. وبمجرّد أن نفهم السياقات المحلّية بشكلٍ أعمق، سيكون بإمكاننا تحديد المزايا والعيوب في منطقةٍ معيّنة، وبالتالي نستطيع توجيه السياسات بشأنها دعماً لتطوير أنشطة اقتصادية جديدة، ولا سيّما في أوقات الأزمات التي تؤدّي إلى تفاقم التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية القائمة في معظم البلدان، ولبنان ليس استثناءً عن هذه القاعدة.
 
ونظرًا إلى الفوارق بين المناطق، ونقاط الضعف الهيكلية ضمن كلّ منطقة، ينال روّاد الأعمال الريفيون النصيبَ الأكبر من الضرر في أوقات الأزمات. ومع ذلك، فهي تقدّم فُرَصًا جديدة يُمكن أن تُسهِم في استمرار روّاد الأعمال بحُكم الضرورة وتطوير أعمالهم، وتُسهِّل تدفّق الكوادر البشريّة المنتِجة من المُدُن لتعود إلى قراها. وحدها الاستراتيجيات الإنمائية التصاعدية والمدروسة التي تدعم روّاد الأعمال المحلّيين ومنظومتهم ومؤسّساتهم وثقافتهم ستُتيح لهذه المناطق إنشاء الأنشطة الاقتصادية المطلوبة للانتعاش والتنمية المستدامة.
 
إنَّ الاستعداد لخوض المخاطر المرتبطة بالاستثمار في المشاريع الحرّة بدافع الحاجة وإطلاقها وإدارتها يرتبط بمقدار الثقة في فعّالية الحكومة (فريدمان 2011). صحيحٌ أنَّ كلّ تقييم صادر عن الحكومة يختلف باختلاف السِمات المحدّدة، غير أنَّ أدوات التقييم هذه تؤثّر بطرق عدّة على نموّ روّاد الأعمال بحُكم الضرورة، وهي تُشكِّل مؤشّرات مهمّة حول ما إذا كان يجب زيادة الاستثمار في الأعمال التجارية أم لا. يمكن للمؤسّسات الحكومية الوطنية والإقليمية والمحلّية في لبنان أن تتحوّل إلى مبادرات متعدّدة الأطراف من أجل معالجة التحدّيات التي يواجهها روّاد الأعمال بحُكم الضرورة.
 
ضمن المناطق الريفيّة الدينامية في لبنان، تتوفّر أمام روّاد الأعمال بحُكم الضرورة المزيد من المجالات للازدهار وخلق فُرَص العمل. ويُسلِّط هذا الأمر الضوء على الحاجة إلى تنويع السياسات تبعًا للموقع الجغرافيّ للبلديات، والخصائص المحلّية، والجهات الفاعلة المحفِّزة للتغيير. فالقواعد والثقافة الجَمَاعية والثقة (وحتّى الأمان ضمن الأحياء الريفية) تعود بالفائدة على مبادرات ريادة الأعمال وتوفّر الموارد الإضافية لتعزيز التعاون بين المؤسّسات المحلّية ومجتمعات ريادة الأعمال.
 
بالإضافة إلى ذلك، بإمكان البنى التحتية المادّية والمرافق (المتنزّهات، والمسارح، والمتاحف، ودور السينما، وأماكن الاستقطاب السياحيّ، والمعارض الفنّية)، إلى جانب وسائل النقل، إمّا أن تُعزِّز التعاون بين وكلاء منظومة ريادة الأعمال أو تقيّده، وهي تؤثّر في توافر الفُرَص في المناطق الريفية.
 
فالبنى التحتية المادّية المتطوّرة، ومبادرات بناء القدرات، تُساهِم في جمع الأشخاص المبادرين بعضهم مع بعض، ومن بينهم واضعو السياسات، والباحثون، والجامعات والمعاهد التقنية، والمنظّمات غير الحكومية، والمنظّمات المحلّية، الأمر الذي يؤدّي إلى خلق "مساحات ثالثة" في منظومة ريادة الأعمال. ومن شأن ثقافات ريادة الأعمال المُجدية أن تزيد إمكانية تعزيز الدخل وتدعيم الاستدامة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية في المناطق الريفية، فضلًا عن تحقيق تنمية إقليمية متوازنة للمجتمعات الريفية.
 
 
 
 
 
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم