فقدان الخبز في بعلبك وطوابير بشرية... الحاجة مريم تبحث عن الرغيف "ليس لنا إلا الله"

وسام إسماعيل

 

"ليس لنا إلا الله مع الأزمات المتتالية على يوميات حياتنا، فكل يوم نستيقظ على أزمة أخرى"، لسان حال المسنّة الحاجة مريم كما ناداها من كان ينتظرها ضمن طابور بشري يزيد طوله عن 100 متر ضمن صفّين متراصّين كصفوف المدارس عند الساعة الخامسة من فجر اليوم، كما اعتادت أن تفعل كل يوم كسائر أهالي المدينة بهدف الحصول على ربطة الخبز من الفرن الوحيد داخل سوق مدينة بعلبك.

 

لكن اليوم لم يكن كالأمس ولا خبز بعد انتظار لأكثر من ساعتين لأن كمّية الطحين داخل الفرن نفدت لتعود الحاجة مريم إلى منزلها (الذي تقطنه وحدها) بدون قوتها اليومي "رغيف الخبز" لتتدبّر أمرها بفتات الأمس على أن يعينها الله في اليوم التالي بعدما فقدت الأمل بوجود رغيف واحد داخل مدينة بعلبك إن كان داخل السوبرماركت الكبيرة أو الصغيرة لعدم توزيعه من قبل الأفران. 

 

أزمة حقيقية يواجهها أهالي مدينة بعلبك والقرى المحيطة السهلية والجبلية منها مع انقطاع الطحين وإقفال الافران فيها ودائماً السبب واحد عدم تسليم الطحين من قبل المطاحن وهو ما أكده لـ"النهار" صاحب أحد أقدم أفران المدينة قاسم نصرالله، الذي قال إنه تم إقفال الفرن أول من أمس بعد نفاد كمية الطحين بأكملها التي كان قد تسلّمها وهي لا تتعدى ثلاثة أطنان من الطحين. 

وأردف أنه بالرغم من التحذير الدائم للمعنيين من نفاد الطحين لم نجد آذاناً صاغية منهم، واليوم قد وقعت الواقعة وأقفلنا وتالياً لا رغيف خبز في بعلبك. 

ولم يخفِ نصرالله أسفه لمشهد انتظار الأهالي أمام الفرن لساعات طويلة، الذين لا حول لهم، وأتيت لأخبرهم بعدم جدوى الانتظار حيث التمّ من حولي الأطفال والنسوة في مشهد أراق دمعي ولا قوة لي في هذا الأمر، علماً بأننا لم نقفل يوماً منذ 51 عاماً رغم كل الحروب الأهلية وغيرها التي واجهها لبنان ولم نقطع رغيف العيش عن أحد، ولفت الى أنه سعى عبر المطاحن لتأمين الطحين لكن رُفض إعطاؤنا بحجّة أن لا طحين داخل المطاحن، خصوصاً أن الفرن يؤمن الخبز لأكثر من خمسين في المئة من المجتمع المحلي. 

 

ورأى نصرالله أن ما يجري اليوم هو لعنة حكام البلد الذين لا يليقون بوطن كـلبنان ولا شعبه الذي يذل أمام رغيف الخبز الذي ليس كالمحروقات وغيرها وقد ارتبط اسمه بالعيش وهو ركيزة اقتصادية واجتماعية هامة، فحقيقة ما يجري أن المعنيين يتعمّدون الضغط وتخبئة الكمّيات تمهيداً لرفع الدعم عن الرغيف عبر الضغط على الناس.

 

وحمّل كافة المسؤولين والأحزاب في منطقة بعلبك – الهرمل مسؤولية ما يجري ومنهم نواب المنطقة حيث توجّه لهم بالقول: "طلبنا منكم مراراً وتكراراً رفع حصة المنطقة من الطحين دون جدوى وأنا كـ"فرن نصرالله" أحتاج إلى 12 طناً من الطحين كل 24 ساعة ولا أتسلّم سوى 3 أطنان وهي كمّية غير كافية، لماذا لا يتحرك المسؤولون بالعمل على زيادة الكمّية لنسهم في تأمين الخبز لوقت أطول بدلاً من بيعه في السوق السوداء أو احتكاره؟ 

 

الأزمة التي وصلت إلى "رغيف الخبز" وانقطاعه الكلّي في منطقة بعلبك الهرمل قد تنفجر خلال الأيام المقبلة، وقد بدأت الأصوات ترتفع والدعوة للقيام بتحرّكات تزامناً مع أزمة انقطاع التيار الكهربائي وشحّ مياه الشفة لأكثر من شهر متواصل عن معظم أحياء مدينة بعلبك. وكان عدد من الشبان من عائلات مختلفة قد هدّدوا أمس عبر اتصال مع "النهار" بالتوجّه الى مبنى مؤسسة مياه بعلبك (التي لا تعيرهم اهتماماً) واقتحامه وتحطيمه رغم المطالبات المتكرّرة بتامين المياه التي هي أيضاً حاجة أساسية. 

كذلك شهدت المدينة اعتصامات احتجاجية ومطالبة للمسؤولين بتأمين المياه وتحمّل مسؤولياتهم وإلا فنحن أمام فوضى كبيرة وهو ما كان محور اجتماع لتكتل نواب بعلبك الهرمل مع رؤساء الإدارات المعنيّة لمعالجة الأزمة منذ أسبوع في انتظار الحلول. 

وتداعى مخاتير منطقة بعلبك الى اجتماع أمام هذا الواقع الحياتي المعيشي المزري في المدينة للبحث في الأزمات المعيشية التي يواجهها الأهالي في منزل رئيس رابطة مخاتير بعلبك علي عثمان، وسيصار إلى رفع الصوت انطلاقاً من وجع الأهالي.

وأوضح النائب ينال صلح أنه أجرى اتصالاً بوزير الاقتصاد أمين سلام وأصحاب المطاحن، مطالباً برفع حصّة مدينة بعلبك إلى 12 طن طحين يومياً، وأن الوزير سلام أكد له أن كميات القمح وصلت يوم أمس الأحد، وستبدأ عملية التوزيع العادل لكل المناطق، مع لحظ زيادة الكمّيات لمناطق بعلبك الهرمل والبقاع والشمال.