الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لماذا قد يضرّ تجاوز النفط 100 دولار تحوّل الطاقة أكثر مما يفيده؟

المصدر: "رويترز"
استخراج النفط (تعبيرية- أ ف ب).
استخراج النفط (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-
أثار تخطي أسعار النفط الخام حاجز المئة دولار للبرميل سؤالاً كبيراً: هل ستساعد هذه القفزة الأحدث في سوق النفط الشديدة التقلب على تسريع التحول العالمي من الوقود الأحفوري إلى مصادر طاقة أنظف الرامي لمكافحة تغير المناخ؟... الجواب ربما لا.

فمن ناحية، يقول محللون في قطاع الطاقة إنّ ارتفاع أسعار البنزين والديزل وغيرها من المنتجات النفطية سيدفع المستهلكين بسرعة أكبر إلى السيارات الكهربائية وسيعزز الاستثمار في تقنيات أخرى نظيفة مثل الهيدروجين.

لكن في الوقت نفسه، سيشجع هذه الارتفاع في الأسعار أيضاً على زيادة نشاط التنقيب عن النفط والغاز في جميع أنحاء العالم، إذ ستتسابق شركات الوقود الأحفوري لتحقيق استفادة، وهو ما يشي بمرحلة من الازدهار يعقبها تحوّل لتراجع. فمن شأن ذلك أن يجعل النفط وفيرا وبأسعار في المتناول مرّة أخرى.

هذا هو النمط الذي يشهده العالم مراراً وتكراراً في عصر النفط، والذي أضر كثيراً بالمستثمرين في قطاع الطاقة النظيفة في الماضي.

وفي ما يلي بعض الحجج التي تدعم كلّاً من جانبي المسألة:

 
تحوّل المستهلك
عندما ترتفع أسعار الوقود الأحفوري، يقبل المستهلكون على السيارات الكهربائية وبدائل الطاقة النظيفة بجدية أكبر، ليس فقط من أجل فوائدها البيئية، ولكن على أمل توفير المال في نهاية المطاف.
 
وقد حدث هذا السيناريو بعدما اقترب النفط من كسر حاجز 150 دولاراً للبرميل في 2008، ما أعطى دفعة لمبيعات السيارات الكهربائية.

تنمو المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية، لاسيما في الصين وأوروبا، وبدرجة أقلّ في الولايات المتحدة.

وقالت وكالة الطاقة الدولية التي مقرها باريس إنّ ارتفاع أسعار النفط قد يزيد من وتيرة تحوّل قطاع النقل إلى الكهرباء ويعمل أيضاً على تسريع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي انخفضت تكاليفها في السنوات الأخيرة.

لكن في الوقت نفسه، كانت مبيعات السيارات الرياضية متعددة الاستخدامات التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود في عام 2021، وهو عام شهد ارتفاعاً مستمراً في أسعار النفط، في طريقها لتصل إلى 45 في المئة من مبيعات السيارات العالمية، وهو ما يحقق رقماً قياسياً من حيث الحجم والحصة السوقية، بحسب وكالة الطاقة الدولية.

يحدّ ذلك الطلب على السيارات الرياضية متعددة الاستخدامات من أثر القيمة مقابل السعر التي تقدمها السيارات الكهربائية ويثير تساؤلات حول مدى تأثير زيادة أسعار النفط على التحول.

ويشير محللون أيضاً إلى أنّ السيارات والشاحنات تحرق فقط من 20 في المئة إلى 25 في المئة من النفط العالمي، بينما لا تحقق قطاعات أخرى مثل الصناعات التحويلية والنقل البحري والطيران والزراعة تقدماً يُذكر على صعيد كفاءة الوقود.

وشرح المحلل في شركة الاستشارات "ريستاد إنرجي" التي مقرها أوسلو كلاوديو جاليمبرتي: "لم نر أيّ مؤشر على تحول الطاقة بعد" في تلك القطاعات.

 
ارتفاع الأسعار يحفز التنقيب
ثمة ديناميكية أخرى على الساحة، فالنفط يدور منذ عشرات السنين في فلك دورة من الازدهار والكساد.

فارتفاع الأسعار يحفّز الاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز، ما يؤدّي بدوره إلى انخفاض في الأسعار يزيد على إثره الطلب. ولا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأنّ هذه المرة ستكون مختلفة.

فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط في العالم، تستعد شركات التنقيب بالفعل لزيادة الإنتاج، إذ تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يرتفع إنتاج النفط الأميركي العام المقبل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق ويتجاوز المستوى غير المسبوق المسجل في 2019 والبالغ 12,25 مليون برميل يومياً قبل أن يبلغ ذروة عند 13,88 مليون برميل يومياً في 2034. ولن تؤدي زيادة الأسعار إلّا إلى تسريع هذا الاتجاه لا إبطائه.

وفي الوقت نفسه، معظم احتياطيات النفط في العالم، نحو 65 في المئة، تسيطر عليها شركات نفط وطنية مملوكة كلياً أو جزئياً لحكومات.

وسرعان ما تزداد حكومات السعودية وروسيا وإيران والعراق ثراء عندما ترتفع أسعار النفط لأنّ تكلفة إنتاج النفط لديها من الأقل في العالم، وهو ما يقول باحثون إنّه يعزز التمسك بالاقتصاد البترولي.

وقال باشا مهدوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا: "ارتفاع أسعار النفط يطيل من أمد فكرة أنّه حتى مع وجود منتجين ممن ترتفع لديهم تكلفة الإنتاج بين شركات النفط الوطنية، فإنّها من الممكن ألّا يقضي عليها تحوّل الطاقة، وذلك بدلاً من العمل على التحوّل من النفط إلى الطاقة النظيفة".

وأضاف أنها تعزز أيضاً فكرة أن العودة لاستثمار ثروة المجتمع في النفط "هو الحلّ الأمثل لضبط الميزانيات الحكومية اليوم وفي المستقبل".

ومع ذلك، هناك بعض الفروق الطفيفة، فالسعودية على سبيل المثال تقود جهوداً لإنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة الخضراء مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية في مدينة نيوم المستقبلية العملاقة، وهو مشروع تموله من عوائد النفط.

وقال مهدوي: "يسمح صعود أسعار النفط للدول النفطية صاحبة تكاليف الإنتاج المنخفضة بمواصلة الاستثمار في بعض هذه الحلول الخالية خالية انبعاثات الكربون، لكن في إطار هذه المجموعة الصغيرة فحسب".

 
التقلب يقضي على المنافسة
يؤدي هذا التوجه نحو جني الربح من ارتفاع الأسعار عن طريق زيادة الإمدادات إلى مشكلة أخرى لقطاع الطاقة النظيفة، وهي التقلب.

وقالت ديبورا جوردون التي تقود مبادرة حلول النفط والغاز في "آر.إم.أي"، وهي مجموعة بحثية مقرها كولورادو معنية بالابتكار في الطاقة وكفاءتها، إنّ التقلبات فائقة السرعة في الأسعار تجعل من الصعب على المستثمرين التخطيط، بل ويمكن أن تقضي على بعض مشروعات الطاقة البديلة.

وأضافت: "الخطر الأكبر بكثير على تحول الطاقة هو التقلب. لا يتمثل الخطر في كون الأسعار مرتفعة أو منخفضة، بل في هذا التغيّر المستمر".
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم