الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

رأس بيروت الجميلة التي لم تهزمها الحياة برغم محاولاتها المُتكرّرة (صور)

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
راس بيروت الجميلة التي لم تهزمها الحياة (حسن عسل).
راس بيروت الجميلة التي لم تهزمها الحياة (حسن عسل).
A+ A-
... وألقى الصبي الذي "أكلت" الأوساخ جلده، حذاءه القديم. وضعه هناك، عند جذع الشجرة، وانتعل "الكروكس" الجديد الذي قدّمته له مؤسِّسة جمعية "أحلى فوضى"، الرائعة إيمان عسّاف. وراح يقفز فرحاً، ويُغنّي "أغاني مش مفهومة"، ولكنها تشي بالفرح الهارب، الفرح الهزيل. وإيمان عسّاف ارتدت زيّ "بابا نويل" وراحت تقدّم الهدايا للأولاد الذين يعيشون في الشوارع مع الكلاب والقطط الشاردة. ثياب، أحذية، معاطف، "كنزة شتويّة" تُبعد عنّا "شوّ كوانين". وسيدة المسرح، "الستّ" نضال الأشقر، جلست بالقرب من صندوق بيع التذاكر، باسترخاء يدلّ على تلك الثقة التي تحمل في ثناياها تاريخها الشاهق. تتحدّث مع الوافدين إلى مسرح المدينة. "هيدا يللي بتعرفو. وهيدا يللي هوّي بيعرفها".
 
 
وأمام المبنى الرئيسي للجامعة الأميركيّة في بيروت، اجتمع الكشاف اللبناني، ووسائل الإعلام، والأصدقاء القدامى الذين ملّوا العزلة وتهديد ذاك الوباء الذي أزاح الستار عن هشاشتنا. والسيّدة التي تحمل على كتفيها مبادرة حسن الجوار في الجامعة الأميركية، منى الحلاق، "تنغل نغلاً" من شارع إلى آخر، لتتأكد من سير الأمور. هي التي تمكّنت خلال يوم واحد من أن تُنجز برنامج "أمسيات موسيقى وغناء" الذي افتتح أول أنشطته أمس السبت في تمام الرابعة من بعد الظهر وامتدّ حتى ساعات الليل الجميل. هذا الليل الذي اشتقنا إلى "فجوره السرّي" ونزواته وشهواته وأسراره الجميلة حتى الشهيّة.
 
 
احتفلت رأس بيروت ومسرح المدينة بالعودة إلى دورة الحياة. فكانت مسيرة الميلاد المجيد من أمام الجامعة العريقة وصولاً إلى شارع الحمرا الذي لنا معه حكايات لا نرويها لأحد غيره. "بدّكن تقولوا" هو يعرف تماماً كيف "يستّر" عن جنوننا في ثنايا شوارعه التي اشتقنا لعجقتها. مع وقفات عدّة في شارع جان دارك، والمقاهي ممتلئة بالروّاد. هم أيضاً ملّوا العزلة والخوف من الوباء والجوع. والعاملات الأجنبيات أجدن في الترانيم الميلادية. ودرج تقلا الشهير، ودرج مبنى عسّاف، ودرج كنيسة الكبوشية، كلها استقبلت عشرات الموسيقيين من المخيّمات الفلسطينية واللاجئين السوريين. وكانت فرحة، وأهازيج، و"زلغطة"، وبعض انسياب للأجساد الغضّة والأخرى التي أنهكها القدر بضرباته المتكرّرة. وزوّار الحدث مشوا الهوينى في الشوارع التي تعرفهم جيداً. تعرف بداياتهم، ولحظات عزّهم العابرة التي أنهكها بدورها القدر. ضحكوا. تبادلوا الأحاديث. غنّوا وتمايلت أجسادهم مع الأنغام التي تُنبئ بالعودة. "إذا مش اليوم، بهاليومين يللي جايين". "شنكلوا بعض" وكأنّ كلّ ما حصل، كان مجرّد "كابوس ومارق. والفضل في الترتيبات والتنظيم أيضاً للجنة أصدقاء شارع الحمرا يترأسها وارف قميحة".
 
 
إلى مسرح المدينة "لتتروحن راس بيروت"، مع فرقة الموسيقى العربية لبرنامج زكي ناصيف في الجامعة الأميركية. الأمسية الأولى للبرنامج الذي يتضمّن 9 حفلات ويستمرّ حتى 29 كانون الأول. أمسية عنوانها "سوا مهما تجرّحنا". 17 أغنية مأخوذة من ذخيرة المتواضع الذي كان يخشى أن تكون آخرته راعبة لا تليق بتاريخه العريق، كما روى لنا ابن شقيقه الأستاذ الجامعي في الأميركية الدكتور نبيل ناصيف، "بس الحمد لله، كلّو مشي الحال". كورال "طويل عريض" و15 موسيقياً بقيادة المايسترو فادي يعقوب ومدرّبة الكورال منال بو ملهب، مع ضيفة الأمسية السوبرانو غادة غانم.
مديرة نادي أصدقاء زكي ناصيف ليلى بساط تقول لنا إن الراحل المكرّم هذه الأمسية تماماً كرأس بيروت ومسرح المدينة، "كان ضحوكاً. كنّا نجده دائماً في مقهى السيتي كافيه. يتناول طعامه بهدوء، أو يحتسي قهوة الصباح. يتحدّث مع الجميع بكلّ طيبة خاطر. والمثقفون الذين اعتادوا اللجوء إلى هذا المقهى الشهير كانوا يتجمّعون حوله". وإلهامه كان، بحسب الدكتور نبيل، يزوره من مشغرة. "عندما أزور القرية أشعر بأغانيه فيها".
 
 
وفي الأمسية التي حضرها رئيس الجامعة الأميركية الدكتور فضلو خوري، استمعنا إلى "شو هالأيام اللي وصلنالها"، "رمشة عينك"، "يسلم لنا لبنان"، "أهلا بهالطلة"، "سألوني الناس"، "مهما يتجرّح"، وصولاً إلى "جنغل بيلز". والجمهور الذي لم يتعدّ الـ200 بفعل التزام المسرح بالتباعد الاجتماعي، رافق الكورال والغناء المنفرد تصفيقاً وغناءً. وسيدة المسرح قالت لنا بعد انتهاء الأمسية، "هنادي، حسّيت إنو عم نرجع نفتتح المسرح من جديد. أهم شي كان فرحة الناس. أديش كانوا مبسوطين، مرتاحين. يتوقفون عند كل محطة في شارع الحمراء. يستمعون وأجسادهم تتمايل وتترنح. وأهالي الحمرا شكرونا لأننا أسهمنا في بث القليل من الفرح، في إعادة الروح إلى الشوارع المنسيّة. وهذا بفضل دعم مبادرة حسن الجوار. أمس أصبحت على يقين، على الرغم من الصعاب التي نعيشها، بأن الناس ما زالوا يحتاجون للفرح وللأمل، وأن يقدّم لهم (فنّانوهم) الأفضل. هذا عنصر يعيد إليهم روحهم".

- تستمر الحفلات في مسرح المدينة حتى 29 من الجاري.

 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم