العيّوقة القاسية - الحلقة 17: حفلة تعارف بين سكّان جادة شجرة الكرز وشارع مستشفى الروم

(مع الزربة في المنزل، نزور رواية ماري بوبينز التاريخيّة من وجهة نظر سجينة وباء لحقته قنبلة نوويّة وبعدها أزمة سير خانقة أو ما يُعادلها: أي البنزين... وفوق الدكّة ترنّح الدولار على صدى أنغام حُبّ الدكتور عزيز للأكل من الطنجرة!).
 
وفجأة، بتقرّر المسز بانكس، هيّي وعم تصبغ شعراتها بحمّام الضيوف بالبيت رقم 17 المهرهر بجادة شجرة الكرز يللي منطلعلها من تاني بوّابة بعد المفرق يللي بودّي على المبنى العاشر من ساحة ساسين بإتجاه بسوس حيث يوجد منزل والدة تيوفيل، سائق الشحن يللي عم بتجرّب هناء، الصحافيّة الفاشلة بجريدة "النهار"، توقّعو بحبّها طمعاً بأنها تصير زوجة رجل عندو كار، إنّو تعمل حفلة "بارتي" أو "إبارتي" متل ما بلتفظها الفلاحة المُتمدّنة، ليال، نجمة الصبحيّات بالكورة.
 
 
وهيّي ومركّزة المسز بانكس على خصلات شعرها الضاربين على لون "الفيوليه" المجردّ (أي الرايح لونو)، مع ضربتين شقار مخضرّين تيلبقوا مع حواجبها الشايبين، بتصير تفكّر بعمق تراجيدي يغمز إلى الكاتب الكبير سمران الكوراني، والد هناء يللي انصاب بالحرب العالميّة التالتة يللي اندلعت هونيك صيفيّة ببيروت، ومن وقتها صار عايش بالغيوم مع الراحل الكبير إينشتاين وصديقته "الأنتيم" أي الحميمة، "ثوما"، أي أم كلثوم.
 
ومع التفكير المتجذّر بحنايا خلايا دماغها الفاضي باستثناء كم فكرة استقرّت بالغلط برواق الدماغ وعبثاً تُحاول أن تهرب من هذا اللاشيء المُدمّر، صارت المسز بانكس تتأمّل بقائمة المعازيم يللي ارتسمت بمخيلتا، تتشوف كيف راح يتناسبوا مع بعض سكّان جادة شجرة الكرز و"كائنات" شارع مستشفى الروم حيث الفضائح تتجسّد بحنان الصبا أو بـ"كونتور" الجليلة شارلوت، بنت خالة البونا يوساااف، البنّي وحكمة الكاتب الكبير سمران الكوراني يللي بيهز براسو وقد زيّنت الوجه ابتسامة شبه عارفة ‒ وهي في الحقيقة مش عارفة شي: "تذكري دايماً يا هناء إنّو الطيور الجريحة ترقص لتختبئ على الألم، أو شي بيشبه هالكلمات. هل خبرتك شي مرّة كيف كنت إختار القرنفلة البيضاء للراحل الكبير صائب بك؟".
 
 
وبعد ما خلصت صبغ هالكم شعرة الباقيين ع راسها ما تمكّنت منها الإيام وغدر الزمان، بتضحك المسز بانكس هيّي وعم تراقب من خلال مرآة الحمام المكسورة (بس بتصرخ ع طريقتها: Am still standing!) تعابير وجهها الصامتة والساكنة اللي اكتسبتها بفضل تجربة فاشلة مع البوتوكس، وبتهمس لحالها: "راح تكون بارتي العصر، وراح يحكوا فيها الجيران ع القليلة لسنة إذا ما إجت شي قنبلة نووية تانية وكسحت أصداء هالبارتي المُرتقبة بالصبحيّات في جادة شجرة الكرز والأخرى في العاصمة بيروت".
 
وبعد نهارين من الغوص الميكروسكوبي في فصول هالـ"إبارتي" يللي توقعت المسز بانكس إنها تنتصر من خلالها على هالمدعوّة "ماري بوبينز" المتذاكية يللي ما بتنبلع – أي ما بتنطاق، بتطلع معها القائمة التالية:
 
المدعو الأول: الشرطي السهيان عند تقاطع الطُرق. هوّي بنفسو يللي بيقضّي نهاراتو عم بيمشّي السير بجادة شجرة الكرز يللي ما بتفتلها سيّارة ومخصّصة كلّها للدراجات الهوائيّة. هالشرطي السهيان يللي إسمو "مانيه"، عندو جذور رومانيّة، بيحب الباسترما وبيرجّع شعراتو المزيّتين لورا بواسطة "الجيل"، أضف إليه الـ"موس" وفوقهما البريل كريم الذي من شأنه أن يضيف القليل من اللمعان إلى الخصل الهاربة من يوميّات جادة شجرة الكرز. بيضحك ضحكة خافتة متل الضباع الفلتانة بنهر الجوز، وبيكتب تقارير للمكتب العاشر يللي بتترأسو "لوزيت" البورجوازيّة يللي بتدّعي الفقر خوفاً من صيبة العين. (Team جادة شجرة الكرز).
 
 
المدعو الثاني: المستر بانكس، أي زوج المسز بانكس، الذي يعشق الهمبرغر على أنواعها كما يستسيغ البيتزا على أنواعها وعندو ضعف على ساندويشات الهوت دوغ. وما عندو مانع ياكل البطاطا المقليّة أو المشويّة أو المسلوقة بصلصة البندورة الحرّة مع شويّة كبيس. في النهار يعمل في المصرف البلدي الأول في جادة شجرة الكرز وفي الليل هو رئيس حزب هواة تجميع الأوراق القديمة. لحيتو طويلة وشواربو بتغمز لحواجب الجليلة شارلوت عرّابتو بالمعموديّة، أي إنها كثيفة. بيكره مرتو النكدة والمدّعية بالفهم، وهوّي بيعشق سرّاً ماري بوبينز المُلقّبة بالعيّوقة القاسية، هالمهسترة يللي بتطير بالهوا ماسكة شمسيّة وبتزم شفافها وكأنها مسمومة Which she is، وكان تعرّف إليها ماضياً وقت كانت ترقص بكاباريه "كارابانبيراي" بقرية بزيزا الكورانيّة. (Team جادة شجرة الكرز).
 
الجليلة شارلوت: إمرأة qui connait des gens. بيلقّبوا عشّاق روايات "عسير" حيث تضطلع بدور ضيفة شرف مُستمرّة، بالـ"مُستبدّة" أو "مُستبدّة Falcon Crest ( المُسلسل المُشوّق يللي بعد ما خلصت حلقاتو من عام 1920 قبل الميلاد)". بتكره الكاتب الكبير سمران الكوراني يللي تزوّج شقيقتها فرفورة مع إنّو كانت هيّي موعودة فيه. وهوايتها تدمير كل الناس وجملتها المُفضلة: "من فضلك، قلّلن يجيبولي فنجان القهوة برّا". (Team شارع مستشفى الروم).
 
 
زوجها يوسف: فقد وعيو وقت تزوّج الجليلة شارلوت، عرّابة عائلة بيت المكش والشاهدة على انكسارات ودمار كل فرد فيها. بيشرب الـJus D’orange الطازج في تمام الساعة الـ11 صباحاً. ومن بعدها دغري بيبلّش يحتسي الويسكي الممزوجة بالبيرة المستوردة من لندن. جملتو المفضلة: "باردون شوي، خلّوني إحكي" (مع إنّو ما بيكون حدن غيرو عم يحكي). كل ليلة بيزور الكاتب الكبير سمران الكوراني تيحضروا سوا المُسلسل التركي: "الخوخ الحرام". (Team شارع مستشفى الروم).
 
هناء: الصحافيّة الفاشلة بجريدة النهار. بتعيش مع والدها الكاتب الكبير سمران الكوراني ووالدتها صاحبة الشعر الأبيض الممزوج بكم خصلة شقرا فرفورة وكلبتها المدللة يللي بتوقع بالنقطة "فريز". أمضت حياتها بعلاقات الحُب الصاخبة التي تغمز إلى تراجيديّة سمران الكوراني. وبدها A tout Prix تفوز بقلب تيوفيل، سائق الشحن المريض نفسياً في ولاية كاليفورنيا تتهرب من البيت. جملتها المفضّلة: Non Mamie, Non Fraise خللي التيتا فرفورة تموت موتة طبيعيّة بعسر هضم من جراء ابتلاع الفارغ وهو نيء". (Team شارع مستشفى الروم).
 
وهيّي والمسز بانكس عم تكمّل كتابة قائمة المدعوّين براسها الفاضي باستثناء فكرة أو فكرتين بيزوروها كل سنة مرة، بتتفاجأ إنّو شعرها عم يضرب لونو ع فستقي مع كم ضربة أحمر مسودّ، وبتصرخ بصوت عالي هيّي وعم تطلّع بالمراية المكسورة بس بعدها صامدة:
 
"تيودور! تيتي! تيتينا! قبّلني بشراسة تغمز إلى أيامنا الأولى!".
 
 
وهون، بيظهر فجأة جابي الكهرباء الشاب "بربل" من شباك الحمام الخلفي وبيقلّلها للمسز بانكس هوّي ومنتحل صوت السيدة الكبيرة فيروز:
 
"كحلون؟ ستّي؟".
 
وبهاللحظة بالذات، بتمسح السيّدة الوقورة فرفورة، زوجة الكاتب الكبير سمران الكوراني، صلصة التوم من تمّها بواسطة كمّ الجاكيت الصفراء يللي لابستها فوق العباءة المزوزقة، وبتقول لسمران يللي عم يندب حظّو: "وحياة جورج اللحام منّي آكلة شي من مبارح. برحمة البونا يوساااف".
 
الكاميرا بتتجه ببطء دراماتيكي نحو إيدها التانية المدندلة تحت الكنباية المسكونة بالفيران وكم جرذ عم بيزوروا ولاد خالتن:
 
فرفورة ماسكة ساندويش شاورما دجاج طلبتها سراً من عند "أفران فيروز".
 
(يتبع)
 
Hanadi.dairi@annahar.com.lb