الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

نساء منى طراد دبجي ومُغامراتهنّ المُطعّمة بعدم انضباط النفس

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
نساء منى طراد دبجي ومُغامراتهنّ المُطعّمة بعدم انضباط النفس.
نساء منى طراد دبجي ومُغامراتهنّ المُطعّمة بعدم انضباط النفس.
A+ A-
ها قد عادت النساء المُتمرّدات إلى القصّة الحسيّة والسلسة بشراسة، وتلك الأناقة التي تنتشر أجساداً غضّة مُزخرفة بألوان المُغامرات المُطعّمة بعدم ضبط النفس. واللقاء يتمّ على "بالكون" منزلها العريق القائم في الأشرفية. قد تكون هذه الفُسحة الخارجيّة منزلاً "بإمو وأبوه"، نظراً لمساحتها الواسعة. والأشجار العالية في الفناء الأمامي للمبنى تتحوّل الدرع الواقية من كلّ ما يحصل خارج نطاق الأحلام حيث عدم القدرة على الحركة بحريّة.

 على هذا البالكون الأقرب إلى حديقة بعيدة لا تطالها تقلّبات الزمان التي نعيشها، تماماً كما داخل لوحات الفنانة الثائرة بعشقها للحياة، منى طراد دبجي، تبقى الفاكهة الأكثر رمزيّة هي الحريّة المُطلقة. الحريّة الحارّة، التي تُشبه اللون الذهبي لساعات الفجر الشفّافة. واللقاء يليق بحميميّة تولد من رحم صداقات كُتب لها أن تستمر وإن كانت في الواقع لا تزال تنسج فصولها الأولى بحذر البدايات. 

كان يُمكن أن يرتكز الحديث على معرضها الأخير الذي أقيم  في غاليري مارك هاشم الأنيقة بعنوان LE PARADIS PERDU.
 

 ولكن الجلسة في هذه الفُسحة الخارجيّة المديدة التي هي في الواقع بالكون يُشرف على ومضات هاربة من يوميّات عاصمة أجبروها على عقد قرانها مع الشيطان وجحيمه المُصمّمة بإتقان، توحي بأحاديث الهوى المُنبثقة من الفن وجنونه الشهيّ الذي يتعذّر شرحه أو حتى فهمه. والأشجار الطويلة تحجب بعض ما يحصل في الشارع البيروتي القديم. 

"يمكن هيك أحسن". بهذه الطريقة يُمكننا أن نخلق عالمنا، وإن لساعتين. الثائرة والحالمة. ما يُشبه صداقة وُلدت "ع الحارك". والنساء، بمجدهنّ الذي لم تتمكّن منه الحياة وإصرارها على تحجيمه، هنّ المحور. نساء عاريات، تصالحن مع هذا الجموح الذي ينساب قطرات واعدة من الحريّة على التضاريس. فنجان قهوة. "نفس نرجيلة". كلمات شاهقة مأخوذة من رُباعيات الخيّام. وقطط في كل لوحة. هذه الحيوانات شبه الأليفة هي رفيقة منى طراد دبجي. وهي أيضاً النديم الذي تلجأ إليه النساء الجامحات في اللوحات الثائرة، وغير التائهة.
 

والفردوس المفقود الذي هو عنوان المعرض الأخير لا يسمح لنا بالتوقف طويلاً عند الشيطان ورقصته الدامية في أروقة عاصمتنا النبيلة بحزنها.

والمرأة تُرافقها في كل أسفارها الداخليّة. وكل لوحة تستقبلنا بخلفيّة خاصّة بها وبالمشهد الذي تُحاول أن ترويه حكاية مرّ عليها الزمن، ولكنها في الواقع لم تبدأ بعد.
السلسلة التي تُسلّط الضوء على المرأة انطلقت منذ فترة. وكان الريف خشبة مسرحها في البدايات. والمرأة في الريف تضطلع بدور محوري في إدارة العائلة وفي تعزيز نجاح الأعمال اليوميّة الشاقة. "المرأة هي أساس البيت"، تقول لي منى طراد دبجي، "العيّوقة" في مظهرها والمُتحرّرة في فنّها وفكرها. نضحك معاً بسهولة. لا تعني لها الحياة الاجتماعيّة البورجوازيّة كثيراً. هي مُنهمكة "بغير قصص".
 

والمرأة في الريف تضطلع بأكثر من دور. نُشاهدها في كل الأمكنة. هي السند. والحديث على البالكون البيروتي الذي تحوّل، كما تروي لي، خلال فترة الحجر، إلى ما يُشبه المحترف الذي قرّبها من مقاطع هاربة من سماء العاصمة المُنهمكة بخصلات شعرها المُتطايرة، شغوف.

وفي البقاع حيث مسقط رأس زوجها، وجدت القصص المرئيّة التي تغزو مخيّلتها الثائرة، وغير المُنهمكة في طقوس الحياة البورجوازية التي تنتمي إليها.

فكانت أعمال السيراميك التي رسمت عليها بعض طقوس من يوميات سيّدات الريف البعيد، إلى جانب اللوحات. ولا ننسى بعض فناجين القهوة المطبوعة بثورتها. 
 

وبعدها انتقلت إلى النساء اللواتي اخترن المدينة محترف طقوسهنّ الصغيرة. "شرب النرجيلة، قراءة القصائد، احتساء فنجان القهوة"... 
و"فوّت رحلة مصر بس ما تفوّت قهوة العصر".
 
والحرّية تنساب بمخمليّة شهيّة على الأجساد العارية. الأجساد التي تحتفي بأحجامها المُختلفة، وتُحوّلها كتاب العشق الذي ندوّن فيه رحلتنا مع حب الذات. والجسد العاري يدعونا إلى التخلّص بدورنا من كل ما فُرض علينا من خوف. 

و"إستروا شو شفتوا منّا".

وقد نقف وجهاً لوجه أمام امرأة حاولت أن تخفي الجسد المُنعم عليه والعاري "بالشاش" ولكنها، في الواقع، وضعت تضاريسها من خلال هذه الحركة الحسيّة في مكان أكثر بروزاً. أعطته حقه خلف القماش الشفاف. لم تخجل من دعوته.
 

والنساء في عائلتها اضطلعن بدور محوري في نحت هذه الشخصيّة التي تجعلها مختلفة عن الآخرين. جدّتها كانت تُطعم الجياع أينما وجدوا. وعندما ماتت وهي في الـ32 من عمرها إثر إصابتها بمرض التيفوس عام 1916، عاشت والدة منى حياة حرّة، ثائرة، ونقلت حرّيتها للنحت ووظّفت طبيعتها الجامحة للقراءة والقصيدة الفرنسيّة.
الحياة البورجوازية التي عاشتها منى في كنف عائلتها لم تتمكّن من أن تسلب منها شال التمرّد الأحمر الذي حوّلته جانحها باكراً لتُحلّق بعيداً من التقاليد وكل ما يُمكن أن يفرضه علينا المجتمع من قيود.

النساء في أعمالها يستوضعن أمام عدسة مخيّلتها وفرشاة الرسم التي تُعيد من خلالها كتابة لغة الجسد وتعترف من خلال التضاريس "المُنعم عليها" والعارية بأنه ما من ثمن للحريّة.
الجسد العاري يتفاعل مع اللحظة.

والمرأة الحرّة تحتسي القهوة.

وتقرأ أطايب الأدب والتاريخ والقصائد التي تُحوّل الحب، رقصة رومنطيقية لا تخلو من الإغراء المثير للشهوة، وإن أطل بأسلوب مُستتر.

ومنى طراد دبجي توقّع لي كتابها الذي وضعت له نصوصه شخصياً، بطريقة حميمية تشي بالتواطؤ الأنثوي.

النساء العاريات في الأعمال هنّ في الواقع كل واحدة منا، عندما تُقفل الباب خلفها وتدخل الملاذ الذي اختارته لتظهر فيه على حقيقتها.

تحتسي القهوة.

تقرأ الكتب.

والحرّية تنساب ببطء مُخملي على جسدها العاري.

"المُنعم عليه"، وإن أطلّ في مختلف الأحجام.

أو حاول الاختباء خلف القماش الشفاف.

والقط، هذا الحيوان الذي قد ينجح في الظهور بصورة الكائن الأليف، يحل ضيفاً خفيفاً في مجمل الأعمال.
 

بعض تأمّل. وهذه الحريّة الشهيّة في رسالتها غير المُستترة.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم