الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

اضطرابات دوليّة جديدة بانتظار الصين؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الصيني شي جينبينغ - "أ ب"
الرئيس الصيني شي جينبينغ - "أ ب"
A+ A-

بعد فترة من السلبيّة التي طغت على صورتها بسبب تلكّئها في الكشف عن فيروس "كورونا"، عادت الصين لتعزّز قوّتها الناعمة عندما استطاعت كبح جماح الوباء. بالمقارنة مع الدول الغربيّة المتقدّمة، سجّلت الصين سرعة نسبيّة في إيصال عدد الإصابات اليوميّة إلى الحدود الدنيا. لكنّ السباق المحموم الأكبر كان مع الولايات المتحدة. شهدت الأخيرة العدد الأعلى من الوفيات والإصابات، فيما كان رئيسها دونالد ترامب تارة يلقي اللوم على الصين لسوء تعاملها مع الفيروس في بداياته، وطوراً يطلق تصريحات غريبة عن كيفيّة معالجة الفيروس. حتى أنّه تبيّن لاحقاً كيف كان ترامب يدرك طوال الوقت خطورة "كورونا" لكنّه عمل إعلاميّاً على التقليل من أهمّيّته.

 

خدمة موقتة

الأهم في هذا السياق بالنسبة إلى الصين هو الخلافات الأميركيّة الحادّة التي نشأت حول مصدر الجائحة وطريقة التعامل معها. لئن كان الانقسام السياسيّ الداخليّ بحدّ ذاته يفرح الصين التي تنظر إلى التناقضات الأميركيّة على أنّها مسرّعة لضمور القوّة العظمى، فالخلافات التي دارت حول الجائحة بالتحديد خدمتها بصورة أكبر في المرحلة الحالية. كلّ اتّهام جمهوريّ للصين بأنّها المتسبّبة بتفشّي "كورونا" حول العالم وفي الولايات المتحدة، كان يقابَل من الديموقراطيّين باتّهامات "العنصريّة".

 

والإعلام الأميركيّ السائد الموالي بغالبيّته للديموقراطيّين أيّد هذه المقولة. وحين اتّخذ ترامب قرار وقف الرحلات من الصين واجه قرارُه الاتّهامَ نفسه. في ذلك الوقت، تحدّث قسم كبير من الجمهوريّين عن احتمال أن يكون الفيروس قد تسرّب من مختبر في ووهان، فردّ الديموقراطيّون قائلين إنّ ما يروّج له هؤلاء هو مجرّد نظريّة مؤامرة هامشية، وأنّ ما حصل هو انتقال الفيروس من سوق للّحوم الرطبة إلى الإنسان. كلّ هذا السجال خدم الصين جيّداً. لكن لفترة محدودة. الآن يبدو أنّ الصورة تنقلب رأساً على عقب.

 

التركيز يتجدّد

تقول النظرية إنّ الفيروس تسرّب، عن قصد أو غير قصد، من "معهد ووهان لعلم الفيروسات" الذي كان يدرس فيروسات كورونا على الخفافيش منذ أكثر من عقد. ويقع المعهد على بعد بضعة كيلومترات من السوق الرطبة. ومنذ شباط الماضي، ازدادت التقارير والرسائل التي كتبها ووجّهها علماء وسياسيّون حول ضرورة إجراء تحقيقات مستقلّة أخرى لمنظّمة الصحة العالميّة حول مصادر الفيروس. ولعلّ تقريراً في مجلّة "وول ستريت جورنال" قدّم المزيد من الدفع لهذه النظريّة حين نقلت عن تقرير استخباريّ أميركيّ سرّيّ إشارته إلى أنّ ثلاثة باحثين في المعهد الصينيّ نفسه تدهورت صحّتهم في تشرين الثاني مع ظهور عوارض متناسقة مع تلك التي يتسبّب بها "كورونا".

 

كبير خبراء البيت الأبيض في شؤون الأمراض المعدية الدكتور أنتوني فاوتشي بات يقول مؤخّراً إنّه "ليس مقتنعاً" بأنّ الفيروس نشأ بشكل طبيعيّ. وأمر الرئيس الأميركيّ جو بايدن بإعادة فتح تحقيقات موسّعة في الموضوع مدّتها 90 يوماً. ردّت الصين بأنّ موضوع مصدر الفيروس يشكّل "جنون ارتياب" لدى الرأي العام الأميركيّ، وقالت كبيرة خبرائها في علوم الأحياء إنّه تمّ العثور على ثماني سلالات من فيروس "كورونا" في أحد مناجم الصين سنة 2015.

 

"تشيرنوبيل" الصين

مع إعادة تسليط الضوء على احتمال أن يكون الفيروس ناجماً عن تسرّب في مختبر ووهان، ستكون الصين أمام تحدّ جدّيّ لمواجهة هذه السرديّة، خصوصاً أنّ الإعلام الأميركيّ المحافظ بدأ ردّة فعله ضدّ الإعلام السائد، أي ضدّ ما رأى أنّه حملة ممنهجة لا لتعزيز العلوم بل لإيذاء ترامب وحماية بيجينغ والترويج لأجندة سياسيّة. حتى أنّ الموالين لترامب كتبوا ساخرين عن أنّ نظريّة التسرّب من المختبر لم تكتسب زخماً إلّا بعد خروجه من البيت الأبيض. بصرف النظر عمّا إذا كانت حملة المحافظين هي سبب ذلك أم لا، عاد الإعلام الأميركيّ السائد للتطرّق إلى هذا الاحتمال. ومن المرجّح أن يتبعه الإعلام العالميّ في هذه الخطوة. كذلك، إنّ الضغوط السياسيّة الدوليّة لمعرفة المصدر الحقيقيّ للفيروس شرعت تزداد مؤخراً هي الأخرى.

 

بناء على هذه التطورات، قد تجد الصين نفسها وحيدة في مواجهة حملة إعلاميّة دوليّة تشكّك على الأقلّ في نزاهتها وجدّيتها في التعامل مع ملفّات ذات تداعيات صحّيّة واقتصاديّة دوليّة. ستتضرّر صورة الصين بشكل كبير لو تمّ التثبّت من صحّة هذه النظريّة. حتى قبل الوصول إلى تلك المرحلة، أزال "فايسبوك" الحظر الذي فرضه سابقاً على التداول بهذه النظريّة على منصّته، بمجرّد دعوة بايدن أجهزته الأمنيّة للتحقيق في مصدر الفيروس. وكانت إدارة بايدن نفسها قد أغلقت في وقت مبكر من ولايتها تحقيقاً في هذه الفرضيّة أطلقته الإدارة السابقة.

 

في مجلّة "واشنطن أكزامينر"، شبّه الصحافيّ جاكسون ريتشمان "كوفيد-19" بأنّه تشيرنوبيل الصين. بالتحديد، أشار إلى كيفيّة تعامل الصينيّين مع الفيروس، بطريقة تشبه تلك اعتمدها السوفيات مع انفجار تشيرنوبيل النوويّ في أوكرانيا، أي عبر محاولة التعتيم على الخبر. فبالرغم من إرادة موسكو عدم الكشف عن الحادث، التقط علماء أسوجيّون جزئيات مشعّة وتعقّبوها حتى وصلوا إلى أوكرانيا. كذلك، تابع الكاتب، أعلنت حكومة ووهان أنّ ما حصل هو مجرّد التهاب رئويّ نافية أن يكون معدياً. ورأى أنّ محاولة طمس الحقائق هي سمة من سمات النظامين الشيوعيّين.

 

"أهداف ذاتيّة"

ربّما تنتهي حدود المقارنة عند هذا الحدّ. إذا كانت حادثة تشيرنوبيل قد ساهمت في سقوط الاتّحاد السوفياتيّ، فإنّ "كوفيد-19" لن يساهم في إسقاط حكم الحزب الشيوعيّ الصينيّ في أيّ وقت قريب. لكنّ استقرار الحكم، على أهمّيّته، ليس كافياً بالنسبة إلى بيجينغ. ما يريده الرئيس الصينيّ شي جينبينغ هو تسريع "أفول" الدولة الأميركيّة كدولة عظمى في هذا العالم. وإعادة توجيه أصابع الاتّهام إلى الصين في سوء التعامل مع الفيروس ستضعها في موقف دفاعيّ لا يمكّنها من الترويج لـ"النموذج الصينيّ" كبديل عن "النموذج الأميركيّ".

 

مشكلة بيجينغ لا تنحصر في نظريّة التسرّب المخبريّ التي تكتسب زخماً قد يكون موقّتاً هو الآخر بالنظر إلى صعوبة تأكيد هذه الفرضيّة. المشكلة الحقيقيّة التي قد تتطلّب إلحاحاً في المعالجة هي إصرار بيجينغ على تسجيل "أهداف ذاتيّة" بحسب الكاتب السياسيّ فريد زكريّا. فهو رأى أنّ الصين دخلت في نزاعات أو أطلقت ردود فعل مبالغاً بها تجاه خطوت بعض الدول مما أدى إلى خسارتها مشاريع تجاريّة واستثماريّة كبيرة. كذلك، أثمرت ديبلوماسيّة "الذئب المحارب" صورة سلبيّة للصين وأفقدتها جزءاً كبيراً من قوّتها الناعمة، حيث بات الرأي العام الغربيّ أكثر مناهضة للصين خلال ثلاث سنوات فقط. (40 إلى 73% في كندا، 37 إلى 74% في المملكة المتحدة، 49 إلى 85% في أسوج...)

 

قد يكون من المبكر معرفة ما إذا كانت قوّة الصين الناعمة ستشهد المزيد من التآكل في المرحلة المقبلة. فالمعركة الإعلاميّة لا تزال في بداياتها وجدول الأعمال مكتظّ بنقاط التوتّر بين بيجينغ والكثير من العواصم الغربيّة.

 

 

 

 

 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم