السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

موقف ماكرون الأخير من إيران... لماذا يثير الالتباس؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والإيراني حسن روحاني يتصافحان على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، 2018 - "أ ب"
الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والإيراني حسن روحاني يتصافحان على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، 2018 - "أ ب"
A+ A-

أطلق الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون سلسلة مواقف الجمعة تعبّر – في الظاهر على الأقلّ – عن سياسة جديدة للإليزيه تجاه الملفّ النوويّ الإيرانيّ. في حديث إلى "العربيّة"، قال ماكرون إنّ التفاوض مع إيران سيكون "متشدّداً جدّاً" داعياً إلى ضمّ "شركائنا في المنطقة إلى الاتّفاق النوويّ، ومن ضمنهم السعوديّة".

 

ردّت إيران في اليوم التالي على كلام ماكرون عبر المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة سعيد خطيب زاده الذي ذكر أنّ الاتّفاق "متعدّد الأطراف وقد جرت المصادقة عليه عبر القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدوليّ. لذلك هو غير قابل للتفاوض الجديد على الإطلاق، كما أنّ أطرافه محدّدون ولا يمكن تغييرهم".

 

وصف ماكرون جانباً من جوانب التفاوض في 2015 بأنّه "خطأ" بما أنّ الاتّفاق النوويّ استبعد القوى الإقليميّة ودعا إلى عدم ارتكاب هذا الخطأ مجدّداً.

 

البحث عن الدور الضائع

بالنظر إلى السياسة الفرنسيّة المتساهلة تجاه إيران خلال السنتين الأخيرتين، يعدّ هذا الموقف مفاجئاً إلى حدّ كبير. انتقدت باريس جميع السياسات الأميركيّة الإيرانيّة، بدءاً من انسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتّفاق النوويّ وصولاً إلى محاولة تمديد الحظر الأمميّ على صادرات الأسلحة التقليديّة إلى إيران في تشرين الأوّل الماضي. ورفضت فرنسا أيضاً طلب الولايات المتحدة إطلاق "آليّة الزناد" لإعادة فرض جميع العقوبات الأمميّة على إيران بسبب خرقها الاتّفاق النوويّ. واستندت فرنسا إلى انتفاء عضويّة واشنطن في الاتّفاق النوويّ كي تطلق هذه الآليّة.

 

واختار ماكرون منصّة الأمم المتّحدة في أيلول الماضي لانتقاد الموقف الأميركيّ بشأن إيران. وقال إنّ "حملة الضغط الأقصى" التي أطلقتها الإدارة السابقة فشلت في تقييد نفوذ طهران الإقليميّ أو ضمان عدم حصولها على الأسلحة النوويّة. وأضاف حينها أنّ بلاده لن تجري "تسوية" حول تفعيل آليّة لم تعد واشنطن في وضع يسمح لها بتفعيله.

 

حتى حين أسقطت إيران الطائرة الأوكرانيّة عن طريق الخطأ في كانون الثاني 2020، جاء الردّ الفرنسيّ ضعيفاً وممتنعاً عن إطلاق أحكام حاسمة بعد أيّام على الحادثة. لم يكن الأمر مجرّد انتظار للتحقيقات، إنّما أيضاً رغبة فرنسيّة بلعب دور الوسيط بين الأميركيّين والإيرانيّين في النزاع، وفقاً لتحليل الكاتبة السياسيّة ريم ممتاز في مجلّة "بوليتيكو".

 

قد يكون هذا الدور الذي يبحث عنه ماكرون باستمرار هو المحدّد الأساسيّ لطبيعة التصريحات الفرنسيّة. اليوم، ومع تبدّل الهويّة السياسيّة للطرف الأميركيّ، بات على ماكرون إيجاد لغة ديبلوماسيّة جديدة لتقريب الإيرانيّين والأميركيّين. وفقاً لهذه الفرضيّة، بات على ماكرون رفع سقف التفاوض بما أنّ الإدارة الجديدة أكثر ليونة من الإدارة السابقة تجاه طهران.

 

ولا شكّ في أنّ ماكرون التقط الإشارة الصادرة من واشنطن عن رغبتها بتجديد العلاقة مع الحلفاء التقليديّين والتعاون معهم في القضايا الدوليّة ومن بينها الملفّ الإيرانيّ. تسمح رؤية بايدن تلقائيّاً بدور أوسع للأوروبّيّين وهذا ما يريد ماكرون استغلاله. مع ذلك، ثمّة سؤال عن فاعليّة المقاربة الفرنسيّة القاضية بتغيير اللغة الديبلوماسيّة مع تغيّر الإدارة الأميركيّة من دون أن يكون لباريس نظرة محدّدة إلى الاتّفاق النوويّ.

 

فهمٌ للموقف الخليجيّ؟

قد لا يكون بالإمكان فصل كلام ماكرون الأخير عن التصريحات التي أطلقها الأوروبّيّون مؤخّراً. فبعد رفع نسبة تخصيب اليورانيوم والعمل على إنتاج معدن البلوتونيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة النوويّة، قال الممثّل الأعلى للسياسة الخارجيّة الأوروبّيّة جوزيب بوريل إنّ الاتّفاق وصل إلى "منعطف حرج". وفي كانون الأوّل، أعلن وزير الخارجيّة الألمانيّ هايكو ماس أنّ "العودة إلى الاتّفاق النوويّ السابق ليست كافية في جميع الأحوال" وأنّ هنالك ضرورة لـ"اتّفاق نوويّ +" يكبح برنامج إيران الصاروخيّ البالستيّ. وأضاف: "لا ثقة لدينا بإيران".

 

لكلام ماكرون عن ضرورة إشراك دول الخليج العربي في أيّ اتّفاق مقبل وقعٌ إيجابيّ جدّاً لدى صنّاع القرار في تلك الدول. بطبيعة الحال، ترى حكومات الخليج العربيّ أنّها هي التي تقف في واجهة الصواريخ الإيرانيّة، أكانت تقليديّة أو نوويّة، لا الأوروبّيّون ولا الأميركيّون. بالتالي، من الطبيعيّ أن يكون لهذه الدول بالحدّ الأدنى رأي أساسيّ في أيّ مفاوضات مقبلة حول الاتّفاق النوويّ. وعلى أيّ حال، كان هذا ما طرحه وزير الخارجيّة أنطوني بلينكن خلال جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي.

 

ربّما تنوي واشنطن وباريس إشراك دول الخليج في المفاوضات لتأمين شرعيّة طويلة المدى للاتّفاق النوويّ المقبل – إن تمّ التوصّل إليه. فبعد اتّفاق 2015 دخلت المنطقة سلسلة اضطرابات لمّا تنتهِ إلى اليوم. قدرة ماكرون على الدفع بهذا الاتّجاه ستؤدّي دوراً أساسيّاً في هذا المفاوضات المقبلة. لكنّ هذا الأمر يحتاج إلى ثبات رأي فرنسيّ. من غير الواضح ما إذا كانت نظرة ماكرون الإيرانيّة قد تغيّرت بعد سنوات من الدفاع عن طهران. فتكتيك فرنسا في إعادة إحياء الاتّفاق النوويّ مُبهمٌ هو الآخر.

 

كان لافتاً للنظر في حديثه الإعلاميّ الأخير قوله إنّ وقتاً قليلاً يتبقى لمنع إيران من تطوير سلاح نوويّ. وهذا هو الهدف الواضح لقيام إيران بتعزيز نسبة تخصيب اليورانيوم حتى 20%، بما يقرّبها أكثر من القدرة على تصنيع سلاح كهذا. بالتالي، إنّ ما قاله ماكرون يفرض ضغطاً على الغربيّين أوّلاً لاستعجال التحرّك الديبلوماسيّ ويعطي الإيرانيّين هديّة مجانيّة تمكّنهم من المماطلة.

 

"ليست على خطأ"

لا يزال هنالك وقت لمعرفة ما إذا كان هنالك تغيير فرنسيّ استراتيجيّ تجاه النظرة إلى طهران. فعلاقة فرنسا الأمنيّة مع إيران الإسلاميّة بعيدة المدى. والأمر نفسه ينطبق على العلاقات التجاريّة أيضاً. وقبل إطلاق مبادرته اللبنانيّة عقب انفجار الرابع من آب، اتّصل ماكرون بترامب قائلاً إنّ العقوبات على "حزب الله" أنتجت مفعولاً عكسيّاً. ومن ضمن مجموعة الثلاث الأوروبّيّة (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) لا تزال فرنسا الوحيدة التي لم تصنّف "حزب الله" على لائحة الإرهاب، علماً أنّ دولاً أوروبّيّة كثيرة خارج هذه المجموعة عمدت إلى اتّخاذ هذا القرار. ومن غير المستبعد أن يرى ماكرون في إيران دولة تكبح التوسّع التركيّ في الشرق الأوسط، بصرف النظر عن مدى صحّة هذه المقاربة موضوعيّاً.

 

أيّاً تكن أسباب الموقف الأخير الذي أطلقه ماكرون، يبقى أنّ طبيعته "غريبة" كما وصفها الصحافيّ الفرنسيّ البارز جورج مالبرونو. ونقل عن خبيرة في الشؤون الإيرانيّة قولها إنّ التعليق يعيد فرنسا إلى موقف 2014 حين كان يحمل لوران فابيوس المطالب السعوديّة إلى مفاوضات جنيف. مع ذلك، هي تتساءل لماذا أصبح ماكرون فجأة طرفاً واضحاً في هذا الخلاف النوويّ بعدما بحث أشهراً عن تقريب المواقف.

 

"هي ليست على خطأ"، يعلّق مالبرونو.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم