ماذا يعني أن تكون الجائحة المقبلة أقرب ممّا يظنّ العالم؟

مع طرح عدد من اللقاحات لمواجهة "كوفيد-19"، بدأ العالم يتنفّس الصعداء. لكنّ هذه اللقاحات ليست الحلّ النهائيّ. لا يرتبط الموضوع بعدم فاعليّتها، بل باحتمال التوجّه إلى حقبة تتكرّر فيها الجوائح والكوارث الطبيعيّة باستمرار. يعود ذلك إلى ازدياد التشابك الاقتصاديّ والاجتماعيّ بين سكّان العالم إضافة إلى التغيّر المناخيّ وعوامل أخرى.
 
بناء على هذا الاحتمال، طرح الكاتب السياسيّ جورج فريديريخ سؤالاً جوهرياً عن مصير الحياة الثقافيّة في عالم كهذا، ضمن مقال نشرته صحيفة "دي فيلت" الألمانيّة (وترجمه إلى الإنكليزيّة موقع وورلد كرانش). والثقافة بالنسبة إليه ليست مجرّد هوايات شخصيّة يمارسها بعض الناس في سبيل الترفيه. إنّها المجتمع نفسه.
 
يشير فريديريخ إلى أنّ تقليص الرحلات الجوّيّة المخصّصة للأعمال هو مسار طويل الأمد وهو ممكن أساساً بفعل المؤتمرات الافتراضيّة والشبكة العنكبوتيّة. لكنّ السياحة ستعود إلى ما قبل تفشّي "كورونا". حتى من دون انتشار الجائحة، كانت الإنفلونزا العاديّة تتسبّب بوفاة الآلاف سنوياً، كما حصل في المانيا حين توفي 25 ألف شخص في شتاء 2017 و 2018. ويمكن أن تصبح الجوائح المستقبليّة أمراً روتينيّاً كالإنفلونزا العاديّة.
 
يعتقد فريديريخ بوجود صعوبة في تحسين النظام الصحّيّ وإعادة هيكلة التعليم والتدريب إذا فرض وباء نفسه على الدول بما فيه الدول القوية اقتصادياً كألمانيا. حتى مع وضع هذا الاعتبار جانباً، سيتأثر القطاع الثقافيّ بشكل واسع: السينما، المتاحف، المسارح، الحفلات الموسيقية، عالم الرياضة، الاحتفالات العامّة، المدارس، الزيجات والمآتم...
من المهمّ أن يتحرّك السياسيّون سريعاً لتطبيق الإجراءات الوقائيّة الضروريّة. لكنّ الكاتب يعبّر عن صدمته من سهولة قبول المجتمع بالقيود حتى من دون تفكير، وهي قيود توصل الحياة الثقافية إلى طريق مسدود.
 
ودعا القرّاء للتفكير في الناس الذين يكسبون قوتهم من القطاع الثقافي: الموسيقيين، أصحاب دور السينما، الممثلين، المديرين، أصحاب المطاعم، المدربين، الرياضيين وغيرهم. يعيش هؤلاء اليوم على حساب الدولة. بصرف النظر عما إذا كان بالإمكان توفير المال لهم بشكل دائم، ثمة سؤال عمّا يعنيه أن يكون الإنسان معتمداً على الدولة عوضاً عن أن يمارس تطلّعاته المهنية.
 
وبسبب هشاشة هذا القطاع أمام الجوائح، سيغادره كثر للبحث عن وظائف في مجالات أخرى. ولا يرتبط الموضوع بالمال وحسب بل بالقدرة على التخطيط والتنفيذ والتي تجعل للحياة معنى. ومع انتهاء الجائحة، سيكون الناس قد تخلوا عن عادة الذهاب إلى المسارح أو دور السينما أو الحانات أو الملاعب واستبدلوها بعادات منزلية، كمشاهدة التلفاز أو البقاء على الإنترنت وغيرهما.

حذّر الكاتب من الدعوة إلى التأقلم مع هذا الواقع الجديد. فالمؤسسات الثقافية، بدءاً بالمسارح وصولاً إلى الحانات ليست أماكن تسلية وحسب، بل هي أماكن للتعارف وكسب الأصدقاء والالتقاء بشريك الحياة وتبادل الأفكار والأهداف وأنماط العيش المختلفة. هي الأماكن التي تظهر التنوّع في المجتمعات وفقاً لفريديريخ.
 
وأضاف أنّ مجتمعاً مستعدّاً للتضحية بكل هذه المزايا لتخفيض مخاطر التقاط العدوى، لن يتغيّر بشكل دراميّ خلال الجائحة، بل سينهار، وعلى الناشطين منع ذلك كما ختم.