الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل خسر ماكرون حظوظه الرئاسيّة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - "أ ب"
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - "أ ب"
A+ A-

على بعد حوالي عشرة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لم يتلقّ الرئيس إيمانويل ماكرون أخباراً سارة بخصوص حظوظ الفوز بولاية ثانية. ولم يكن وضع رئيسة "التجمع الوطني" مارين لوبن أفضل حالاً. في الأشهر الأخيرة، لخّصت ثنائيّة ماكرون-لوبن الجزء الأكبر من المشهد الفرنسيّ. وبمقدار ما في هذه الثنائيّة من تضاد، بمقدار ما تحمل أيضاً من تناغم في مواجهة الأحزاب التقليديّة. تجسّد لوبن اليمين المتطرّف الذي نما على حساب اليمين التقليديّ، بينما قدّم ماكرون نفسه بصفته وسطيّاً نما أيضاً على حساب جزء من اليمين واليسار علماً أنّه آتٍ من خارج أحزابهما التقليديّة.

 

"فاقد للوعي"

أعادت الانتخابات الأخيرة خلط أوراق المشهد الفرنسيّ الداخليّ: ثنائيّة ماكرون-لوبن تفقد بريقها لصالح عودة الأحزاب التاريخية. بالنسبة إلى ماكرون تحديداً، لم يسبق أن حقّق أيّ حزب في السلطة نتيجة بهذا الضعف في هذا النوع من الانتخابات. فشل ماكرون بالفوز في أيّ إقليم. وكذلك لوبن. يرى فيليب مابيّ في موقع "لا تريبون" أنّ "الجمهورية تسير (اسم حزب ماكرون) لم تعد تسير"، منتقداً تهرّب ماكرون من الواقع عبر القول إنّ تلك الانتخابات محلّيّة بحتة. وأضاف أنّه مع الامتناع القياسيّ عن المشاركة (نسبة اقتراع قاربت 33%) وحصول حزبه على حوالي 7% من نسبة التصويت، "على المرء أن يكون فاقداً للوعي حتى لا يلقي نظرة واضحة على ما حدث يومي الأحد الماضيين".

ليس هنالك من إجماع حول كيفيّة قراءة الاستحقاق الرئاسيّ بناء على الانتخابات. بالنسبة إلى ريشار ويرلي من صحيفة "لو تان" السويسرية، تمنع نسبة المقاطعة المرتفعة من "استنتاج الكثير من الدروس" حول رئاسيّات 2022، فدعا إلى صرف النظر عن "الاستنتاجات المتسرّعة جداً". من جهتها، ذكرت صحيفة "ألموند" الفرنسيّة أنّه لولا تدنّي نسبة الاقتراع بشكل قياسيّ، لأمكن الإشارة إلى أنّ انتصار "العالم القديم" (الأحزاب التقليدية) هو انتصار "كامل". ورأت الصحيفة في إجابات مقاطعي الانتخابات عن أسباب خياراتهم "تراجعاً ديموقراطياً حقيقياً". فقد قال 27% منهم إنّهم يريدون تأكيد امتعاضهم من السياسة، 23% إنّهم غير راضين عن اللوائح، 20% إنّ لديهم انشغالات أخرى، 18% أعربوا عن عدم اهتمامهم بالموضوع، بينما أوضح الباقون أنّ صوتهم لن يحدث أيّ فارق. وسجّلت نسبة الاقتراع في الدورة الثانية من الانتخابات الإقليمية 34.69% منخفضة بذلك بنسبة 25% عن الانتخابات الأخيرة التي جرت سنة 2015.

 

ظاهرة "السترات الصفر"

لا يعتقد جميع المراقبين أنّ هذه المقاطعة هي تعبير عن "تراجع ديموقراطيّ حقيقيّ". فجان-فرانسوا بوثور من موقع "أويست-فرانس" يؤكّد أنّ من حقّ الشعب في ظلّ الحكم الديموقراطيّ مقاطعة الانتخابات وهو بذلك يمارس شكلاً من أشكال السيادة. وأشار إلى وجود ترابط بين المقاطعة وحركة "السترات الصفر" التي رفضت السياسة. بحسب رأيه، يمكن الفرنسيّين أن يكونوا راضين عن الغضب الفوري والمستمر، "لأنّهم لم يعودوا يؤمنون بأنّ السياسة كما هي (لا)تمارس قادرةٌ على موجهة تحدّيات العصر".

تؤكّد نسبة الاقتراع المتدنّية صعوبة رسم تكهّنات بشأن رئاسيّات 2022. فهي تظهر أنّ الغموض لا يزال يكتنف نوايا الفرنسيّين تجاه ذلك الاستحقاق، وفقاً لما كتبه فرانسوا-كزافييه بورمو في صحيفة "لو فيغارو". مع ذلك، لا يمكن تماماً تفادي طرح الأسئلة عن توجّهات الناخبين السياسية في السنة المقبلة انطلاقاً من المؤشّرات الأخيرة. بات "الجمهوريون" يطرحون نفسهم الآن على أنّهم القوة السياسية الأولى في فرنسا. واحتفظ الحزب الاشتراكيّ بالتحالف مع أحزاب يساريّة بخمسة أقاليم من أصل ثلاثة عشر، فيما فاز يمين الوسط وفي مقدّمته "الجمهوريّون" بالبقيّة. وبالنسبة إلى الأرقام، حصل ماكرون على 6.7% من الأصوات، ولوبان على 19.8%، أمّا اليمين واليسار فقد حصدا على التوالي 38.8% و34.7% من الأصوات.

تقول اختصاصيّة العلوم السياسية في مؤسّسة "جان جوريس" كلوي موران إنّ التحليل عن عودة اليسار واليمين إلى الساحة السياسية لا ينعكس في استطلاعات الرأي لانتخابات 2022 مشيرة إلى أنّ الانتخابات تنفصل بشكل متزايد عن بعضها وأنّ الناخبين ينتمون إلى بنى مختلفة عن تلك التي تحدّد الانتخابات الرئاسيّة.

 

"إذلال" غير مدمّر؟

في ما سمّاه "الهزيمة المذلّة" لماكرون ولوبان، يرى جوناثان ميلر من مجلة "سبكتايتور" أنّ حزب الرئيس الفرنسيّ انهار، والأسوأ، أنّ "خصمه المفضلّ" مارين لوبن خسرت ما تبقى من صدقية حول كونها بديلاً جدياً له. وذلك قد يتركه أمام محافظ تقليدي السنة المقبلة لن يخضع للإقصاء مسبقاً كما حصل منذ أربعة أعوام مع فرانسوا فيون بفعل تحقيق جنائي. على عكس سائر المحلّلين، يبدو ميلر متأكّداً من خسارة ماكرون بعد عام، فهو "نرجسيّ وبغيض، يقود جيشاً مدعوماً من النخبة الإعلامية والبورجوازية الباريسية، لكن بدون جنود". أمّا لوبن فقد لا تصل إلى الدورة الثانية من الانتخابات خصوصاً إذا ترشّح الكاتب السياسيّ اليمينيّ المتطرّف إريك زيمور.

ليس الأمر بهذه البساطة لدى آخرين. لوينيل لوران الذي يغطي شؤون فرنسا والاتحاد الأوروبي لشبكة "بلومبيرغ" يذكر أنّ استطلاع رأي لشركة "هاريس" أجري الأسبوع الماضي أظهر أنّ تأييد ماكرون وصل إلى 50% وهو الأعلى خلال عام. ويوضح لوران أنّ القيادة اليوم ترتبط بالإنفاق أكثر من ارتباطها بالإصلاح حيث وصل الدين العام إلى نسبة 100% من الناتج القوميّ. وعلى الرغم من اعترافه بأنّه لا يمكن إسقاط يمين الوسط من المعادلة، يشير إلى أنّ على ماكرون معالجة نقطة الضعف التي يعاني منها: النجاح في كبت غضب المواطنين من "كورونا" عبر رفع الإغلاق وزيادة الإنفاق، إنّما يقابله فشل في تقديم رؤية حقيقيّة للمستقبل.

كسب ماكرون ولوبن ثقة كبيرة في الاستطلاعات الماضية بشأن وصولهما المؤكّد إلى الدورة الثانية من الاستحقاق الرئاسيّ. لكن بالحدّ الأدنى، فرضت نتائج انتخابات المقاطعات والأقاليم ظلالاً من الشكّ على هذه القناعة. بالمقابل، هي تمثّل أيضاً فرصة للمسؤولَين لإعادة التفكير بمساريهما وإطلاق مرحلة نقد ذاتيّ، قد لا يكون نطاقها الزمنيّ كافياً لإعادة ضبط الحملات الانتخابية.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم