الأربعاء - 17 نيسان 2024

إعلان

كيف قد يؤثّر تسجيل ظريف على محادثات فيينا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ضابطة شرطة عند مدخل فندق "غراند"، حيث تجري محادثات الاتفاق النووي في فيينا (تعبيرية- أ ف ب).
ضابطة شرطة عند مدخل فندق "غراند"، حيث تجري محادثات الاتفاق النووي في فيينا (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-

قبل انتشار التسجيل الأخير لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يوم الأحد، لم يكن بالإمكان التأكد ممّا إذا كان المفاوضون الإيرانيون في فيينا متمتّعين بصلاحيات واسعة في تقديم العهود. ازدادت الشكوك اليوم تجاه الموضوع. مع ذلك، لم يكشف ظريف في التسجيل الأخير الكثير من أسرار نظرته إلى الحرس الثوريّ. وقال رئيس الديبلوماسية الإيرانية إنّ الحرس يملك نفوذاً في الشؤون الخارجية، ومن ضمنها الملف النووي، أكثر مما يتمتّع به شخصيّاً.

 

يذكّر كلامه بالامتعاض الموقّت الذي أبداه ظريف حين زار الرئيس السوري بشار الأسد، إيران، ليلتقي المرشد الأعلى علي خامنئي، والقائد السابق لـ"قوة القدس" قاسم سليماني، بينما تمّ تغييبه عن اللقاء. حينذاك، طوي الموضوع سريعاً وتراجع ظريف عن استقالته بعدما أبدى سليماني احترامه لدور وموقع وزارة الخارجيّة.

 

بين الإيذاء والخدمة

انتشر التسجيل بالتوازي مع المفاوضات الجارية في فيينا. لم ينفِ ظريف التسجيل المنسوب إليه، واضعاً كلامه في إطار تصحيح السياسات الداخلية وجعل الديبلوماسية والميدان "يتكاملان". بينما تلقّى انتقادات قاسية جدّاً من المحافظين الذين اتّهموه فيها بـ"الخيانة" و"التشهير" بسليماني. يقول الباحث البارز في "مركز التقدم الأميركي"، والمسؤول السابق المعنيّ بملف الشرق الأوسط في ولاية أوباما، إيلان غولدنبرغ، إنّ "التنافس السياسيّ حول الانتخابات الإيرانية يبدأ بجعل إتمام هذا الاتفاق صعباً فعلاً"، مضيفاً أنّ "هذا هو الأمر الذي يمكن أن يقتل تلك المفاوضات".

 

قال ظريف في التسجيل إنّه "خلال عملي، لم أستطع، ليس الأمر أنّني لم أرد، إخبار القائد الميداني، أنِ (افعل هذا، أحتاج إليه لأغراض ديبلوماسية)". وشدّد في المقابلة التي أجراها مع الخبير الاقتصادي سعيد ليلاز، في 24 شباط الماضي، على أنّ ما يقوله ليس للنشر. كما ذكر أيضاً أنّ رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، علم بالردّ الإيرانيّ على اغتيال سليماني، وكذلك الأميركيون، قبل أن يعلم هو بالأمر. ويرى الباحث غير المقيم في "المجلس الأطلسي" سينا أزودي، أنّ التسجيل الأخير "يقيّد أيدي المفاوضين". فهو يظهر ظريف كشخص "غير أهل للثقة داخلياً"، ويقدّم عن السياسة الخارجيّة الإيرانيّة صورة أنّها خاضعة لإملاءات الجيش وأنّ "ظريف ليس أحداً". وفي حين يبدو نشر التسجيل هادفاً إلى إيذاء ظريف، ثمّة احتمال آخر في استهدافه تعزيز موقعه داخلياً بحسب تحليل الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط كسرى أعرابى.

 

الدور الروسي

ما لفت النظر أيضاً، هو إعلان الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني، خلال دفاعه عن ظريف، أنّ بعض تعليقات الأخير في التسجيل لا تعبّر عن وجهة نظر الحكومة. وقال أيضاً إنّ "الديبلوماسية والميدان لا يعارضان بعضهما البعض"، مشيداً في الوقت نفسه بدور سليماني "المميّز".

 

لم يكن كلام ظريف انتقاديّاً بمجمله لسليماني. فهو أشاد بتعاونهما خلال التحضير للاجتياح الأميركيّ لأفغانستان والعراق. لكن في ما يخصّ الديبلوماسيّة، أعلن ظريف في التسجيل أنّ الحرس الثوري عمل مع روسيا التي وضعت "كلّ ثقلها" كي تعرقل تطبيع العلاقات بين إيران الغرب. لهذا السبب، سافر سليماني إلى موسكو من أجل "هدم إنجازنا" في الاتفاق النووي.

 

سبب إقحام روسيا في الخلافات الداخلية حول السياسة الخارجيّة قد يكون بهدف تعزيز شعبيّة ظريف - إذا أراد المراقبون الانحياز لفرضية أنّ تسريب التسجيل يخدم الإصلاحيّين في إيران. ينظر الشعب الإيرانيّ إلى العلاقات مع روسيا بريبة بسبب التاريخ المتأزّم بينهما. في كلام ظريف أيضاً انتقاد ضمنيّ قويّ للمرحلة التي تلت التوقيع على الاتّفاق النوويّ والتي تميّزت بالشراكة الميدانيّة في الحرب السوريّة. فبينما يقول المناهضون الأميركيّون للاتّفاق إنّ الأخير سمح بتحويل المليارات إلى إيران لكي تموّل حربها في سوريا، يتبرّأ ظريف من هذه السياسة واصفاً إيّاها بأنها تقويض للاتّفاق النوويّ. كما ينتقد ضمناً دور المتشدّدين في صياغة الاستراتيجيّة الإيرانيّة الإقليميّة بعد تمّوز 2015. وقال ظريف إنّ سليماني رفض وقف تخصيص الطيران الوطنيّ الإيرانيّ لغايات عسكريّة سوريّة، على الرغم من اعتراض وزير الخارجية على ذلك.

 

فرضيات أخرى

قد يستفيد ظريف شعبيّاً من التسجيل، عبر إظهار نفسه على أنّه ضحيّة إجهاض داخليّ وخارجيّ للاتّفاق النوويّ، وعبر الإشارة إلى أنّ انهيار الأخير وتداعياته الماليّة السلبيّة على الوضع الاقتصاديّ الإيرانيّ لا يتحمّل الإصلاحيّون مسؤوليته، بل إنّهم أصحاب "إرث" سياسيّ هدمه المتشدّدون والروس، كما كان أوباما وبايدن صاحبَي إرث هدمه ترامب.

 

إذا استفاد ظريف شعبيّاً من التسجيل، فالسؤال الجوهريّ هو عن المكان الذي يمكن أن تُصرف فيه هذه المكاسب. بحسب المؤشّرات، لن يخوض ظريف المعركة الرئاسيّة بسبب عدم توافر النيّة، ولأسباب داخليّة جعلته بحكم "المحاصَر"، وفقاً لما قاله باحثون لـ"النهار" سابقاً.

 

لا يستبعد مراقبون آخرون أن يكون "النظام" الإيرانيّ، بشقّيه المحافظ والإصلاحيّ، وراء هذا التسريب. الهدف من ورائه إظهار وجود صراع داخليّ حول روح الثورة من أجل تحفيز الناخبين على التوجّه إلى صناديق الاقتراع في حزيران المقبل. وإلى الآن، من المرجّح أن تكون نسبة الاقتراع منخفضة للغاية، الأمر الذي يضع شرعيّة النظام على المحكّ. وحذّرت شركة "إيسبا" الإيرانية لاستطلاعات الرأي من أن تصل نسبة الإقبال إلى حوالي 39%.

 

ويمكن أن يكون نشر التسجيل تذكير للمفاوضين الغربيّين بتسريع المحادثات قبل مجيء المتشدّدين وإغلاق فرصة التفاوض. في نهاية المطاف، كان ظريف نفسه من مروّجي هذه النظريّة. شكّك ديبلوماسيّ غربيّ بما قاله ظريف حول نيّة الروس عرقلة التوصّل إلى اتفاق نوويّ قبل تمّوز 2015. وأعرب عن اعتقاده أنّ مفاوضات فيينّا لن تتأثّر بالتسجيل إلّا "إذا تأذّى فعلاً ظريف" في الداخل. مع ذلك، لم يعطِ الديبلوماسيّ رأيه عمّا إذا كان هذا التسجيل سيخدم طهران في التعجيل بالمفاوضات لو لم يتضرّر منه ظريف.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم