الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

2021... سنة القلق الكبير في أوكرانيا

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي - "أ ف ب"
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي - "أ ف ب"
A+ A-

تحتلّ التوتّرات الروسيّة-الأوكرانيّة صدارة المشهد الدوليّ بما أنّها الملفّ الأكثر قابليّة للاشتعال السنة المقبلة. بعد سبعة أعوام على ضمّ روسيا القرم ودعمها انفصاليين في منطقة دونباس، سقط نحو 14 ألف قتيل بسبب النزاع. اليوم، ثمّة احتمال جدّيّ في توسّع النزاع أكثر مع توقّعات أوّليّة بشنّ روسيا اجتياحاً جديداً في شرق أوكرانيا والتوغّل في أراض تبلغ مساحتها ضعفي مساحة منطقة دونباس.

 

يعود ذلك إلى حشد روسيا نحو مئة ألف جندي ومدرعات ومدافع على الحدود مع أوكرانيا. وتقاطعت معلومات رسميّة نقلتها صحيفة "واشنطن بوست" مع معلومات لوزارة الدفاع الأوكرانيّة تشير إلى احتمال شنّ روسيا هجوماً عسكرياً في أوائل 2022. لكنّ الحشود العسكريّة الروسيّة لم تكن الأولى من نوعها في السنة الحالية.

 

جدول زمنيّ

بدأت سنة 2021 مع "قبول جزئيّ" للمحكمة الأوروبّيّة لحقوق الإنسان للشكوى التي تقدّمت بها أوكرانيا ضدّ روسيا تقول فيها إنّ انتهاكات حقوقيّة تقع في شبه جزيرة القرم. في 26 شباط، قال الرئيس الأميركيّ جو بايدن إنّ بلاده لن تقبل "أبداً" بضمّ القرم. في 5 آذار، شجبت أوكرانيا ارتفاع حدّة النزاع في شرق البلاد ودعت الغرب إلى التدخّل. ردّت روسيا مبدية تخوّفها من وقوع "حرب شاملة".

 

وفي 1 نيسان، أعلن الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي أنّ موسكو حشدت جنودها في القرم وعلى الحدود مع بلاده. قالت روسيا إنّه ما من داعٍ للقلق وإنّها تحرّك جنودها "بحسب استنسابيتها" داخل حدودها. وفي اليوم التالي، طالب الكرملين كييف بوقف "الاستفزاز". في هذا الوقت، أعلن بايدن عن دعم بلاده لأوكرانيا بشكل "لا هوادة فيه".

 

في 6 نيسان، قالت روسيا إنّ انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) "سيزيد الوضع سوءاً". في 13 نيسان، وصف الناتو البناء العسكري الروسي بأنه "كبير" و"غير مبرر". وفي وقت اتّهمت روسيا الغرب بتحويل أوكرانيا إلى "برميل بارود"، حثّ بايدن نظيره الروسيّ فلاديمير بوتين على تخفيف التوتّرات. وفي 22 نيسان، أمرت روسيا بسحب جزء من قوّاتها عن الحدود الأمر الذي أنهى الجولة الأولى من التوتّرات.

 

بعد قرابة شهر على الخطوة الروسية، أعلنت موسكو وواشنطن أنّ الرئيسين بوتين وبايدن سيعقدان قمّة في جنيف. ليس مؤكّداً ما إذا كانت القمّة ثمناً لتخفيف روسيا التصعيد، لكنّ احتمالاً كهذا لا يسقط من الحسابات خصوصاً أنّ التحضيرات للقمّة كانت قد بدأت قبل ذلك، مع لقاء وزيري الخارجيتين سيرغي لافروف وأنتوني بلينكن في 19 أيار في آيسلندا. ضآلة الفاصل الزمنيّ بين بداية التهدئة ولقاء لافروف-بلينكن تعزّز هذه الفرضيّة.

 

انتصار موقّت... وعودة التوتّر

عبّرت القمّة عن انتصار موقّت للديبلوماسيّة حيث اتّفق الطرفان على إعادة سفيريهما إلى موسكو وواشنطن. لكنّ البعض أخذ على بايدن "شكره" بوتين لقبوله بعقد القمّة، ممّا أعطى تصوّراً بأنّ العرض أتى من واشنطن لا من موسكو. وكان التشديد الأكبر خلال القمّة على إطلاق تشاور بشأن الأمن السيبيرانيّ. وحقّق الطرفان تقدماً على هذا الصعيد وفقاً لما كتبه دايفد إغناسيوس في صحيفة "واشنطن بوست" في 19 تشرين الأوّل الماضي. وفي مقاله الذي أشار فيه إلى بدء "ذوبان جليد" العلاقات بين الدولتين، حذّر إغناسيوس من أنّ "متلازمة هافانا" التي تؤثر على ديبلوماسيين ورجال استخبارات أميركيين في الخارج والتي يُعتقد أنّها هجمات روسيّة تستخدم أنظمة طاقة معيّنة للتأثير على صحّة الديبلوماسيين، قد تعيد حالة التجمّد. لكنّ ما أعادها فعلاً لم تكن هجمات كهذه بل إعادة حشد القوّات الروسيّة على الحدود مع أوكرانيا.

 

في الواقع، وبالتوازي مع بعض الخطوات الإيجابيّة البطيئة التي حقّقها البلدان كانت هنالك ملامح انتكاسات ترتسم في الأفق. بدأ التوتّر في 6 تشرين الأوّل، مع طرد الناتو ثمانية ديبلوماسيين روس من المهمّة الديبلوماسيّة التي تحتفظ بها موسكو في بروكسل بعدما اتّهمهم بالتجسّس. وقال الحلف إنّ الديبلوماسيّين كانوا موظّفين في الأجهزة الاستخبارية الروسية وقد انخرطوا في نشاطات غير ودّيّة. ردّت موسكو على هذا القرار من خلال تعليق مهمّتها الديبلوماسيّة في العاصمة البلجيكيّة. وفي تشرين الثاني، أعلنت روسيا أنّ القادة الأوكرانيّين يحاولون جرّ موسكو إلى النزاع في شرق أوكرانيا. وتنفي روسيا تورّطها بالصراع الدائر في الدونباس.

 

في 29 تشرين الثاني، قال بوتين إنّ بلاده ستضطرّ للتحرّك إذا تمّ انتهاك "خطوطها الحمراء" في أوكرانيا عبر نشر بعض أنواع الأسلحة على أراضيها. بعد أيّام، ردّ بايدن على هذا الكلام بعدما سأله عنه أحد المراسلين قائلاً إنّه لا يقبل الخطوط الحمراء من أحد. وهدّد المسؤولون الأميركيّون بفرض أكلاف كبيرة على روسيا في حال شنّها الهجوم.

 

قمّة ثانية ونتائج شبه معدومة

مجدّداً، ساهمت الحشود العسكريّة الروسيّة على الحدود الأوكرانيّة بعقد بايدن وبوتين قمّة ثانية، افتراضيّة هذه المرّة، في السابع من كانون الأوّل. خلال القمّة، حذّر الرئيس الأميركيّ نظيره الروسيّ من أنّ بلاده ستتّخذ خطوات لم تتّخذها سنة 2014 عقب ضمّ روسيا للقرم.

 

ومن بين الإجراءات المحتملة، فرض عقوبات على شركات وبنوك روسيّة وعلى مشروع "نورد ستريم 2" وإمكانيّة طرد موسكو من نظام التراسل الدوليّ "سويفت". وقال بايدن إنّ الولايات المتحدة مستعدّة لـ"تأمين المزيد من التجهيزات الدفاعيّة للأوكرانيّين" و"تحصين حلفائنا الأطلسيّين على الجناح الشرقيّ". من جهته، طالب بوتين بايدن بـ"ضمانات قانونيّة موثوق بها" حيال عدم توسيع الناتو شرقاً وعدم نشر أسلحة هجوميّة على الأراضي الأوكرانيّة.

لم تنتج القمّة الافتراضيّة التهدئة المتوقّعة. بعد يومين على انعقادها، قال بوتين إنّ ما يحدث في دونباس "يشبه الإبادة" بينما قارن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف التوتّر الحاليّ بذاك الذي شهده العالم خلال أزمة صواريخ كوبا سنة 1962. جاء ذلك بعدما اقترح بايدن فكرة حوار أميركيّ-روسيّ-أطلسيّ بشأن وقف توسّع الناتو شرقاً وهذا ما رأى فيه البعض "تدميراً للناتو". وأجرى بايدن اتصالاً بزيلينسكي وبقادة "بوخارست التسع" الذين يمثّلون الدول الواقعة في الجناح الشرقيّ للناتو لطمأنتهم بشأن الالتزام الأميركيّ.

 

وفي 17 كانون الأوّل، تقدّمت موسكو بمقترح معاهدة كرّرت فيه مطالبها بـ"ضمانات أمنيّة" من بينها "عدم تأسيس قواعد عسكرية" أو الانخراط في "نشاطات عسكريّة" على أراضي دول سوفياتيّة سابقة أو كانت حليفة للسوفيات، وهي لا تنتمي حالياً للناتو. كما طالبت أيضاً بوقف التمدّد الأطلسيّ شرقاً.

 

من المتوقّع أن يجري المسؤولون الأميركيّون والروس محادثات بشأن هذه المطالب في العاشر من كانون الثاني المقبل. كذلك، من المتوقّع أن يلتقي المسؤولون الروس والأطلسيّون في اجتماع آخر يوم 12 كانون الثاني، بينما ستعقد منظمة الأمن والتعاون في أوروبا اجتماعاً في الثالث عشر منه. وسئل بايدن الثلاثاء عن احتمال عقد لقاء مع بوتين بداية الشهر المقبل فأجاب: "سنرى".

 

لماذا لا تزال كييف قلقة؟

رأى "مجلس العلاقات الخارجيّة" أنّ سجلّ بايدن في التعامل مع الأزمة كان متوسّطاً. هو نجح بالإبقاء على تماسك الموقف الغربيّ المتشدّد تجاه روسيا وبمنع دول أوروبية من فتح خطوط تواصل انفراديّ مع بوتين، لكنّ بايدن وحلفاءه لم يبدوا التشدّد نفسه في مسألة مهمّة أخرى. وصف مسؤولون أميركيون طلب روسيا إزالة القوات والأسلحة الأطلسية من دول "الناتو" بـ"غير المقبول"، لكنّهم لم يبدّدوا الانطباع بأنّهم قد يوافقون على هذا المطلب أو بأنّ تهديدات بوتين هي التي أجبرتهم على مناقشتها.

 

وأشار المجلس إلى أنّ سجلّ بايدن كان الأضعف في مجالي الردّ على تحميل بوتين الغرب مسؤوليّة التصعيد والتخفيف من أهمية الإجراءات غير الاقتصاديّة التي يمكن أن يحتاج إليها الغرب حيث لم يحتفظ الناتو بوجود عسكريّ دائم في شرق أوروبا. بحسب رأيه، إنّ نجاح بايدن في التعامل مع الأزمة الحالية سيقاس بقدرة واشنطن على البقاء حرّة في إعطاء الحلفاء والشركاء الدعم الذي يحتاجونه لإبقاء أوروبا في حالة سلام.

 

هل ينجح بايدن في هذا التحدّي؟ الجواب متروك للاجتماعات والقمم المقبلة. لكنّ الأجواء في أوكرانيا تحديداً لا تحمل الكثير من التفاؤل. لا يزال القلق يساور كييف من حصول تسوية أميركيّة-روسيّة على حسابها خصوصاً إذا قبِل بايدن بعدم ضمّها إلى حلف شمال الأطلسيّ أو حتى إذا قبِل بتفسير اتفاقية "مينسك 2" وفقاً للتصوّر الروسيّ لا الأوكرانيّ. المطالبات الأوكرانيّة بـ"عدم بيع" البلاد إلى بوتين تؤكّد وجود شعور متشائم كهذا.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم