وفد طالبان نقل تطمينات إلى الصين حول الإيغور وبلينكن يحذر من تحول أفغانستان "دولة منبوذة"

 
طمأن وفد رفيع من قادة طالبان خلال زيارته الصين أن الحركة لن تسمح باستخدام أفغانستان كقاعدة لشنّ هجمات تستهدف أمن دول أخرى، في وقت يثير التقدم الميداني للمتمردين أمام القوات الافغانية خشية دول مجاورة بينها الصين.
بدأ وفد من طالبان الثلثاء زيارة للصين تستمر يومين، وفق ما قال الناطق باسم الحركة محمّد نعيم ل"وكالة الصحافة الفرنسية" في كابول، على وقع استمرار الاشتباكات في أفغانستان في مناطق واسعة، بينها تلك الحدودية مع الصين.
ويتقاسم البلدان حدوداً بطول 76 كيلومتراً، عبارة عن مرتفعات شاهقة لا تتخللها أي معابر حدودية. لكن الحدود التي تمتد بمحاذاة منطقة شينجيانغ ذات الغالبية المسلمة، تشكّل مصدر قلق كبير لبيجينغ التي تخشى أن يستخدم الانفصاليون الأويغور أفغانستان كنقطة انطلاق لشن هجمات.
وقال نعيم إن متمردي طالبان "أكدوا للصين أن الأراضي الأفغانية لن تُستخدم ضد أمن أي بلد كان". وتعهّد المسؤولون الصينيون بدورهم "بعدم التدخل في الشؤون الأفغانية، إنما على العكس المساعدة في حلّ المشاكل وإرساء السلام"، وفق نعيم.
وعقد الوفد المؤلف من تسعة أعضاء بقيادة المسؤول الثاني في حركة طالبان الملا عبد الغني بارادار "لقاءات منفصلة مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونائب وزير الخارجية والممثل الصيني الخاص لشؤون أفغانستان"، بحسب نعيم الذي لم يكشف عن مكان الاجتماعات.
وأكدت بيجينغ من جهتها مضمون المحادثات التي ترأسها من الجانب الصيني وزير الخارجية وانغ يي.
وفي كابول، حضّ الرئيس الأفغاني أشرف غاني المجتمع الدولي على "مراجعة رواية طالبان لناحية استعدادها وأنصارها لتبني حل سياسي". وحذر في كلمة ألقاها الأربعاء من أنه "من حيث الحجم والنطاق والتوقيت، نواجه غزواً غير مسبوق خلال الثلاثين عاماً الماضية".
وأضاف: "هؤلاء ليسوا طالبان القرن العشرين... لكن ترجمة للعلاقة بين الشبكات الإرهابية العابرة للحدود والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود".
وتزامنت مواقف غني مع تحذير وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن من الهند الأربعاء، من أن أفغانستان ستصير "دولة منبوذة" في حال سيطرت طالبان على الحكم بالقوة و"ارتكبت فظائع ضد شعبها".
ويقول محللون إن الصين، التي تعلن تبنيها سياسة خارجية تقضي بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، تشعر بالقلق إزاء الأجندة الدينية المتشددة لمتمردي طالبان، لقربهم من منطقة شينجيانغ.  
وتمنح الاجتماعات في الصين شرعية للحركة التي تتوق إلى اعتراف دولي - وغطاء ديبلوماسي محتمل في الأمم المتحدة- لمواكبة توسّعها العسكري في أنحاء البلاد.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان للصحافيين في بيجينغ: "أشار وانغ يي إلى أن حركة طالبان الأفغانية قوة عسكرية وسياسية حاسمة في أفغانستان". 
وأضاف: "التزمت الصين طوال الوقت بعدم التدخل في شؤون أفغانستان الداخلية... فأفغانستان هي ملك الشعب الأفغاني"، بما يتناقض مع "فشل السياسة الأميركية تجاه أفغانستان". واعتبر أنه لدى الشعب الأفغاني اليوم "فرصة مهمة لتحقيق الاستقرار وتطوير بلده".
 
مكاسب واسعة 
في الأشهر الاخيرة، تكثّف حركة طالبان جهودها الديبلوماسية، في مسعى لانتزاع اعتراف دولي مع أملها بتولي مقاليد السلطة مجددا على وقع تقدمها العسكري السريع.
وتشنّ الحركة منذ مطلع أيار هجوما واسع النطاق ضد القوات الأفغانية تمكنت خلاله من السيطرة على مناطق ريفية شاسعة، مغتنمة انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان الذي يُستكمل نهاية آب. 
وسبق لبيجينغ أن استضافت وفداً من طالبان عام 2019، لكن جذور علاقتهما تمتد لفترة أبعد من ذلك، عبر باكستان.
ورغم أنه لا يجمع بين قادة الحزب الشيوعي الصيني في بيجينغ ومتشددي طالبان الكثير من الأرضية الإيديولوجية المشتركة، لكن محللين يقولون إن البراغماتية المشتركة يمكن أن تؤدي إلى تقديم المصلحة الشخصية على الفوارق الحساسة.
تكره الصين وجود فراغ في السلطة خصوصاً على حدودها، وسيكون ارساء الاستقرار بعد عقود من الحرب لدى جارتها الواقعة غربا، الاعتبار الأول لبيجينغ. وهي ترى أنّ من شأن إدارة مستقرة ومتعاونة في كابول أن تمهد الطريق أمام توسيع "مبادرة حزام وطريق" في أفغانستان وعبر جمهوريات آسيا الوسطى.
من جانبها، ترى طالبان في الصين مصدراّ بالغ الأهمية للاستثمار والدعم الاقتصادي، إما مباشرة أو من خلال باكستان، الراعي الإقليمي الرئيسي للمتمردين والحليف الوثيق لبيجينغ.
ويقول الخبير الأفغاني المقيم في أوستراليا نيشانك موتواني لفرانس برس "عبر جعل الصينيين الى جانبهم، سيكون في إمكان الصينيين منحهم غطاء ديبلوماسياً في مجلس الأمن". 
ويضيف "من المهم أن نلاحظ ... أنّه عندما تفتح دول أخرى أبوابها وتتعامل مع طالبان، فإن ذلك يقوّض شرعية الحكومة الأفغانية، ويقدّم طالبان بوصفها تقريباً حكومة قيد الانتظار".
وأدى هجوم طالبان الشامل إلى سيطرة المتمردين على معابر حدودية رئيسية وعشرات الأقاليم وتطويق العديد من عواصم الولايات.
وغادرت القوات الأفغانية، التي تفتقد للغطاء الجوي الأميركي لعملياتها، بعض المناطق الريفية من دون قتال، فيما تكافح للدفاع عن عواصم الولايات، مع تشديد طالبان الخناق حولها. 
واتهمت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية متمردي طالبان بارتكاب فظائع بحق المدنيين في المناطق التي استولوا عليها، بما فيها بلدة سبين بولداك قرب الحدود مع باكستان.  واتهمت السلطات الأفغانية طالبان بقتل حوالى 100 مدني في البلدة منذ سيطرتها عليها، الامر الذي نفته الحركة.